الممرات البحرية التي حُفرت قبل قناة السويس
أثارت مزاعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي سبب وجود قناة السويس جدلا واسعا، وبالرغم من شهرة قناة السويس التي حفرتها أيدي مصرية تحت إشراف حكام الأسرة العلوية إلا أن أرض مصر شهدت عبر آلاف السنين إنشاء 5 قنوات ملاحية ربطت خطوط التجارة المارة عبر الأراضي المصرية بين عصر الفراعنة والرومان والعهد الإسلامي، وظلت جميعها شاهدة على أن فكرة القناة الملاحية تواجدت قبل نشأة الولايات المتحدة الأمريكية بآلاف السنين.
وتسرد جريدة الشروق أهم ما ورد عن إنشاء 5 قنوات ملاحية تربط الأراضي المصرية بالبحر الأحمر، لتسهيل التجارة الدولية، وذلك نقلا عن كتابات المؤرخين أرسطو، وستريبو، وتقي الدين المقريزي، وبلينيوس الأكبر.
-العصر البرونزي
يرجح المؤرخ البريطاني جيمز هينري، أن المحاولات المصرية لربط النيل بالبحر الأحمر بالقنوات المائية ظهرت بالعصر البرونزي "2000 سنة قبل الميلاد" على يد الأسرة السادسة الفرعونية، ودل على ذلك الآثار المتبقية عند الشلال الأول في أسوان، كما استمرت الأسر المصرية المتعاقبة في تطوير الفكرة حتى تم حفر أول قناة مصرية تربط النيل بالبحر الأحمر في عصر الأسرة الـ12 "1700 سنة قبل الميلاد".
وعكف على حفر القناة الفرعونية الأولى الملك سنوسرت الثالث من الأسرة الـ12، واستغل في ذلك ظاهرتين طبيعيتين، أولاهما وجود فرع شرقي لنهر النيل يعرف بالفرع البيلوزي، والذي يقع شمالي البحر الأحمر، وأما الظاهرة الثانية فهي اتساع مساحة البحر الأحمر حتى بحيرة التمساح، لذلك تم شق قناة تبلغ 50 كيلومترا عبر وادي الطميلات، كما تدل كتابات من عهد رمسيس الثاني وحتشيبسوت لاستخدام الفراعنة للقناة الفرعونية لأغراض التجارة، وتوقفت تلك القناة في قرون لاحقة عن العمل نظرا لتراكم الطمي وسد القناة.
-القناة الفرعونية الثانية
قرر الملك ناخو الثاني في الأسرة الـ26 شق قناة ثانية تربط الفرع البيلوزي من النيل بالبحر الأحمر، وتم العمل عليها ولكن لم تستمر طويلا في نقل السفن بسبب غزو بختنصر ثم الغزو الفارسي، ليعيد افتتاحها الإمبراطور الفارسي داريوس الأول، وينسب بنائها لنفسه، وأيد ذلك الرأي المؤرخ الإغريقي هيرودوتس، بينما كذب أريسطو وستريبو تلك المزاعم.
-قناة بطليموس الثاني وحل مشكلة الطمي
واجهت القناتان الفرعونيتان مشكلة تراكم الطمي الذي يسد القناة وملوحة ماء البحر التي تلوث النيل، ولكن بطليموس الثاني فرعون الأسرة البطلمية شق قناة مصرية ثالثة واخترع لها آلة تشبه السد لتغلق مخرج القناة؛ منعا لتسرب الماء المالح، في فكرة حسنت من فعالية القناة، واستمرت سنوات في العمل حتى جفاف الفرع البيلوزي من النيل، وبالتالي انتهى دور قناة بطليموس.
-نهر تريجان من قلب القاهرة
واصل الرومان بعد سيطرتهم على مصر جهود الدول السابقة لحفر قناة تربط النيل بالبحر الأحمر ليدشن الإمبراطور أمنيس تريان قناة رومانية تبدأ بالقرب من منطقة الفسطاط، وكان يعلوها حصن مكون من برجين يحيطان بها للدفاع عنها، ثم لاحقا تم سد المدخل بجدار مرتفع ودفنت القناة حتى قدوم الفتح الإسلامي بالقرن السابع الميلادي.
-قناة عمرو بن العاص رضي الله عنه
علم والي الديار المصرية عمرو ابن العاص رضي الله عنه بأمر القناة الرومية السابقة فاستأذن الخليفة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه لشق قناة تربط مصر بالبحر الأحمر لنقل البضائع والمؤن للمدينة المنورة، ليبدأ حفر ما عرف لاحقا بفم الخليج بالقرب من موقع القناة الرومانية، لتسير القناة حتى البحر الأحمر، واستمرت أكثر من 100 سنة حتى أمر بدفنها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور؛ منعا لوصول الإمدادات لأهل الحجاز الذين قاموا بثورة على العباسيين، ولم تظهر أي قناة منذ ذلك الوقت حتى قناة السويس.
-صقولو باشا صاحب فكرة قناة السويس
ظهر أول مشروع لربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط على يد الصدر الأعظم العثماني صقولو محمد باشا، حيث اقتصرت المحاولات السابقة على ربط البحر الأحمر بالنيل، وكان آخرها محاولة مملوكية سبقت السيطرة العثمانية على مصر، وأما عن صقولو باشا فقد استغل الغزو العثماني لليمن في سبعينيات القرن الـ16 لحفر قناة تربط البحرين المصريين، وذلك رغبة في تسهيل طريق الحج، وكان صقولو باشا مهتما بفكرة حفر القنوات كطرق سهلة للحجاج حيث خاض حربا مع الإمبراطورية الروسية للسيطرة على استرخان وحفر قناة تربط نهري الفولجا والدون، ولكن الحملة العسكرية فشلت، وأما القناة المصرية فقد توقف العمل عليها لكثرة التكاليف وتراجع نفوذ صقلو بعد عدة سنوات من اقتراح المشروع.