في واحدة من أكثر الجرائم جرأة وإثارة في التاريخ الحديث، استيقظ العالم يوم الأحد الماضي، على صدمة ثقافية هزت كبرياء الفن الفرنسي بعدما تعرض متحف اللوفر لعملية سرقة أربكت أجهزة الأمن، وأذهلت الخبراء بما تميزت به من دهاء وتخطيط متقن يشبه مشاهد أفلام الجريمة.
سبع دقائق غيرت التاريخ
ففي حوالي الساعة التاسعة والنصف صباحًا (بالتوقيت المحلي)، اقتحم أربعة لصوص ملثمون قاعة «أبولو» التي تضم جواهر وتيجان التاج الملكي الفرنسي، وسرقوا تسع قطع نادرة تعود إلى القرن التاسع عشر، تُقدر قيمتها بنحو 88 مليون يورو، في عملية لم تستغرق سوى سبع دقائق فقط.
واستخدم اللصوص رافعة صغيرة للوصول إلى نافذة تطل على نهر السين، وقطعوا زجاجها بمنشار كهربائي قبل التسلل إلى القاعة.
وبعد كسر خزانتي عرض، استولوا على المجوهرات وفرّوا بسرعة على دراجتين ناريتين، تاركين وراءهم حيرة عالمية حول كيفية تنفيذ جريمة بهذه الدقة والجرأة في قلب العاصمة الفرنسية.
لغز أمني يربك الخبراء
وبينما تتكشف تفاصيل العملية تباعًا، يتساءل المهتمون بالقضية حول العالم: كيف نجح اللصوص في اختراق واحدة من أكثر منظومات الحماية تطورًا في العالم دون كشف أمرهم؟
ويشارك في التحقيق نحو 100 محقق من فرقة مكافحة العصابات (BRB)، والمكتب المركزي لمكافحة الاتجار بالممتلكات الثقافية (OCBC)، بإشراف النيابة المتخصصة بمكافحة الجريمة المنظمة، وتعمل الفرق حالياً على تحليل لقطات كاميرات المراقبة العامة والخاصة في باريس وضواحيها لتحديد مسار هروب اللصوص.
وتأمل مدعية باريس العامة، لور بيكوا، في أن «الضجة الإعلامية حول السرقة تترك بصيص أمل» في أن «اللصوص لن يجرؤوا على التحرك كثيراً بالمجوهرات المسروقة».
جورج كلوني يبدي إعجابه بحرفية اللصوص
وخلال العرض الأول لفيلمه «جاي كيلي» في لوس أنجلوس، أبدى نجم هوليوود جورج كلوني، إعجابه بطريقة تنفيذ العملية التي وصفها بأنها «احترافية ومذهلة».
وقال بطل سلسلة أفلام «أوشن» لمجلة «فارايتي»، مازحًا: «السرقة بالطبع مروعة، لكن بصفتي لصًا محترفًا كما في أفلامي، كنت فخورًا بهم فعلًا».
وأعرب عن دهشته من نجاح اللصوص في الهروب دون أن يُكشف أمرهم حتى الآن، قائلًا: «أتساءل إن كانوا سيتمكنون من القبض عليهم، لأنهم فعلوا ما يبدو أنه عملية منظمة للغاية».
فرنسا تلجأ إلى خزائن البنك المركزي
وفي خطوة تعكس حجم القلق الأمني، أفادت إذاعة «آر.تي.إل» الفرنسية، اليوم السبت، بأن إدارة متحف اللوفر قررت نقل عدد من أثمن مجوهراتها إلى خزائن بنك فرنسا المركزي.
ووفق مصادر لم تسمها الإذاعة الفرنسية، تمّت العملية الجمعة الماضية وسط حراسة مشددة، وشملت قطعًا من معرض «أبولو» الذي يضم جواهر الحقبة الملكية.
ويقع البنك المركزي، الذي يضم احتياطيات فرنسا من الذهب في قبو ضخم على عمق 27 مترًا تحت الأرض، على بُعد 500 متر فقط من المتحف، في قلب الضفة اليمنى لنهر السين.
رواية قديمة تنبأت بالواقعة
وازدادت الواقعة غرابة بعدما أعادت وسائل إعلام فرنسية نشر مقاطع من رواية صدرت عام 1961 بعنوان «اتصلوا بفانتوميت» (Appelez Fantômette) للمؤلف جورج شوليه، تصف بدقة مدهشة سيناريو قريب جدًا مما حدث في اللوفر.
المصادفة الأدبية التي وصف فيها أحد الشخصيات «كيف يمكن سرقة ماسة» من أشهر متحف في العالم «في وقت قياسي»، جعلت بعض الفرنسيين يتحدثون عن «نبوءة أدبية تحققت بعد ستة عقود».
وجاء على لسان إحدى شخصيات الرواية: «يكفي وضع سلم على الحائط، والصعود إلى الطابق الأول. ثم: كسر البلاط، قطع مسافة عشرة أمتار، كسر واجهة المحل بضربة مطرقة، وبالتالي نضع أيدينا على الشيء المقصود».
وتضيف الشخصية المذكورة في الرواية، وهي أصلا في السجن: «أؤكد لكم أن الأمر سيكون سهلا!». ففي هذه القصة، وصف دقيق لكيفية سرقة ماسة بمتحف اللوفر في باريس «دون أن يؤذى أحد، وفي وقت قياسي».
سرقة تتحول إلى حملة دعائية
وفي مشهدٍ لا يخلو من الطرافة، استغلت شركة «بوكر» الألمانية المصنعة للرافعة التي استخدمها اللصوص الحدث للترويج لمنتجها.
ونشرت عبر صفحتها الرسمية صورة للرافعة «أجيلو» مائلة على مبنى، مرفقة بعبارة ساخرة: «إذا كنت على عجلة من أمرك، أجيلو تنقل كنوزك حتى 400 كجم بسرعة 42 مترًا في الدقيقة، وبهدوءٍ تام».
وسارع المدير التنفيذي للشركة إلى التوضيح بأن الإعلان «طريف لكنه لا يشجع على الجريمة»، مضيفًا أن «الفكاهة تولد بعد الصدمة».