- الحوامل بغزة يعانين من أوضاع صحية صعبة بسبب عدم توفر الطعام والمكملات الغذائية والفيتامينات
- غالبيتهن يعانين من فقر بالدم والذي يؤدي لمضاعفا كالهزال وضيق النفس
- سوء التغذية وفقر الدم يهددان حياة الحامل والجنين والأم بعد الولادة
- نقص الحضانات بغزة يزيد من خطر الموت المحدق بحديثي الولادة خاصة الذين يعانون من انخفاض في الوزن
في مستشفى "الحلو الدولي" بمدينة غزة، تنهمك طبيبة النساء والتوليد ربا المدهون في متابعة السيدات الحوامل اللواتي يتوافدن بأوضاع صحية صعبة ويحملن في أرحامهن أجنة بأوزانٍ أقل من الطبيعية جراء تعرضهن للجوع الذي أفضى لسوء تغذية وفقر دم، مما يشكل خطرا بالغا على النمو العقلي والجسدي للأجنة.
وفي ظل المجاعة المتفاقمة جراء الإغلاق الإسرائيلي المشدد للمعابر منذ 2 مارس الماضي، تجد أكثر من 60 ألف حامل بغزة وفق تقديرات المكتب الإعلامي الحكومي، صعوبة بالغة في تأمين الحد الأدنى من الطعام في وقت يندر فيه توفر الفيتامينات والمكملات الغذائية الأساسية وعلى رأسها الحديد والفوليك أسيد؛ والتي تحمي الأجنة أيضا من أي تشوهات.
وتواجه الكثير من الحوامل مضاعفات صحية خطيرة قد تفضي في كثير من الأحيان إلى ولادات مبكرة، ما يهدد حياة الأم والجديد، لا سيما في ظل النقص الحاد في الحضانات المخصصة لرعاية الأطفال الخدج، والتي تقلصت أعدادها جراء الإبادة الجماعية المتواصلة للشهر العشرين.
ومنذ 2 مارس الماضي، تواصل إسرائيل سياسة تجويع ممنهج لنحو 2.4 مليون فلسطيني بغزة، عبر إغلاق المعابر بوجه المساعدات المتكدسة على الحدود، ما أدخل القطاع مرحلة المجاعة وأودى بحياة كثيرين.
وسمحت إسرائيل في 21 مايو الماضي، بدخول كميات محدودة من المساعدات قدرها المكتب الإعلامي الحكومي بنحو 87 شاحنة فقط خصصت لمؤسسات دولية وأهلية، في ظل احتياج عام للقطاع قدّره المكتب بنحو 500 شاحنة مساعدات و50 شاحنة وقود كحد أدنى منقذ للحياة.
وبشكل شبه يومي، تدعي وسائل إعلام إسرائيلية بدخول مساعدات لقطاع غزة، الأمر الذي اعتبره مدير عام المكتب الحكومي بغزة إسماعيل الثوابتة في تصريح سابق للأناضول، حملة "تضليل كاذبة".
**الحوامل والأجنة في خطر
تقول الطبيبة المدهون، إنها ترصد خلال عملها اليومي "شكاوى نساء حوامل تعجز عن توفير الأغذية والمكملات الغذائية" ما يسبب بانخفاض في أوزان أجنتهن.
وتضيف في حديثها للأناضول، إن الحوامل يجب أن يتناولن العناصر الغذائية المتكاملة والموجودة في الخضروات والفاكهة من أجل نمو وتطور الجنين من الناحية البدنية والعقلية.
لكن وفي ظل المجاعة هذا الأمر يبدو صعب المنال بالنسبة للسيدات الحوامل، ما يتسبب بانخفاض أوزان الأجنة إلى أقل من المعدل الطبيعي، وفق المدهون.
والأحد، قالت مديرة برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة سيندي ماكين إن هناك حاليا 500 ألف فلسطيني يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد في قطاع غزة وإنهم على شفا مجاعة.
يضاف إلى ذلك "تلوث المياه" الذي بدوره يتسبب بالتهابات متكرر للحوامل تفضي لمضاعفات صحية تنتهي بدخول بعضهن في ولادة مبكرة، بحسب الطبيبة المدهون.
وتوضح أن الولادة المبكرة تضاعف الخطر المحدق بالأجنة خاصة ذوي الأوزان القليلة حيث يواجهن أزمة نقص الإمكانيات وتوفر الحضانات الأمر الذي من شأنه رفع معدل الوفيات بين حديثي الولادة.
ولأكثر من مرة حذرت تقارير حقوقية ودولية من نقص أعداد الحضانات في قطاع غزة الأمر الذي يهدد حياة الرضع من حديثي الولادة.
**نقص المغذيات
قالت الطبيبة المدهون إنه في الأوقات الطبيعية، يتم تفادي خطر قلة التغذية عبر توفير الفيتامينات والمكملات الغذائية، لكن في هذه الفترة يندر وجودها.
وبيّنت أن كافة النصائح الطبية لزيادة وزن الأجنة أصبحت غير مواتية في ظل هذه الظروف الصعبة من المجاعة والإغلاق.
وأوضحت أن بعض الفيتامينات والمكملات الغذائية ضرورية للحوامل من أجل نمو سليم للأجنة وتفادي تشوهاتهم، فيما يتسبب عدم توفرها في زيادة عدد الأجنة الذين يعانون من تشوهات بعد الولادة.
إلى جانب ذلك، فقد يؤدي نقص التغذية والمكملات إلى عدم اكتمال الحمل أو وفاة الجنين في رحم والدته، وفق قولها.
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإنه رصد 300 حالة إجهاض بين الحوامل جراء نقص العناصر الغذائية الضرورية لاستمرار الحمل وذلك على مدار 80 يوما من الإغلاق الإسرائيلي.
وحذرت المدهون من أن استمرار المجاعة سيؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة، مضيفة: "كلما طالت مدة المجاعة زادت حاجة الأجنة -بعد الولادة- للحضانات".
وجراء سوء التغذية ونقص المكملات، أشارت الطبيبة إلى أن فحوصات تحليل الدم لغالبية الحوامل تظهر نقص كبير في الدم عن الحد الأدنى الذي يجب أن يكون لديهن ما يؤثر على عملية الولادة، ويضع النساء في خطر فيما لو تعرضن لنزيف.
وتشير إلى أن الوضع الصحي في قطاع غزة والذي تسببت 20 شهرا من الإبادة في انهياره، لا يتيح توفير كميات دائمة من وحدات الدم الخارجية.
ولفتت إلى أن عدم توفر وحدات الدم يضع الحامل في خطر شديد حال تعرضت لنزيف.
فيما تعاني الحوامل من مضاعفات صحية جراء إصابتهن بفقر الدم أبرزها "الهزال والصداع وضيق النفس".
**لا طعام ولا مكملات
الفلسطينية أسمهان محيسن (38 عاما)، الحامل في شهرها السادس، تقول إنها تعاني من فقر دم جراء عدم توفر الأغذية اللازمة.
وتابعت للأناضول، إن الطعام المتوفر في الأسواق يعرض بأسعار مرتفعة جدا، فيما تعجز عن شرائها في ظل انعدام مقدرتهم الشرائية حين يعانون من ظروف اقتصادية سيئة في ظل عدم توفر أي فرص عمل بفعل الإبادة.
وأوضحت أنه ونظرا لسوء التغذية وإصابتها بفقر الدم فإن وزن جنينها أقل من الوزن الطبيعي.
وأشارت إلى أن الوجبات الغذائية التي يحصلون عليها من تكايا توزيع الطعام شهدت تقلصا كبيرا بعدما اضطر العشرات منهم للإغلاق كأثر مباشر للإغلاق الإسرائيلي المشدد للمعابر ومنع دخول المساعدات باستثناء كميات شحيحة منها.
وإلى جانب نقص الأغذية، قالت محيسن إنها لا تملك المكملات الغذائية والفيتامينات اللازمة للحفاظ على صحتها ولسلامة نمو جنينها.
وأعربت عن تخوفاتها من عدم التئام جرحها بعد ولادتها القيصرية بعد 3 شهور، وذلك بسبب فقر الدم وسوء التغذية.
**فقر دم
بدورها، تقول الفلسطينية سعاد الغندور (63 عاما)، وهي والدة إحدى الحوامل اللواتي ينتظرن دورهن في مستشفى الحلو، إن سياسة التجويع الإسرائيلية والنزوح المتكرر الذي يفرضه الجيش، يفاقم من معاناة الحوامل.
وأضافت في حديثها للأناضول، إن كافة الحوامل يعانين جراء قلة الغذاء ما يصيبهن بحالة من الهزال العام.
وأوضحت أنه مع تكرار موجات النزوح التي تفرضها أوامر الإخلاء الإسرائيلي تواجه الحوامل مشاكل صحية تزامنا مع حالة الهزال وذلك حيث تقضي ساعات النزوح الطويلة مشيا على الأقدام دون توفر ما يسد رمقها.
وعن وضع ابنتها عقب النزوح، تقول الغندور، إنه من أصعب الأوقات التي تمر عليها إذ أنها تقضي "أكثر من أسبوع عقب النزوح دون قدرتها على التحرك".
وذكرت أن الحوامل يعشن أيضا ظروفا معيشية صعبة بلا مقومات أو مستلزمات نظافة ما يفاقم من خطورة إصابتهن بالأمراض المختلفة.
واستكملت قائلة: "حمل ومجاعة وقلة غذاء وقلة اهتمام، هذا أمر فظيع، لا أحد (حول العالم) يعيش ما نعيشه بغزة".
وأعربت عن تخوفاتها من عدم توفر الغذاء خاصة الحليب ووسائل النظافة وحفاظات الأطفال بعد ولادة ابنتها، ما يفاقم من صعوبة هذه الظروف.
وبدعم أمريكي مطلق، ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023، جرائم إبادة جماعية في غزة خلّفت أكثر من 177 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين.