من المتوقع والمرجح أن يشهد هذا الأسبوع مضاعفة إسرائيل حدة القتال فى مدينة غزة، تمهيدًا لسيطرة الجيش الإسرائيلى على المدينة، بناءً على قرار الكابينيت؛ سيبدأ استدعاء الاحتياط فى منتصف الأسبوع، والذى من المفترض أن يشمل نحو 60 ألف أمر استدعاء، بما فى ذلك وحدات أنهت خدمتها فى القطاع مؤخرًا.
سيُوجَّه نحو نصف الذين سيجرى استدعاؤهم إلى المقرات، بينما سيلتحق النصف الآخر بالكتائب التى ستحل محل الوحدات النظامية المنتشرة حاليًا فى الضفة الغربية، وعلى حدود البلد. وفى المقابل، يخطط رئيس الأركان «لإلقاء» أغلبية القوات النظامية المقاتلة فى جبهة القطاع، وخصوصًا فى العملية داخل مدينة غزة. أمّا لواء المظليين النظامى، فسيبقى فى هذه المرحلة كقوة احتياط فى حال تدهور الوضع على جبهات أُخرى.
أُصيب سبعة جنود من لواء غفعاتى ليل الجمعة الماضية، جروح أحدهم متوسطة والبقية جروحهم طفيفة، جرّاء عبوة ناسفة استهدفت ناقلة «نمر». وعلى الفور، انتشرت فى شبكات التواصل الاجتماعى روايات مضللة من الجانب الفلسطينى عن أسر جنود إسرائيليين فى الحادثة. هذه الأخبار الكاذبة انتقلت أيضًا إلى الجانب الإسرائيلى وأثارت قلقًا واسعًا، حتى أوضح الجيش السبت الماضى، ــ متأخرًا بعض الشىء ـــ حجم الحادث الحقيقى.
ونظرًا إلى المخاطر، ستبقى تعليمات رئيس الأركان إيال زمير للقوات على ما هى عليه: التحرك ببطء وحذر، مصحوبًا بقصف مكثف لتقليل الخسائر فى صفوف الجنود. وتكمن فى قرار الجيش بشأن تسمية العملية «مركبات جدعون 2» مناورة لفظية، إذ لا يرى زامير أن هناك جديدًا، إنما استمرار للنهج عينه. لكن هذه الرسالة ليست تلك التى يرغب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو فى تسويقها للجمهور الإسرائيلى.
إلّا إن التقدم قد يصبح أكثر تعقيدًا بسبب المدنيين الفلسطينيين الذين سيكونون فى مرمى النيران. حتى الآن، غادرت غزة آلاف قليلة فقط، ومن المرجح أنه مع ازدياد الضغط ستبدأ حركة نزوح جماعية نحو الجنوب، لكن كثيرين من السكان قد يفضّلون المخاطرة وعدم الفرار، خوفًا من أن تكون ظروف المعيشة فى الجنوب ــ داخل مناطق الإيواء الضيقة ــ لا تُطاق. وعندما تبدأ الحركة، فمن المحتمل أن الجيش لن يحاول السيطرة على نقاط العبور («المصارف»)، ولن يوقف هناك عناصر من «حماس»، بل سيسمح للجماهير بالمغادرة. إن مشكلة «حماس» تتعلق بالقدرات، لا بالنيات: ومن المشكوك فيه أن تكون قادرة على إيقاع خسائر بالجيش الإسرائيلى، مثلما فعلت فى بداية المناورة البرية قبل نحو عامين.
أمّا الصعوبة التى تواجه نتنياهو، فتتعلق بالجدول الزمنى: لا يوجد تطابُق بين ما يعِد به، وخصوصاً ما يروّجه على مسامع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وبين وتيرة التقدم المخطط للعملية البرية. لقد نجح نتنياهو مجددًا فى الحصول على دعم ترامب، على غرار ما فعل بشأن استئناف القتال فى غزة فى مارس الماضى والحملة ضد إيران فى يونيو، والآن، أقنعه بأن العملية المرتقبة ستضرب مركز ثقل «حماس» الأخير، وتفتح الطريق لنقاش مسألة «اليوم التالى» فى القطاع، وفقًا لما يريده البيت الأبيض. وإذا سارت الأمور بالسرعة التى يتوقعها الأمريكيون، فقد ينشأ خلاف. أمّا الاتهامات المتكررة الصادرة عن محيط نتنياهو ــ بغطاء من «مصادر سياسية» ــ ضد رئيس الأركان بأنه يماطل، فتبدو كأنها تمهيد لتحميل الجيش المسئولية لاحقً
انتشرت فى الأيام الأخيرة شائعات مبالغًا فيها فى مواقع التواصل بشأن وفاة ترامب، إلّا إنه ظهر بعد ظهر يوم السبت الماضى بتوقيت إسرائيل، وهو يلعب الجولف. لكن الإدارة الأمريكية لم تعرف أيامًا أفضل. لقد نشر موقع «بوليتيكو» فى نهاية الأسبوع مقالاً مطولاً تضمّن انتقادات حادة من دبلوماسيين أوروبيين لأداء ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب للشئون الدولية، فى ملف الحرب الأوكرانية. فالقمة فى ألاسكا مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لم تحقق شيئًا، وموسكو تواصل المماطلة مع واشنطن وعرقلة وعودها بإنهاء الحرب. وعلى الرغم من التزام ويتكوف الكبير إزاء ملف تحرير الأسرى الإسرائيليين، فإن الوضع لدينا مشابه إلى حد بعيد: إن وقف إطلاق النار، سواء عبر صفقة، أو نتيجة هجوم جديد من الجيش الإسرائيلى، لا يزال بعيد المنال، ما دام ترامب لم يوجّه إنذارًا للطرفين.
فى هذه الأثناء، بقى لنتنياهو ملف اليمن. لقد أعلن الحوثيون، يوم السبت الماضى، أن الغارة الجوية الإسرائيلية على صنعاء يوم الخميس الماضى أسفرت عن مقتل رئيس الحكومة وعدد من الوزراء، لكن وضع كلٍّ من وزير الدفاع ورئيس الأركان ما زال غير واضح. أمّا زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثى، فلم يُصب بأذى. إن سرعة جهاز الاستخبارات الإسرائيلى فى جمع وتحليل المعلومات فى جبهة جديدة وبعيدة مثيرة للإعجاب، لكن هذا لا يعنى نهاية الحرب مع الحوثيين ــ وربما العكس. فإلى جانب رغبتهم فى مساعدة «حماس» فى غزة، أصبح لديهم الآن حساب جديد مع إسرائيل.
عاموس هرئيل
هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية