نحاول هنا إعادة مشاهدة وفهم فيلم الباب المفتوح الذى يتكرر عرضه على القنوات الفضائية ويعرفه الكثير من الأجيال المتتابعة، الفيلم إخراج بركات عن رواية للكاتبة لطيفة الزيات 1963 وهى كاتبة عملت فى الجامعة كناقدة وأستاذة جامعية، ويمكن باعتبار الفيلم أنه بمثابة سيرة حياة لها، وفى المشهد الأول من الفيلم نرى التلميذة ليلى فاتن حمامة، تقود مظاهرة للبنات فى شوارع القاهرة وتندد بالاحتلال، ومن يتابع الصور الحياتية عن الكاتبة يرى أن بركات أعاد تجسيد صور معروفة منشورة للطيفة الزيات وهى فى المدرسة السنية بالسيدة زينب، وبعض هذه الصور نُشر على أغلفة كتبها الأخيرة ومنها «أوراق شخصية» و«الشيخوخة» فى دار الهلال، ومن متابعة الفيلم نرى أن هناك تشابها ملحوظا بين ليلى ولطيفة، المؤلفة من أبناء دمياط وعاشت فى القاهرة والتحقت بالجامعة وتزوجت من أستاذ جامعى، وكان بالفعل أستاذها، بيد أنها لم تتوافق معه ولم تعش معه طويلا، وانتهت حياتهما بالانفصال فقد كان على اختلاف فى المنهج الفكرى والثقافى حيث اعتبرت من أعمدة اليسار طوال حياتها، وهو كاتب مسرحى معروف، وأستاذ فى الأدب الإنجليزى مثلها، ورأينا مثل هذا الرجل فى شخصية الأستاذ المتعجرف الذى يتعمد إهانة تلميذته ويبدو قاسيا نحوها، فيعنفها عندما تضع أحمر شفاه، ولا يؤمن بتعليم البنات، فى الوقت الذى يبدو للجميع شهوانيا، لا يعرف الضحك أو الابتسامة، وفى النهاية فإنه ينفصل عنها، ولكن هناك فارقا كبيرا بين الشخصيتين فى الحياة والرواية، ففى الأخيرة، فإن ليلى تتم خطبتها إلى أستاذها وهى ما زالت تلميذة، أما فى الواقع فإن لطيفة الزيات تزوجت الرجل بعد تخرجها فى الجامعة، هام جدا الإشارة أن تعرف على المؤلفة فى السنوات العشر الأخيرة من حياتها واعتبرتها بمثابة أم بديلة لما تتمتع به من حنان وثقافة، وقد قرأت كتابها «الشيخوخة وقصص أخرى» الذى تروى فيه سيرة حياتها خاصة بعد الشيخوخة.
فى الفيلم تابعنا مسيرة عائلة ليلى مع الحياة الاجتماعية والسياسية من خلال مجموعة من الأحداث المهمة منها حريق القاهرة عام 1952 وأحداث يوليو والانتهاء بالعدوان الثلاثى وفى كل هذه الأحداث كانت ليلى تشارك فى المظاهرات وبجوارها أخوها محمود وزميلها فى النضال حسين الذى وقع فى غرامها ولكنه لم ينفذ إلى قلبها بسهولة، قد علمتها الحياة أن تكون حذرة منكمشة خاصة بعد تجربتها المريرة الأولى فى علاقتها مع ابن خالتها عصام، حسن يوسف الشاب الذى يكبرها قليلا لكنه لا يقل انحرافا عن الأستاذ الجامعى، وكان فى حياة ليلى رجلان معتدلان هما محمود وحسين، وقد علمها هذا الأرق والتوتر، وإذا جاءت شخصية ليلى بمثابة امرأة غير مكتملة المشاعر تهتم بالهم العام قبل أحاسيسها الخاصة، وإذا كانت لطيفة الزيات قد نشرت روايتها فى عام 1960 فإن أفكارها اليسارية لم تتخل عنها حتى بعد رحيلها عام 1994، ولا شك أن هنرى بركات الذى قدم لنا سيرة حياة الكاتبة قد استفاد كثيرا من الرواية ربما دون أن يعرف أنها سيرة ذاتية، وشارك فى كتابة السيناريو وأتمنى من القارئ، معاودة رؤية الفيلم، لأنه سيخرج هذه المرة بحصيلة معرفية ووجدانية مختلفة مهمة جدا، ولا شك أننا بحاجة إلى إعادة اكتشاف مثل هذا النوع من الأعمال بتفصيلات أكثر سواء فى السينما أو الدراما التليفزيونية، وإذا كان بركات قام بإعادة إخراج بعض أفلامه القديمة مرى أخرى، فأنى ألفت النظر لمخرجى هذا العصر لإعادة تقديم الباب المفتوح لأنه يمثل فترة زمنية فى تاريخ مصر كتبتها لطيفة الزيات التى شاركت فى صنع الأحداث، وللأسف فإن كتاب الباب المفتوح لم تتم إعادة طباعته فى المكتبات منذ أكثر من ثلاثين عاما.