وجهة وطنقل لى بربك أى ُحق تزعم أنه سيعود بتدمير جامعة ٍواحتجاز موظفين لا جريرة لهم؟ سأفترض معك أنك مظلوم ٌ تماما ً ولا تبعة عليك وإنما قد باعك الجميع وتخلوا عنك؛ أما سمعت قط بحديث «أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ»... هل يرد على الإيذاء بالإيذاء وعلى المنكر بالمنكر؟
تعلم أن هذه التلفيات سترمم من المال العام كما حدث مع غيرها؛ وليتها كانت مؤسسات تعليمية خاصة لتتحمل أنت وزملاؤك إصلاح ما أفسدتم ـ وإن حدث فسينطوى الأمر بدوره على ظلم ٍآخر فى حق من لم يشارككم الإثم ـ لكنها ستجدد من مال الشعب... من أموال الفقراء؛ فأى ُنصر ٍأحرزتم؟
الأمر ليس جديدا ًللأسف، فدوامات التناقض والانفصام تعيشها الحالة الإخوانية منذ أمدٍ بعيد بين التربية والتعامل مع الواقع، والاتساق بين الشعارات والتطبيق العملى... ومازلت أذكر من جدليات أيام الجامعة، حملة الإخوان المحمومة آنذاك لمقاطعة البضائع الأمريكية على إثر غزو العراق ومن قبلها أفغانستان... وقتها انتقدت الدعوة السلفية علانية دعوات مقاطعة البيبسى والكوكاكولا ومطاعم الوجبات السريعة وغيرها من صور التوكيلات التجارية التى يشغل المصريون كل وظائفها، لاسيما وقد ذهب الشطط بالبعض مبلغه فصاروا يجعلونها بمنزلة أكل الخنزير ومعاقرة الخمر... بذلك تُعلق اللافتات وتُطلى جدران الشوارع.
كنَّا نرى فيها عاطفة غير منضبطة بشرع ولا بمنطقٍ أو عقل، فأن يفقد آلاف البسطاء من المصريين أعمالهم المشروعة أصلا ً أمام توهم إحداث نكاية ٍفى الأمريكان ثم لا يسأل أصحاب الحملة أنفسهم عن حجم الضرر الذى سيلحق بشعبٍ لم يؤهل لمواجهةٍ كهذه.... وأذكر أننى كنت أتنزل مع الصديق الإخوانى فى المناظرة الجدلية وأقول له أوافقك على المقاطعة شرط أن تضمن لى توافر الأنسولين مثلا ًوسائر السلع الاستراتيجية الأخرى التى نعتمد فيها للأسف على الأمريكيين أيضا ً... توقعت أن يفغر فاه أو أن يطبق شفتيه لكنه عاند وراوغ ولم يسمح لعقله بثانية تفكير ٍواحدة.
دار الزمان وأتى الإخوان إلى سدة الحكم، والأمريكان على حالتهم الأولى، بل وضربت غزة كما ضربت من قبل... تحسب أننى سأسألك عن حملات المقاطعة؟ لا على الإطلاق... بل أنا اندهشت كما اندهش الشاب المصرى الذى بُوغت برؤية مرشد الإخوان شخصياً ـ لاحظ أننى أحدثك عن أعلى قيادة إخوانية نظريا ً ـ مصطحبا أسرته لتناول الطعام فى تشيلز الأمريكى، أى ليست مجرد هفوة بيبسى فى يوم ٍشديد الحر أو زلة ماكدونالدز فى استراحة طريق صحراوى أو ديلفرى فى المنزل مستخفيا ًلا يراه أحد.
نفس التناقض الذى يقاسيه الآن أغلب أهلنا البسطاء معيشة وثقافة ًوتفكيرا ًمن جماعة يرفع قادتها قبل جنودها شعار «الإسلام هو الحل» ثم يخالفون الشعار فى أحد أشهر تطبيقاته وقواعده الكلية «لا ضرر ولا ضرار»... قاعدة حفظها المصريون تقيهم وعاصيهم عن ظهر قلب من كثرة ما رددناها على مسامعهم، وتعنى ببساطة أن الضرر لا يُزال بضرر مثله... فعلى أى شريعةٍ تربيت يا شباب الإخوان وأنت تحطم وتتلف كل شىء أمامك وتتذرع بأنك ترد على الظلم والتنكيل؟ ثم نغضب بعد ذلك لو عيَّرنا من لا خلاق له وقال «الدين المعاملة».
يا إخوانى وإن عاديتمونى، تبصروا فيما أقول لكم ولا تحملنكم البغضاء على المزيد من العناد، رأسمالكم هو دعوتكم، والدعوة فى أعظم تجلياتها تعنى مخالطة الناس والصبر على أذاهم، لا أن نبدأهم بالأذى ثم نتوقع منهم بعد ذلك تعاطفا ًأو تفهما.