المكتبة الإسلامية (25).. رياض الصالحين للإمام النووي كنز الأحاديث النبوية - بوابة الشروق
الثلاثاء 25 مارس 2025 9:17 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

المكتبة الإسلامية (25).. رياض الصالحين للإمام النووي كنز الأحاديث النبوية

محمد حسين
نشر في: الثلاثاء 25 مارس 2025 - 11:52 ص | آخر تحديث: الثلاثاء 25 مارس 2025 - 11:57 ص

اكتمل الوحي الإلهي بقول الله -تعالى- في سورة المائدة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"؛ ليكون الإسلام منهجًا متكاملًا يحكم حياة المسلمين وفق كتاب الله وسنة نبيه -صل الله عليه وسلم-.

وبعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، اجتهد العلماء في فهم نصوص الوحي، واستنباط الأحكام الشرعية، فظهر علم أصول الفقه؛ ليضع القواعد المنهجية التي تضبط عملية الاجتهاد والاستنباط.

وفي هذه السلسلة، نطوف معًا بين رفوف "المكتبة الإسلامية"، نستكشف في كل حلقة كتابًا أثرى الفكر الإسلامي، ونتأمل في معانيه وأثره في مسيرة العلم والدين.

الحلقة الخامسة والعشرون..

يُعد "رياض الصالحين" للإمام النووي من أعظم كتب الحديث التي جمعت أقوال النبي صل الله عليه وسلم وأفعاله في مختلف جوانب الحياة، حيث لم يكن مجرد كتاب حديث، بل جاء كدليل عملي يرشد المسلم إلى طريق الصلاح في العبادات، والأخلاق، والمعاملات، والتربية الروحية، وتميز بأسلوبه السهل وتصنيفه الموضوعي؛ مما جعله مرجعًا أساسيًا للمسلمين عبر العصور.

من هو الإمام النووي؟

وُلد الإمام يحيى بن شرف النووي عام 631هـ، وكان من أبرز علماء الحديث والفقه في عصره، حيث عرف بورعه وزهده وانشغاله التام بالعلم.

واشتهر بمؤلفاته التي أصبحت مراجعا لا غنى عنها، ومن أبرزها "شرح صحيح مسلم" الذي يُعد من أدق شروحات الحديث، و"الأربعون النووية" التي جمعت 40 حديثًا أساسيًا من كلام النبي صل الله عليه وسلم، بالإضافة إلى "المجموع شرح المهذب" الذي يُعتبر أحد أهم الكتب الفقهية في المذهب الشافعي. إلا أن "رياض الصالحين" ظل أكثر كتبه انتشارًا وتأثيرًا بين المسلمين؛ نظرًا لما يحتويه من أحاديث صحيحة مرتبة بطريقة موضوعية، تجعلها قريبة من القارئ وسهلة التطبيق في الحياة اليومية.

ولم يكن "رياض الصالحين" مجرد تجميع للأحاديث النبوية، بل كان مشروعًا علميًا يهدف إلى تقريب السنة النبوية للمسلم العادي، وتقديمها كنموذج تطبيقي يُحتذى به. وقد حرص الإمام النووي على جمع أكثر من 1900 حديث صحيح، مستخلصًا إياها من أهم كتب الحديث مثل صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن الترمذي وأبي داود والنسائي، حيث انتقى الأحاديث التي تتناول موضوعات رئيسية مثل الإخلاص، والتقوى، والأخلاق، والعبادات، والمعاملات، والزهد، والجهاد، والذكر والدعاء.
رياض الصالحين..الطريق للهدي النبوي

وفي مقدمة كتابه، أوضح النووي، أن هدفه هو إرشاد المسلم إلى الهدي النبوي في كل تفاصيل حياته، بحيث لا يكون الدين مقتصرًا على العبادات فقط، بل يمتد ليشمل الأخلاق والمعاملات والسلوك الشخصي؛ لذلك بدأ كتابه بـ "كتاب الإخلاص وإحضار النية"، حيث أكد فيه أن الأعمال لا تُقبل عند الله إلا إذا كانت خالصة له، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" (رواه البخاري ومسلم).

ومن هذا المنطلق، تتوالى موضوعات الكتاب، حيث يتناول "كتاب الأدب" القيم الأخلاقية الأساسية مثل الصدق، والوفاء، والعفو، وحسن التعامل مع الآخرين، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" (رواه البخاري ومسلم)، وهو ما يعكس أهمية ضبط النفس والرفق في المعاملة.

مضمون الكتاب

أما في "كتاب العبادات"، فقد تناول النووي هدي النبي صل الله عليه وسلم في الصلاة والصيام والزكاة والحج، مبينًا فضائل كل عبادة وكيفية أدائها وفق السنة النبوية، حيث أورد حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" (رواه البخاري ومسلم)، وهو دليل على أهمية النية الصالحة في أداء العبادات، ولم يكن الكتاب مقتصرًا على الجوانب الروحية فقط، بل تناول أيضًا هدي النبي صل الله عليه وسلم في المعاملات اليومية في "كتاب البيوع والمعاملات"، حيث شرح النووي أحكام البيع والشراء، والأمانة في التجارة، وحقوق الجار، والتعامل مع الآخرين بالعدل والرحمة.

كما خصص "كتاب الجهاد" للحديث عن أخلاقيات الحرب والسلام في الإسلام، موضحًا أن الجهاد ليس مجرد قتال، بل هو منظومة أخلاقية تنظم العلاقات الدولية في الإسلام، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقتلوا شيخًا ولا صبيًا ولا امرأة" (رواه أبو داود)، وهو دليل على رحمة الإسلام حتى في ساحات القتال.

ولم يغفل النووي الحديث عن الجوانب الصحية والعلاجية في السنة النبوية، حيث تناول في "كتاب الطب والتداوي" هدي النبي صل الله عليه وسلم في العناية بالصحة، والتداوي بالأعشاب الطبيعية، والنظام الغذائي، مؤكدًا أن الإسلام لا يفصل بين الروح والجسد، بل يدعو إلى التوازن بينهما.

كما ختم كتابه بـ"كتاب الذكر والدعاء"، الذي يوضح أهمية الأذكار اليومية في حياة المسلم، حيث نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" (رواه مسلم)، وهو ما يعكس مكانة الذكر في تهذيب النفس وربط العبد بربه.

جامع العلم والتربية

بحسب ما ورد في "البداية والنهاية" لابن كثير، فإن "رياض الصالحين" يُعد من أكثر كتب الحديث التي جمعت بين العلم والتربية الروحية، حيث قال: "من قرأ رياض الصالحين وجد فيه زادًا لا غنى عنه في عبادته وسلوكه ومعاملاته".

كما أثنى عليه الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار"، قائلًا: "رياض الصالحين كتاب يجمع بين الحديث والفقه والتزكية، فلا يستغني عنه طالب علم ولا عامي".

ربط السنة بواقع الحياة

ظل "رياض الصالحين" أحد أهم المراجع التي تربط بين السنة النبوية والواقع العملي، فهو ليس مجرد كتاب حديث، بل هو دليل تطبيقي يُرشد المسلم إلى كيفية الاقتداء بالنبي صل الله عليه وسلم في كل تفاصيل حياته، من عباداته إلى أخلاقه إلى معاملاته اليومية؛ لذا، يبقى زادًا لا غنى عنه في سلوك المسلم، ودليلًا متكاملًا للعبادة والأخلاق، يجمع بين الحديث والفقه والتزكية، ليكون بذلك منهج حياةٍ متكاملًا لكل مسلم يسعى إلى الفلاح في الدنيا والآخرة.


وغدا نلتقي مع كتاب جديد من المكتبة الإسلامية

اقرأ أيضا

المكتبة الإسلامية (24).. إحياء علوم الدين: موسوعة التصوف والإصلاح الروحي للإمام الغزالي



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك