خالد محمود يكتب: من الخنادق إلى الشاشات.. أفلام خلّدت مأساة الحرب العالمية الأولى - بوابة الشروق
الأحد 27 يوليه 2025 5:57 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

خالد محمود يكتب: من الخنادق إلى الشاشات.. أفلام خلّدت مأساة الحرب العالمية الأولى


نشر في: السبت 26 يوليه 2025 - 7:51 م | آخر تحديث: السبت 26 يوليه 2025 - 7:58 م

- وثقت حقائق الأحداث وأوهامها بين الألم والأمل بصور بصرية مدهشة
- بعض الأعمال تبنت منظورًا بطوليًا ووطنيًا.. وأخرى انحازت إلى معاناة الجنود.. والثالثة اختارت نبرة نقدية ضد القيادات العسكرية والسياسية
- الحرب شكّلت مادة غنية للسينما لأنها شهدت تطورًا فى وسائل القتال والدعاية     


فى مثل هذه الأيام، تعود إلى الذاكرة واحدة من أكثر الحروب دموية فى تاريخ البشرية: الحرب العالمية الأولى، التى اندلعت 27 يوليو عام 1914 وامتدت حتى عام 1918، تاركة وراءها عشرات الملايين من الضحايا، وخريطة سياسية جديدة للعالم، وصدمة جماعية استمر أثرها لعقود. وبينما سجّلت الكتب والصحف والمراسلات تفاصيل هذه الكارثة، قدّمت السينما وسيلة مختلفة لسرد الحكاية؛ سرد بصرى يمزج بين التوثيق والتعبير، بين الحقيقة والمجاز، وبين الألم والأمل.

وشكّلت الحرب العالمية الأولى مادة غنية للسينما، ليس فقط بسبب ما فيها من دراما إنسانية وعسكرية، بل لأنها كانت أيضًا «أول حرب حديثة» تشهد تطورًا فى وسائل القتال والدعاية. تعاملت الأفلام مع هذه الحرب بطرق متعددة: بعضها تبنّى منظورًا بطوليًا ووطنيًا، وأخرى انحازت إلى الجنود العاديين ومعاناتهم، بينما اختارت أفلاما لاحقة بنبرة نقدية حادة ضد القيادات العسكرية والسياسية.

كيف روت السينما العالمية قصة «الحرب الكبرى»، وكيف تغيّر هذا السرد عبر العقود، من التمجيد إلى التشكيك، ومن البطولة إلى العبث.. هنا نستعرض أبرز الأعمال السينمائية التى تناولت هذا الحدث المفصلى، ونحلل طبيعة الرسائل التى قدّمتها، وسياقات إنتاجها، وأثرها فى تشكيل الذاكرة الجماعية عن تلك الحرب.

«أجنحة»

حاولت الأفلام تقديم الحرب على الشاشة، لالتقاط ما لا تستطيع الكلمات وحدها أن تصفه: أهوال الجبهة، الخسائر البشرية، والمشاعر المعقدة التى سكنت الجنود والناجين.

أحد أبرز هذه الأعمال هو فيلم «أجنحة» 1927 للمخرج ويليام أ. ويلمان، وبطولة كلارا بو، تميز هذا العمل الذى يبقى من أجمل كلاسيكيات السينما، بمشاهد جوية مبتكرة، واستخدم تقنيات متقدمة نسبيًا لعصره. ورغم احتوائه على عناصر بطولية، فإنه لم يُغفل جانب المعاناة والتضحية، مما جعله محطة مهمة فى تقديم الحرب من منظور إنسانى.

تدور أحداث الفيلم حول رجلين، أحدهما ثرى والآخر من الطبقة المتوسطة، يتنافسان على نيل ود نفس المرأة، بينما يصبحان طيارين مقاتلين خلال الحرب العالمية الأولى ويتغير المصير.

بفضل إنجازه السينمائى غير المسبوق، أبهر فيلم «أجنحة» الجمهور ببراعته التقنية فى مشاهد القتال الجوى. حقق نجاحًا كبيرًا فى شباك التذاكر، فى أول حفل توزيع جوائز الأوسكار على الإطلاق، فاز فيلم «أجنحة» بجائزتى أفضل فيلم وإنتاج، وأفضل مؤثرات بصرية وهندسية. ولسنوات عديدة، ظل فيلم «أجنحة» فيلمًا مفقودًا حتى ظهرت نسخة منه فى سينماتيك فرانسيز. فى عام ١٩٩٧، اختارت مكتبة الكونجرس الفيلم للحفظ فى السجل الوطنى للأفلام.


«كل شىء هادئ على الجبهة الغربية»

مع مرور الوقت، تغيّرت نظرة السينما للحرب، خاصة فى ثلاثينيات القرن العشرين. فقد بدأت تظهر أعمال تنتقد الحرب بشكل مباشر، وتُبرز جانبها العبثى والمدمر، كرد فعل على خيبة الأمل الجماعية فى نتائج الحرب والقيادات التى أشعلتها، بعيدًا عن الخطابات القومية أو التبجيل العسكرى. كانت هذه البدايات نواة لسردية جديدة: الحرب ليست مجرد انتصار أو هزيمة، بل مأساة بشرية متواصلة.

الفيلم الأمريكى «كل شىء هادئ على الضفة الغربية» للمخرج لويس مايلستون
All Quiet on the Western Front(1930) شكّل لحظة مفصلية، نقل الحرب من منظور الجنود الألمان الشباب الذين دخلوا المعركة بحماسة قومية، ليجدوا أنفسهم فى مستنقع من الخوف والوحل والضياع. الفيلم لم يكن مجرد قصة عن الحرب، بل نقد شامل لها، وللفكر القومى الذى سوّغها.

لما يقرب من 95 عاما، ظل «كل شىء هادئ على الجبهة الغربية» أحد أهم الأفلام التى تناولت الحرب العالمية الأولى على الإطلاق. بدءًا من الأداء القوى للو آيرز فى دور الجندى الشاب بول بومر المصاب بصدمة القصف، حيث يخوض الحرب بشغف. لكن حماس بول سرعان ما يتبدد عندما يشهد بنفسه أهوال الحرب الحقيقية، وقد جسّد ببراعة الروح المناهضة للحرب فى رواية الكاتبة ماريا ريمارك الشهيرة التى تحمل الاسم نفسه، وكان له ما يبرره حقًا، حيث صدر فى الوقت الذى كان فيه هتلر والحزب النازى يفرضان سيطرتهما.

لم تتضاءل أهمية قصة «كل شىء هادئ على الجبهة الغربية» على مر السنين، وهو ما يتضح من خلال الإشادة التى حظيت بها النسخة المعاد إنتاجها عام 2022. حيث صمد أمام اختبار الزمن لمدة قرن تقريبًا.

ورغم أنه أثار جدلًا واسعًا، حيث حظرته دولٌ مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والنمسا وأستراليا لأسباب سياسية عديدة، لكنه فى حفل توزيع جوائز الأوسكار الثالث، فاز بجائزتى أفضل فيلم مقتبس عن رواية وأفضل مخرج.. صنّف معهد الفيلم «كل شىء هادئ على الجبهة الغربية» فى المرتبة ٤٥ كأفضل فيلم أمريكى على الإطلاق. كما صنّفه المعهد نفسه سابع أعظم ملحمة هوليوودية

«الوهم الكبير»

أما فيلم الوهم الكبير («La Grande Illusion«(1937) للمخرج جان رينوار، فقد طرح الحرب كخدعة كبرى. لم يعد «العدو» موضوع الفيلم، بل العلاقات الإنسانية التى تتكوّن بين الجنود والسجناء، بعيدًا عن الانتماءات العسكرية.

تميزت هذه المرحلة بنضج فنى ملحوظ، وبنبرة أخلاقية أعمق، وبدأت السينما تتعامل مع الحرب ليس كحدث تاريخى فقط، بل كأزمة حضارية شاملة.

ويبقى فيلم «الوهم الكبير» من أفضل أفلام عن الحرب العالمية الأولى فى تاريخ السينما بجانب تأسيسه لحركة الواقعية الشعرية، ويروى قصة مجموعة من الجنود الفرنسيين، من خلفيات طبقية متفاوتة، يقعون أسرى حرب وعلى الرجال إيجاد طريقة للهروب.

«الوهم الكبير» عمل سينمائى رائع، تدور أحداثه حول الحرب العالمية الأولى، لكنه يحمل فى طياته وعيًا ذاتيًا بأن الحرب العالمية الثانية تلوح فى الأفق. كان للفيلم تأثير عميق على السينما العالمية لدرجة أنه أصبح أول فيلم بلغة أجنبية يُرشح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم. أثار «الوهم الكبير» غضب الحزب النازى بشدة، حيث أمر جوزيف جوبلز بمصادرة جميع نسخه وإتلافها. وقد صنّفت مجلة «إمباير» و«سايت آند ساوند» واستطلاع رأى دولى فى معرض بروكسل العالمى عام ١٩٥٨ فيلم «الوهم الكبير» كأحد أعظم الأفلام على الإطلاق.

«عودة إلى الجبهة بعدسة جديدة»

فى القرن الحادى والعشرين، استعادت السينما الحديثة موضوع الحرب العالمية الأولى، لكن بمنظور مختلف تمامًا. فبدلًا من التركيز على البطولات والمعارك، باتت الأفلام الحديثة تهتم بتجربة الفرد وسط جحيم جماعى، مستخدمة تقنيات تصوير متقدمة تعمّق الإحساس بالمكان والزمن والمعاناة.

فيلم «War Horse» حصان الحرب (2011) لستيفن سبيلبرج قدّم الحرب من منظور حصان، تنقّل بين الجبهات والجنود، ليكشف عبثية الصراع، وتشابه معاناة الجنود على الجانبين.

الفيلم المقتبس من رواية «حصان الحرب» الصادرة عام 1982، يتتبع قصة ألبرت ناراكوت (جيريمى إيرفين) وهو يجوب ساحات معارك أوروبا الغربية بحثًا عن حصانه العزيز الذى بِيعَ لسلاح الفرسان البريطانى.

على طريقة سبيلبرج المعهودة، يروى فيلم «حصان الحرب» قصة ساحرة وقوية وعميقة، ويدمجها مع مشاهد أكشن ومغامرات مبهرة لخلق تجربة مثيرة ومؤثرة. كما أن طاقم التمثيل، الذى يضم أيضًا توم هيدلستون وبينديكت كومبرباتش، كان رائعا.

«1917»

قدم فيلم «1917» (2019) للمخرج سام مينديز، تحفة تقنية وإنسانية من قلب الحرب العالمية الاولى بأسلوب يُحاكى اللقطة الواحدة، رافق المشاهد جنديَان بريطانيَان شابان، فى مهمة محفوفة بالموت عبر الجبهة، خاضا سباق مع الزمن، وهما يحاولان الوصول إلى خطوط المواجهة ومنع عقيد من إرسال ١٦٠٠ رجل إلى حتفهم. كان الشابان يسعيان لإيصال رسالة عاجلة لوقف هجوم محكوم عليه بالفشل، كان «1917» دراما حربية مفعمة بالإثارة لم يشهد العالم لها مثيلًا من قبل.

الفيلم كان تجربة بصرية ونفسية مكثفة، سلّطت الضوء على القلق والخوف اليومى الذى عاشه الجنود، بعيدًا عن الخطابات البطولية.

تصوير دقيق وعميق للصراع، ولكنه تميّز أيضًا بإنجازاته التقنية التى جعلت الفيلم يبدو وكأنه صُوّر بلقطة واحدة طويلة ومتواصلة. هذه التجربة الغامرة جعلت المشاهدين يشعرون وكأنهم فى قلب المعركة مباشرةً . كما يوحى عنوانه، يُقدم فيلم ١٩١٧ استكشافًا آسرًا للوحشية التى واجهها جنود الحرب العالمية الأولى. تبدأ القصة فى ٦ أبريل ١٩١٧، وسط مناوشة فوضوية بين القوات البريطانية والألمانية. دُمّرت خطوط الهاتف الميدانية، ولم تُدرك الكتيبة الثانية من فوج ديربيشاير، التى يبلغ قوامها ١٦٠٠ جندى، نداء التراجع. وهكذا، تم اختيار الشخصيتين الرئيسيتين فى الفيلم، ويليام «ويل» شوفيلد (جورج ماكاى) وتوماس «توم» بليك (دين تشارلز تشابمان)، لتقديم التحديث الحاسم للعقيد ماكنزى (بينيديكت كومبرباتش).

بالطبع، ولأن الفيلم يدور فى إطار الحرب العالمية الأولى، فهو مطلبٌ أشبه بالانتحار. فالسفر عبر الخنادق البريطانية الضيقة والمتعرجة سيستغرق وقتًا طويلًا جدًا. أسرع طريق هو خط مستقيم يخترق أرضًا محايدة. وهكذا، يستمتع المشاهدون برحلةٍ مثيرةٍ للأعصاب مدتها 119 دقيقة عبر الجبهة الغربية.

بسرعة مذهلة، صوّر المخرج سام مينديز الحقائق المروعة لحرب الخنادق، وعرض ببراعة معاناة الحياة اليومية للجندى على خطوط المواجهة.

كان «1917» دراما حربية مفعمة بالإثارة لم يشهد العالم لها مثيلًا من قبل.


«دروب المجد»

فى هذه الأعمال، غابت النبرة القومية، وحلّت محلها لغة السينما التأملية، التى تسعى لفهم الحرب كأزمة بشرية لا كصراع بين «خير وشر».

كذلك كان هناك تنوّع فى الرسائل والرؤى: الحرب بعدسة الإنسانية، السياسة، والتاريخ المنسى، لم تتبع السينما سردًا واحدًا للحرب، بل أضاءت زوايا متعددة منها، بحسب السياقات الثقافية والسياسية التى أنتجت فيها.

فى البعد الإنسانى، قدّمت أفلام مثل «خطوبة طويلة جدا» «A Very Long Engagement» (2004) تجربة الحرب من خلال الحب والفقد والانتظار، مركّزة على الجانب العاطفى والروحى من آثار الحرب.

وفى البعد السياسى، جاء فيلم «دروب المجد» «Paths of Glory» (1957) رائعة المخرج ستانلى كوبريك ليقدّم نقدًا قاسيًا للقيادات العسكرية الفرنسية، التى ضحّت بجنودها من أجل أوهام الشرف والانتصار.

طوال مسيرته المهنية، تناول كوبريك مواضيع متعلقة بالحرب فى أفلام مثل «الخوف والرغبة»، و«سبارتاكوس»، و«دكتور سترينجلوف أو: كيف تعلمت التوقف عن القلق وحب القنبلة»، و«بارى ليندون»، و«السترة المعدنية الكاملة». فى فيلم «دروب المجد»، نقل كوبريك بحوثه عن الحرب إلى خنادق فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى. الفيلم، المقتبس عن رواية همفرى كوب التى تحمل الاسم نفسه، من بطولة كيرك دوجلاس، القائد لعسكرى داكس الذى يُجبر على الدفاع عن ثلاثة جنود تم اختيارهم عشوائيا كبش فداء يُحاكمون عسكريا بتهمة الجبن بعد هجوم فاشل على موقع ألمانى.

بسبب انتقادات الحكومة للفيلم وموقفها المناهض للحرب، منعت فرنسا وسويسرا وإسبانيا عرضه فى دور السينما. لكن على مر السنين، أصبح أحد روائع كوبريك العديدة، فهو يصوّر ببراعة، ليس فقط مصاعب الحرب، بل أيضًا البيروقراطية التى تقف وراءها، وكان فيلمًا رائعًا بحق عن الحرب العالمية الأولى.

رشحه معهد الفيلم الأمريكى لقائمة أعظم الأفلام الأمريكية على مر العصور.

كما بدأت السينما تلتفت إلى القصص المنسية، مثل مشاركة الجنود من المستعمرات الفرنسية والبريطانية، الذين تم تجاهلهم طويلًا فى الرواية الرسمية. وكذلك، ظهرت أعمال تُبرز دور المرأة فى الحرب، من خلال التمريض، أو الكتابة، أو انتظار من لا يعود.

أيضا هناك نماذج عديدة لا يمكن أن نغفلها منها «جاليبولى ١٩٨١»

الفيلم يُعد عملًا بارزًا فى الموجة الأسترالية الجديدة. خلال الحرب العالمية الأولى، كانت حملة جاليبولى معركةً بين بريطانيا وفرنسا والإمبراطورية الروسية من جهة، والدولة العثمانية من جهة أخرى. وقد أسفر الصراع، الذى استمر قرابة أحد عشر شهرًا، عن انتصار العثمانيين.

وفيلم «الملكة الإفريقية» ١٩٥، مقتبس من رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب سى. إس. فورستر عام 1935، وهو فيلم مغامرات من الحرب العالمية الأولى من بطولة همفرى بوجارت وكاثرين هيبورن. من إخراج جون هيوستن، يركز الفيلم على قبطان قارب نهرى ومبشر إنجليزى يقومان برحلة محفوفة بالمخاطر عبر نهر لمهاجمة سفينة حربية ألمانية. صُوّر الفيلم فى إفريقيا، ويتميز بإنتاجه المضطرب، والذى تضمن طقسًا قاسيًا ومرضًا وظروفًا معيشية صعبة للعديد من الممثلين وطاقم العمل.

فيلم «الرقيب يورك» ١٩٤١ للمخرج هوارد هوكس هو فيلم سيرة ذاتية عن ألفين سى. يورك خلال الحرب العالمية الأولى. انضم يورك إلى جيش الولايات المتحدة، وادعى فى البداية أنه معترض ضميريًا على الخدمة العسكرية لتعارض العنف مع معتقداته الدينية. فى النهاية، تقبل يورك خدمته العسكرية وانضم إلى الفرقة 82. خلال هجوم ميوز - أرغون، قاد يورك هجومًا على وكر مدافع رشاشة ألمانية، واستولى على عشرات المدافع الرشاشة، وقتل عشرين رجلًا، وأسر أكثر من 100 سجين. تقديرًا لإنجازاته، حصل يورك على وسام الشرف. فى فيلم «الرقيب يورك»، يؤدى جارى كوبر دور ألفين سى. يورك.

«لورنس العرب»

فى المسيرة أيضا يحتل فيلم «لورنس العرب» 1962 من إخراج ديفيد لين، مكانة خاصة وفريدة فى تاريخ السينما كأحد أعظم الأفلام عن الحرب العالمية الأولى، ليس لأنه يغطى المعارك الكبرى، بل لأنه يقدم منظورا مختلفا تماما من خلال الثورة العربية، ويغوص فى تعقيدات السياسة والاستعمار والشخصية الإنسانية وسط الحرب.

معظم الأفلام التى تناولت الحرب العالمية الأولى ركزت على الجبهة الغربية (مثل المعارك فى فرنسا وبلجيكا) والمآسى فى الخنادق. بينما لورانس العرب يُعتبر من القلائل الذين قدموا صورة مغايرة تماما، من خلال الجبهة العربية، وتسليط الضوء على الثورة العربية الكبرى ضد الدولة العثمانية، بدعم بريطانى.

الفيلم لا يقتصر فقط على المعارك، بل يغوص فى الصراعات السياسية والتحالفات والخيانة، ويكشف كيف استغلت القوى الاستعمارية، خصوصا بريطانيا، حركات التحرر العربية لصالح مصالحها.

ت.إ. لورانس، الذى يجسده بيتر أوتول، يُقدّم كبطل معقّد: مستكشف، محارب، ودبلوماسى، لكنه أيضا ممزق داخليا فالفيلم يتناول كيف أن الحرب لم تكن فقط ساحة معارك بل صراع هويات وثقافات.

حاز على 7 جوائز أوسكار، منها أفضل فيلم وأفضل مخرج.

يعتبره نقاد كُثر من أعظم الأفلام فى التاريخ، بسبب إخراجه الملحمى (ديفيد لين)، وتصويره البانورامى للصحراء، والموسيقى التصويرية الخالدة.

السينما والذاكرة.. حين يروى الفن وجع التاريخ

كل هذه الأصوات تشكّل فى النهاية ما يُمكن تسميته بـ«الذاكرة المتعددة» للحرب، والتى ساهمت السينما فى تثبيتها وإعادة التفكير فيها.

منذ عقود والحرب العالمية الأولى تشكّل مادة غنية للسينما، ليس فقط لأنها أول حرب حديثة، بل لأنها حملت معها أسئلة وجودية لم تتوقف البشرية عن طرحها حتى اليوم. وبينما وثّق المؤرخون الخرائط والمعارك والتحالفات، اختارت السينما أن تروى وجوه الجنود، أنفاسهم، عيونهم المرتجفة، والرسائل التى لم تصل أبدًا إلى أحبّائهم.

لقد أثبتت السينما أنها أكثر من مجرد وسيلة ترفيه أو تسجيل بصرى للتاريخ، بل أداة لتفكيك الأسطورة، وطرح الأسئلة، وبناء الذاكرة الجماعية. وقدمت الأفلام عن الحرب العالمية الأولى مادة فنية وإنسانية تُعيدنا إلى تلك اللحظة التى اهتز فيها العالم، وبدأ يفهم أن الحروب لا تقتل فقط الأجساد، بل تقضى على المعنى ذاته.

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك