تواصلت فعاليات "ملتقى سوهاج.. الهوية والاستدامة" ببيت ثقافة أخميم بسوهاج، تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، واللواء عبد الفتاح سراج محافظ سوهاج، وتنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة اللواء خالد اللبان.
وأقيمت عقب الافتتاح جلستين بحثيتين بحضور الكاتب محمد عبد الحافظ ناصف مستشار رئيس الهيئة للأنشطة الفنية والثقافية، وجمال عبد الناصر مدير عام إقليم وسط الصعيد الثقافي، والدكتورة الشيماء الصعيدي مدير عام إدارة أطلس المأثورات الشعبية، وأحمد فتحي مدير عام فرع ثقافة سوهاج، وبمشاركة نخبة من الباحثين وأساتذة الجامعات والمهتمين بالتراث الثقافي.
الجلسة البحثية الأولى.. من "العلبة" إلى الألعاب الشعبية والموالد
ترأس الباحث شهاب عماشة الجلسة الأولى التي افتُتحت بورقة بحثية للباحثة نهاد حلمي عن "عادة العلبة" في زيجات الجهينة، والتي رصدتها لأول مرة بوصفها عنصرا تراثيا غير مدون سابقا. وعرفتها باعتبارها اتفاقا عرفيا يقوم بموجبه والد العروس بطلب مبلغ مالي رمزي يعكس مكانة العروس، مستقل تماما عن المهر وتكاليف الزواج، حيث وصل في بعض الحالات إلى 200 ألف جنيه.
في السياق نفسه، تناولت الباحثة نهى الكاشف عادات الميلاد في سوهاج، وطرحت إشكالية تداخل العادات الدينية مع الشعبية، مثل طقوس "كحل المولود" و"الوطوطة" و"دق الهون"، وعادات الولادة كأكل البيض المسلوق لتسهيل المخاض، مشيرة إلى تحوّل العديد من هذه العادات إلى طقوس دينية كالعقيقة، مع استمرار بعض الممارسات التقليدية المتوارثة.
كما عرض د. سامح شوقي الباحث بأطلس المأثورات الشعبية دراسة ميدانية عن الألعاب الشعبية، تناول فيها تدهور هذه الممارسات التراثية لصالح الألعاب الإلكترونية، موضحا فوائد الألعاب التقليدية في تنمية التفاعل الاجتماعي والابتكار والحركة، ومسلطا الضوء في الوقت نفسه على اقتصاديات الألعاب الرقمية التي تضاهي اقتصاد تجارة السلاح، وتحمل في مضمونها ثقافات دخيلة وسلبيات صحية ونفسية.
واختتم الجلسة الباحث أشرف أيوب معوض بعرض ميداني حول الاحتفال الشعبي بمولد الأنبا شنودة في سوهاج، واعتبره امتدادا لتراث الموالد في مصر، مؤكدًا التداخل الثقافي بين المعتقدات الإسلامية والمسيحية في مظاهر الاحتفال، وأهمية توثيق مثل هذه الظواهر لدورها العلاجي والنفسي والاجتماعي. ودعا إلى توثيق الموالد شعبيا وأكاديميا وتشجيع السياحة الدينية على أساسها.
التنمية بالحرف اليدوية والتدريب على التراث
وفي الجلسة البحثية الثانية التي ترأسها د. محمد حسن حافظ، طرحت الباحثة شيماء النجار تجربتها الرائدة في التمكين الاقتصادي للسيدات من خلال مشروع التلي، الذي بدأته في عام 2000، وتحول إلى مشروع تراثي ضخم يضم أكثر من 800 سيدة. وسلطت الضوء على أهمية الإيمان بالمشروع، وتخطي التحديات المرتبطة بالتسويق والمجتمع، وكيف استطاعت أن تصل بمنتجات أخميم إلى العالمية.
كما تحدثت سميرة عطية، مديرة جمعية التربية والتنمية بسوهاج، عن مشروعها الخاص بتعليم الفتيات فنون التطريز والنسيج التراثي، وأهمية الحرف اليدوية في الحفاظ على الهوية الثقافية، مستعرضة تجارب فتيات مثل "نورا خلف" و"مريم عزمي" اللتين قدمتا نماذج فنية مبهرة وصلت إلى المعارض الدولية.
ومن جانبه، عرض الباحث طه إسماعيل تجربة تدريب طلاب جامعة سوهاج على الجمع الميداني للفلكلور من خلال مشروع مشترك مع إدارة أطلس المأثورات، حيث تم تدريب عشرات الطلاب نظريا وعمليا على مفاهيم الأدب الشعبي والثقافة الميدانية في تجربة فريدة من نوعها بدأت في الفرافرة.
واختتم الجلسة د. محمد حسن حافظ، الذي قدم عرضا عن تنفيذ مواويل قديمة بلغة عالمية من خلال أمهر رواة السيرة الهلالية في سوهاج، مؤكدا استمرار هذا الفن الشفاهي كجزء أصيل من الهوية المصرية.
واختتمت الجلستان بمداخلات ثرية حول سبل توثيق التراث الشعبي، وضرورة إدماج الشباب في مشروعات الحفاظ على الهوية، إلى جانب توصيات بدعم المؤسسات الثقافية لمثل هذه المبادرات، وتعزيز التسويق للحرف التراثية، وربط الثقافة بالتنمية الاقتصادية، وتشجيع الدراسات الأكاديمية في هذا المجال الحيوي. واختتم اليوم الأول للملتقى بفقرة إنشاد ديني احتفاء بالهوية الروحية الشعبية.
وتقام جلسات الملتقى على مدار يومين بمشاركة نخبة من الباحثين والمهتمين بالتراث، ويصاحبها عروض فنية وورش حرفية. وينفذ الملتقى من خلال الإدارة العامة لأطلس المأثورات الشعبية، التابعة للإدارة المركزية للدراسات والبحوث، برئاسة د. حنان موسى، وبالتعاون مع إقليم وسط الصعيد الثقافي وفرع ثقافة سوهاج.