- نور الدين: الفيضان الصناعي أشد تدميراً وخطراً.. وأديس أبابا أخطأت بملء البحيرة بكامل سعتها قبل تركيب جميع التوربينات
- شراقى: سد الروصيرص السودانى يواجه حالة ارتباك.. ومصر أكبر المستفيدين من التصريفات المائية الكبيرة
أعلنت السلطات في السودان، حالة الاستنفار القصوى، جرّاء ارتفاع منسوب النيل الأرزق بشكل كبير، متخوفة من فيضانات واسعة النطاق على طول مجرى النيل، يهدد الساكنين على ضفافه داخل الأراضي السودانية، وذلك نتيجة تدفقات المياه الخارجة عبر سد النهضة؛ باتجاه سد الروصيرص السوداني.
وقال أستاذ الزراعة والمياه، والخبير المائي الدولي، الدكتور نادر نور الدين، إن الفيضان كشف للسودان كذب ادعاءات إثيوبيا التي وصفها بـ"المخادعة" بأن السد الإثيوبي سيمنع الفيضانات عن السودان، إلا أن الواقع كشف خلاف هذا الأمر؛ لأن ما حدث هو فيضانات في غير موعدها ومن صنع البشر أي من صنع إثيوبيا، وهى أخطر من الفيضان الطبيعي الذي يأتي على فترات طويلة يمكن استيعابها بعكس الفيضانات بعد السد خلال سبتمبر وأكتوبر.
وأرجع نور الدين، في تصريحات لـ"الشروق"، أسباب حدوث الفيضان في السودان، إلى خطأ إثيوبيا بملء البحيرة بكامل سعتها قبل الانتهاء من تركيب جميع التوربينات الثلاثة عشر، حيث تم تركيب ٨ توربينات يعمل منها خمسة فقط؛ وبغير انتظام، حيث إنه مازالت محطة الكهرباء وأعمدة الضغط العالي لنقل الكهرباء لم ينته إنشاؤها.
وذكر أنه كان يكفيها تخزين من ٥٠ إلى ٥٥ مليارا فقط على قدر ما يعمل من التوربينات حاليا، وليس ٧٥ مليارا وبالتالي وجب تصريف قدر كبير من المياه من البحيرة.
ولفت الخبير الدولي، إلى أن عدم تشغيل التوربينات بكامل طاقتها لإخراج المياه بشكل منتظم، اضطرهم لفتح ممرات التصريف للسد بشكل مفاجئ، هو ما تسبب في وصول كميات كبيرة من المياه مرة واحدة إلى السودان، ما أدى إلى رفع منسوب النيل الأزرق في منطقة الخرطوم إلى مستوى الفيضان عند 14.5 متر أو أكثر، ونتج عن ذلك غمر الأراضي والمناطق السكنية.
وحذر نور الدين، من أن هذا الفيضان الذي يأتي خلال فترة قصيرة، يكون أشد تدميراً وخطراً من الفيضان الطبيعي الذي يتوزع على مدار أشهر عدة، مما يثبت أن التشغيل الحالي للسد يتم بأسلوب غير هندسي وغير منتظم.
كما حذر من المخاطر القائمة والمستمرة التي تواجه سدود السودان، مؤكداً أن سد الروصيرص، كونه أول سد في المسار المائي، سيكون "أول من يتأثر" بالكميات الكبيرة من المياه المنصرفة بشكل مفاجئ، لافتا إلى أن تدفق مياه بهذا الحجم يرفع احتمالية انهيار أو انجراف هيكل السد، الذي تتراوح سعته التخزينية بين ثلاثة إلى سبعة مليارات متر مكعب فقط.
وذكر أن الخطر يمتد ليشمل سد سنار أيضاً، موضحا أن هذا الخطر يظل قائماً كون تدفقات المياه من النيل الأزرق تستمر في شهور سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر، مما يعرض تلك السدود ذات السعة المحدودة لضغوط مائية تتجاوز قدرتها.
وأكد أن هذه التصريفات المائية الكبيرة التي جاءت في غير موعدها تعود بـ"فائدة مباشرة" على مصر، حيث تساهم بشكل فعال في استكمال ملء بحيرة السد العالي، وأشار إلى أن مصر تكون قد استهلكت حصتها السنوية الكاملة، التي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب من البحيرة، بحلول نهاية الموسم المائي.
وأوضح أن هذه المياه القادمة ستساعد في تعويض الكمية المسحوبة طوال العام الماضي، وهي فائدة ثمينة بشكل خاص هذا العام؛ لأن مصر لم تتلق كميات كافية من المياه خلال بداية موسم الفيضان التقليدي من أغسطس وحتى منتصف سبتمبر، وأن استمرار جريان هذه المياه لثلاثة أشهر إضافية سيمكن مصر من تعويض الـ 55.5 مليار متر مكعب التي تم سحبها على مدار العام الماضي، مما يضمن استعادة البلاد لحصتها السنوية كاملة.
من جهته، قال أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، إن تدفقات كبيرة من المياه خرجت من السد الأثيوبي نتيجة سماح إثيوبيا بامتلاء بحيرة السد حتى آخرها، متجاوزة الحدود الهندسية الآمنة، بهدف تصوير مشاهد "احتفالية" لمرور المياه من فوق جسم السد.
وحذر شراقي، في تصريحات لـ"الشروق"، من أن سد الروصيرص السوداني يواجه حالة "ارتباك في التشغيل" بسبب الكميات الضخمة من المياه التي يعمل على تمريرها بكامل طاقته، وأن استمرار التدفق لفترة طويلة من شأنه أن يهدد سلامة الهيكل الإنشائي لسد الروصيرص بسبب الضغط المائي المفاجئ وغير المنتظم.
وأشار إلى أن إدارة سد النهضة تعمل حاليًا في ظروف طارئة لتصريف أكبر كمية ممكنة من المياه لتخفيف الضغط على جسم السد نفسه.
كما لفت إلى أن التوقيت الذي وصلت فيه هذه الزيادة الكبيرة من المياه في أواخر سبتمبر، يعتبر غير مناسب تماماً للزراعة، بل إنه ضار فيما اعتاد المزارعون في السودان على الاستفادة من فيضان النيل الأزرق في أغسطس لأغراض الري، وجاءت الزيادة الحالية بعد انتهاء الموسم الزراعي، مما يجعل آثارها تقتصر على غرق المحاصيل والأضرار المباشرة دون تحقيق أي فائدة زراعية تذكر.
وطمأن خبير الموارد المائية بأن السد العالي في أسوان يمثل "الصمام الآمن" الذي يحمي البلاد تماماً من أي صدمات مائية أو تدفقات زائدة، وأن السد العالي يستوعب بكفاءة كميات المياه الفائضة ويقوم بتخزينها، مما يضمن أن إدارة الموارد المائية في مصر ستظل تتم بمرونة كاملة ودون أن يشعر المواطن المصري بأي ارتباك مباشر في إمدادات المياه أو تهديد فيضان.