فيديو عبوة القسام: سقوط أسطورة الحصن المتنقل
أعاد مقطع الفيديو الذي نشرته كتائب القسام لمقاتل يقتحم ناقلة جند إسرائيلية ويُلقي عبوة محلية داخلها، طرح التساؤلات حول فاعلية ناقلات الجنود الإسرائيلية التي لطالما روجت لها تل أبيب باعتبارها "حصوناً متحركة" تحمي جنودها. فرغم عقود من التطوير والتسليح الثقيل، أثبتت هذه المركبات فشلها في صد نيران المقاومين العرب، كما وثّقته ساحات القتال من سيناء إلى غزة.
العقيدة القتالية الإسرائيلية: الخوف من النزول والمواجهة
يمتاز جندي المشاة الإسرائيلي عن غيره بأنه نادرًا ما يتحرك مترجلاً، مفضلاً البقاء داخل ناقلات الجنود المدرعة، حيث تُدار المدافع والرشاشات من الداخل، وتُزوّد الناقلة بمخارج طوارئ للهرب. هذا الاعتماد المفرط على التكنولوجيا، عوضًا عن الجرأة الميدانية، شكّل نقطة ضعف قاتلة في المواجهات مع مقاومة تعتمد الجرأة والشجاعة كأسلحتها الأساسية.
من خيول الحرب إلى "زيلدا": بدايات ناقلات الجنود
بدأت فكرة ناقلات الجنود في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حين كانت الخيول والقطارات هي وسائل النقل العسكري، لكنها لم توفر الحماية من نيران العدو. فتم تطوير ناقلات مدرعة تتيح نقل الجنود بسرعة وتحويلها لمنصات إطلاق نيران، لتصبح حجر الزاوية في عقيدة المشاة الحديثة، بما في ذلك الجيش الإسرائيلي الذي تبنّى هذا النموذج مبكرًا.
من حرب 67 إلى أكتوبر 73: بداية المأساة المصفحة
دخلت إسرائيل عالم ناقلات الجنود بقوة بعد حرب 1967، مستخدمة طراز M113 الأميركي. لكن في حرب أكتوبر 1973، تحوّلت تلك الناقلات إلى توابيت حديدية، لا سيما في معركة المزرعة الصينية، حيث تكبّدت قوات الاحتلال خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، بعدما اخترقت قذائف الـ"آر بي جي" صفائح الألمنيوم الرقيقة.
من بيروت إلى الانتفاضة: دماء الجنود داخل الناقلات
واصلت إسرائيل الاعتماد على نفس الطراز في اجتياح لبنان 1982 والانتفاضتين الأولى والثانية، رغم تكرار الخسائر. ففي انتفاضة الأقصى وحدها، قُتل 11 جنديًا في استهداف ناقلة، ورفض عشرات الجنود دخول غزة داخل ناقلات M113 في 2014، بعدما اعتبروها "مقصلة متحركة".
محاولات التطوير: من "نمر" إلى "إيتان"… بلا نتيجة
رغم محاولات تطوير ناقلات أكثر تدريعًا مثل "نمر" (المعدّلة من دبابات ميركافا)، و"إيتان" الأخف وزنًا، فإن الخسائر تكررت. فقد أُصيبت "نمر" خلال اقتحام جنين عام 2022، وأُسقطت أخرى خلال "طوفان الأقصى" عام 2023، بينما تم تدمير ناقلات "إيتان" بقذائف بسيطة في مخيمات رفح.
بومة ونغماشوت: تقنيات هندسية لم تردع المقاومة
أحدث الناقلات مثل "بومة"، المخصصة لكشف وتفجير الألغام، لم تكن بمنأى عن الاستهداف. ورغم أن بعضها يعتمد أنظمة تفجير استباقي للقذائف، فإن مقاطع الفيديو التي بثتها المقاومة تثبت أنها لا تصمد أمام العبوات المحلية أو صواريخ الكورنيت. وحتى الناقلات القديمة مثل "إيخزريت" و"نغماخون" فشلت في حماية جنودها، كما حدث في هجوم 7 أكتوبر على ناحل عوز.
أرقام وموديلات: قوة ظاهرية تنهار عند أول اختبار
M113 "زيلدا": أخف ناقلة (12 طناً)، ما تزال في الخدمة رغم عمرها الطويل، وتخضع لحالات احتراق متكرر.
"نمر": الأكثر تدريعاً (60 طناً)، لكن تعرّضت للاستهداف المتكرر.
"إيتان": الأسرع، لكن دمّرت أولى وحداتها بقذائف بسيطة.
"بومة": هندسية-هجومية، لم تُثبت كفاءة ميدانية.
"إيخزريت" و"نغماخون": تطويرات على دبابات قديمة، محدودة التأثير.
التقنية وحدها لا تربح المعركة
رغم ضخامة الإنتاج، والإمكانات التكنولوجية العالية، وتضخيم الآلة الإعلامية، أثبتت المقاومة العربية أن ناقلات الجنود الإسرائيلية، بكل ما تملكه من دروع وأسلحة، تظل هدفًا هشًا في بيئة حرب الشوارع. وتبقى الحقيقة البسيطة أن الإرادة والإقدام تفوق "الحصن المتحرك"، مهما بلغ ثمنه أو وزنه.