كان الغرض الرئيسي لزيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للمملكة المتحدة الأسبوع الماضي احتفاليا، وذلك للتوقيع على اتفاقية التجارة الحرة التي كان قد تم إبرامها في شهر مايو الماضي. غير أن الزيارة كانت أيضا تتويجا للجهود الرامية لتعزيز العلاقات الثنائية.
وقال المحلل السياسي تشيتيج باجباي وهو زميل باحث أول في برنامج جنوب آسيا وآسيا والمحيط الهادئ في معهد تشاتام هاوس ( المعروف رسميا باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية) في تقرير نشره المعهد إن هناك علاقة متعددة الأبعاد أكثر نضجا تتطور، وهى علاقة تتجاوز روابط اللغة طويلة الأمد والنظام القانوني وما يسمى بـ"الجسر الحي " للهنود في الشتات.
وأشار تقرير استراتيجية المملكة المتحدة الخاصة بالأمن القومي ،الذي نشر في وقت سابق العام الجاري ، إلى العلاقات الأخذة في التجذر ، وقال "إن الهند بلد نسعى لتحقيق شراكة استراتيجية حقيقة معه".
ويمهد التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة ، المعروفة رسميا بالاتفاقية التجارية والاقتصادية الشاملة، الطريق لبدء عملية المصادقة عليها ، ويمكن أن يستغرق تطبيقها عاما.
وأضاف باجباي أنه بالنسبة للهند ، تعتبر المكاسب ضخمة . وسوف يصل 99% من صادراتها إلى المملكة المتحدة دون فرض رسوم عليها. وتم استثناء القطاع الزراعي الهندي الحساس سياسيا ، الذي يوظف أكثر من 40%من القوة العاملة ، من اتفاقية التجارة الحرة ،وبالتالي لن يواجه أي منافسة من البضائع البريطانية.
واستطاعت نيودلهي أيضا تأمين امتياز من خلال اتفاقية المساهمة المزدوجة. وسوف يعفي هذا العمال الهنود الذين يقيمون بشكل مؤقت في المملكة المتحدة من دفع اسهامات التأمين الوطني طوال ثلاث سنوات .
وهذا الترتيب متبادل ، حيث يتجنب العمال البريطانيون المنتدبون للعمل في الهند وغير المقيمين بشكل دائم ،الضريبة المزدوجة على اسهامات التأمين الاجتماعي.
وتحقق المملكة المتحدة أيضا مكاسب ، حيث ينخفض متوسط الرسوم الهندية على منتجات المملكة المتحدة من 15% إلى 3%.
ويمكن القول إن الاتفاقية أكثر أهمية للمملكة المتحدة من الهند. و أشار رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إليها على أنها الاتفاقية التجارية الأكبر والأكثر أهمية اقتصاديا التي أبرمتها المملكة المتحدة منذ الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست).
وأبرمت المملكة المتحدة سلسلة من الاتفاقيات التجارية منذ بريكست . ولكن بوصف الهند الاقتصاد الكبير الأسرع نموا في العالم ، تعد الاتفاقية معها الأكثر أهمية .
وتتفاوض الهند بشأن اتفاقيات مع شركاء تجاريين أكثر أهمية ، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ، ولذلك فإن المكاسب السياسية لاتفاقية التجارة الحرة الهندية البريطانية محدودة. وربما تعطي الاتفاقية بعض القيمة لنيودلهي كأداة ضغط في هذه المفاوضات التجارية الأخرى الجارية.
وبوصف الهند الأكثر حمائية من بين الدولتين ، فإن إزالة الرسوم الجمركية والحواجز غير الجمركية سوف تفيد المملكة المتحدة أكثر من الهند . وتشير التوقعات إلى أن اتفاقية التجارة سوف تزيد إجمالي الناتج المحلي البريطاني بنسبة 13ر0 % مقابل 06ر0% للهند.
ومن المتوقع أن تزيد صادرات المملكة المتحدة إلى الهند بحوالي 60% بينما سوف تزيد واردات المملكة المتحدة من الهند بنسبة 25%. وتمثل النتيجة الإجمالية زيادة بنسبة 39% في التجارة الثنائية (ما يعادل 5ر25 مليار جنيه استراليني ) مع حلول عام 2040.
وإضافة إلى اتفاقية التجارة الحرة، أعادت الدولتان تنشيط شراكتهما الاستراتيجية الشاملة إلى رؤية الهند -المملكة المتحدة 2025 الجديدة.
ويهدف هذا إلى مزيد من الانخراط في مجالات الدفاع والأمن والتكنولوجيا والتعليم والتعاون بين الشعبين. وتم كشف النقاب عن خريطة طريق جديدة بشأن الصناعة الدفاعية لدعم هذه المبادرة .
ورغم هذه الانجازات ، لا تزال هناك نقاط يكتنفها الغموض. وتسعى الهند للحصول على استثناءات من ضريبة بريطانية مقترحة على الكربون ، من المقرر أن تدخل حيز التطبيق في عام 2027. ولا يزال يتعين حل ذلك . ومازال يتعين إبرام معاهدة منفصلة للاستثمار الثنائي.
وتابع باجباي أنه على نطاق اوسع ، لاتزال العلاقة الثنائية هشة . وما زال تاريخ بريطانيا الاستعماري يلقي بظلاله على هذه العلاقة، مما يجعل نيودلهي ، والهنود بصفة عامة، يشعرون بحساسية تجاه أي إجراءات ربما يتم النظر إليها على أنها تتحدى وضع الهند وسيادتها.
وصرح مودي ، خلال الزيارة ، أن "القوى التي تعتنق ايديولوجيات متطرفة لا يجب السماح لها بأن تسىىء استخدام الحريات الديمقراطية "
وبينما قال هذا في إشارة إلى الأعمال العدائية الأخيرة بين الهند وباكستان ، فإنه يمكن النظر إلي ذلك على أنها رسالة مستترة موجهة إلى حكومة المملكة المتحدة . وكانت نيودلهي قد أثارت مخاوف بأن المملكة المتحدة تحتضن جماعات مناهضة للهند مثل انفصالي سيخ خاليستان.
وتتضمن الفصول الـ26لاتفاقية التجارة الحرة قطاعات بشان قضايا غير تجارية ، بما في ذلك المعايير البيئية والعمالية والمساواة بين الجنسين ومكافحة الفساد. ولكن هذه الفضول لا تحل بشكل كامل هذه المخاوف.
وهناك أيضا مجال للتحسين القطاعي . على سبيل المثال ، جاء أكثر من 3% من المشتريات الدفاعية الهندية من المملكة المتحدة خلال العقد الماضي.
ويعكس ذلك المناخ التنظيمي المنهك في الهند . ولكن نيودلهي لديها أيضا تفضيل واضح بإبرام اتفاقيات دفاعية على مستوى الحكومات مما يجعل دول مثل روسيا والولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل شركاء مفضلين على نهج بريطانيا المدفوع أكثر بالنزعة التجارية.
وبصفة عامة تحتاج العلاقة الثنائية إلى تحول في العقلية بالنسبة للسياسة الخارجية . ورؤية الهند العالمية ليست غربية ولكن ليست مناهضة للغرب(على النقيض من الصين وإيران وروسيا).
ويتعين على المملكة المتحدة أن تسعى إلى الاستثمار في ذلك النهج ، للاستفادة من قوتها كمركز مالي وتكنولوجي عالمي لتطوير حلول تمويلية لدعم مبادرات نيودلهي في الجنوب العالمي ، في مجالات مثل التعليم والصحة والبنية التحتية العامة الرقمية.
ويمكن أن تفعل المملكة المتحدة المزيد لدعم الطموحات الهندية لتكون صوت الجنوب العالمي في منتديات مثل الكومنولث.
وبالمثل ، يجب أن تحسن الهند والمملكة المتحدة التعاون مع دول أخرى ذات التفكير المماثل مثل الولايات المتحدة وفرنسا وأستراليا بشان القضايا ذات الاهتمام المشترك ، التي تتراوح من أمن المحيط الهندي إلى تغير المناخ.
و يمكن عمل ذلك من خلال تجمعات جديدة ثلاثية أو صغيرة التعددية أو من خلال توسيع نطاق المبادرات القائمة مثل مجموعة الحوار الأمني الرباعي كواد ، (التي تضم اليابان والولايات المتحدة والهند وأستراليا )، وإذا انضمت المملكة المتحدة إلى تلك المجموعة ، فإنها سوف تكون خطوة صوب "شراكة استراتيجية حقيقية" تم تحديدها في الاستراتيجية الأمنية البريطانية.
وسوف يكون الوصول إلى مثل هذه الشراكة أسهل قولا من تحقيقها فعليا على ضوء التزام الهند طويل الأمد بالاستقلال الاستراتيجي.
واختتم باجباي تقريره بالقول إن ذلك ينطوي على الحفاظ على علاقات وثيقة مع دول مثل روسيا وإيران ، التي للمملكة المتحدة تاريخ صعب معها، ويمنع هذا التعاون في المجالات الأكثر حساسية مثل التعاون الاستخباراتي وعمليات نقل التكنولوجيا ، وأنه لن يكون من السهل تذليل مثل هذه العقبات.