على مدى أكثر من ثلاثة عقود، تحول مسلسل «عائلة سيمبسون - The Simpson»، من مجرد عمل كارتونى ساخر إلى مادة خصبة للنقاشات العامة، خاصة بسبب ما يعتبره البعض تنبؤات مستقبلية دقيقة طرحتها حلقاته وتحققت بالفعل.
المسلسل الذى انطلق عام 1989 تنبأ، وفق اعتقاد جمهوره، بانتخاب دونالد ترامب رئيسًا لأمريكا، وانتشار فيروس شبيه بكورونا، وانتشار الساعات الذكية بين العامة، بل حتى كارثة غرق الغواصة «تيتان» فى عام 2023.
ومع تصاعد وتيرة الحرب بين إيران وإسرائيل انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى صورة منسوبة للمسلسل، تظهر مشهدًا يحمل عبارة Breaking News: Global Conflict WWIII إلى جانب علمى إيران وإسرائيل وتاريخ 2024، فى محاولة لإثبات أن The Simpsons «تنبأ بالحرب العالمية الثالثة» عبر صراع بين البلدين، وذلك فى ظل غائب تمامًا للمسلسل عن هذه الاحداث التى تشغل العالم اليوم بين طهران وتل أبيب.
ورغم التحقق من عدم وجود هذا المحتوى المتداول، عبر مراجعة أرشيف الحلقات الرسمى، وأظهرت الدلائل أن هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة، شهدت مواقع التواصل الاجتماعى انتشار واسع لتلك التنبؤات المفبركة.
حقيقة غائبة
أكدت وكالات دولية مختصة بالتحقق من الأخبار، من بينها Reuters وAP News وSnopes، أن الصورة الشهيرة تم تعديلها رقميًا باستخدام برامج التصميم، ولم تعرض أبدًا فى أى حلقة من حلقات المسلسل، كما لم تسجل أى إشارة أو تعليق فى سيناريوهات The Simpsons - سواء بشكل مباشر أو ساخر - على صراع بين إيران وإسرائيل أو حتى على حرب عالمية ثالثة تبدأ من الشرق الأوسط.
وأوضحت منصة Snopes، المعروفة بتقصى الشائعات، أن هذا النوع من الفبركات البصرية أصبح شائعًا فى السنوات الأخيرة، خاصة فى حالات الأزمات الكبرى، حيث يبحث الجمهور عن أى رمز أو مرجع سابق يساعدهم على تفسير الواقع أو توقع المستقبل.
تنبؤات أم مصادفات؟
من المؤكد أن بعض حلقات The Simpsons بدت كأنها سبقت أحداثا واقعية، مثل مشهد فوز ترامب فى حلقة Bart to the Future 2000، أو مشهد خلل آلات التصويت فى انتخابات أمريكية، أو حتى الطائر الناقل لعدوى فى حلقة أذيعت عام 1993، لكن معظم هذه التوقعات يمكن تفسيرها فى إطار السخرية الاجتماعية والسياسية التى تميز المسلسل، إلى جانب براعة كتابه فى التقاط توجهات واقعية وتحويلها إلى مادة كوميدية مبالغ فيها، وهو ما يجعل بعض المصادفات مثيرة فعلا، لكنها لا ترقى إلى وصف نبوءات حقيقية.
واللافت هنا، أن مسلسل الرسوم المتحركة الهزلى، الذى لم يتردد فى السخرية من رؤساء دول وصراعات الشرق الأوسط، لم يتناول ولو من باب التهكم هذا النزاع الإيرانى الإسرائيلى المتصاعد، رغم خطورته ومركزيته فى السياسة العالمية اليوم.
يقين زائف
الإيمان بأن المسلسل «يعرف الغيب» جزئيًا يعكس رغبة بشرية فى تنظيم الفوضى المحيطة بنا، ومع تسارع الأخبار، وتضارب التحليلات، يبحث الكثيرون عن رموز مألوفة تمنحهم شعورًا بالفهم أو السيطرة، حتى ولو كانت من مسلسل كرتونى، ومع سهولة التلاعب بالصور والمقاطع عبر الإنترنت، يتحول هذا الإيمان إلى يقين زائف ينتشر بسرعة كبيرة ومرعبة.
لكن من المهم هنا التذكير بدور الجمهور والإعلام فى التحقق من المحتوى، وعدم الانسياق خلف كل ما يبدو «مثيرًا» أو «مخيفًا» بصريًا، فالمسلسل بالرغم من ذكائه الفنى، ليس أداة تنبؤ، ولا يملك رؤية مستقبلية، وإنما هو مرآة ساخرة للواقع الأمريكى والعالمى.