نشر مركز الأبحاث التابع للاتحاد الأوروبى European Union Institute for Security Studies مقالا تحليليا للكاتب هوجو برادى يتناول من خلاله الخطوات التى اتخذها الاتحاد الأوروبى للتعامل مع الهجرة البحرية غير الشرعية على الحدود الجنوبية له. كتب برادى يقول إنه من الممكن تفهم تركيز زعماء الاتحاد الأوروبى على أوكرانيا والتداعيات السياسية للانتخابات الأوروبية ــ ولكن عليهم ألا يتناسوا الجنوب. حيث تواجه منطقة شنجن 26 دولة يتم التنقل بينها من دون جوازات سفر تحديا هذا الصيف، بسبب تزايد معدلات الهجرة غير المشروعة عبر البحر الأبيض المتوسط.
•••
وأشار الكاتب إلى ما نشرته فرونتكس (وكالة الحدود فى الاتحاد الأوروبى) فى مايو، من بيانات توضح أن عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون عن طريق البحر من شمال أفريقيا والشرق الأوسط، تضاعف تقريبا فى العام الماضى. كما يشير الاتجاه إلى أن الأرقام ربما تعود إلى مستويات ارتفاعها عام 2011، عنما دفع ما يسمى الربيع العربى عشرات الآلاف من المهاجرين اليائسين لمحاولة عبور البحر المتوسط فى قوارب بدائية. وتتحمل الحرب الأهلية فى سوريا جزءًا من اللوم: حاول نحو 25 ألف سورى اللجوء إلى الاتحاد الأوروبى من خلال الجزر اليونانية أو على الحدود التركية البرية المشتركة مع بلغاريا، السنة الماضية.
وشكلت ليبيا ومصر نقطة المغادرة الرئيسية لنحو 40 ألف من المهاجرين، معظمهم من غرب أفريقيا، وإريتريين وصوماليين متجهين إلى إيطاليا. وتتزايد احتمالات قيام الرعايا الأجانب بمحاولات الهجرة العشوائية على مدار السنة: حيث زادت معدلات السفر فى غير موسم الهجرة بنسبة 100٪ فى عام 2013. ويعتبر حادث غرق السفينة المأساوى والغريب فى أكتوبر، الذى أودى بحياة أكثر من 360 من الإريتريين والصوماليين قبالة جزيرة لامبيدوزا، المثال الأكثر دراماتيكية فى التاريخ؛ ولكن منذ بداية العام غرق أكثر من عشرة اشخاص على الأقل قبالة سواحل الجزيرة الإيطالية.
•••
وأوضح برادى أنه من الصعب أن يسهم الذعر فى وضع سياسات سليمة. فمن غير المعقول، أن تكون هناك حراسة كاملة فى منطقة شنجن بالذات، ــ ذات الحدود البرية والبحرية المعقدة إلى حد كبير لوقوعها ضمن الكتلة القارية الأوراسية. وعلى أى حال، تقدر فرونتكس أن نحو مائة ألف مهاجر على الأقل، دخلوا المنطقة بصورة غير قانونية العام الماضى. وفى حين لا يعتبر هذا الرقم ضئيلا، فإنه ليس صادمًا أيضًا: حيث يزور منطقة شنجن أكثر من 10 مليون مسافر بصورة مشروعة سنويا. وفى الوقت نفسه، تؤوى تركيا المجاورة أكثر من 750 ألف لاجئ من سورية وحدها.
فضلا عن أن دول شنجن لديها الآن مجموعة من الأدوات الجديدة لإدارة الحدود كان يمكن أن تحلم بها فقط قبل ثلاث سنوات. وفى الوقت نفسه، تقدم فرونتكس المساعدة إلى بلغاريا واليونان وإيطاليا وأسبانيا فى إدارة تدفقات الهجرة على الحدود البرية والبحرية، بما فى ذلك المساعدة من خلال ما يسمى شبكة الدوريات الأوروبية. وهو نظام يقوم من خلاله خفر السواحل الوطنية والخدمات الحدودية من مختلف دول شنجن بحراسة الحدود البحرية للمنطقة معا، دون تكرار جهود بعضهم البعض. ومن المتوقع أن يصبح هذا النظام أكثر فعالية بكثير بعد بدء تشغيل الشبكة الجديدة لتكنولوجيا المعلومات على مستوى الاتحاد الأوروبى، من ديسمبر الماضى، بما يتيح لكل الدول الساحلية وغير الساحلية تبادل المراقبة وبيانات الأقمار الصناعية. وينبغى أن يمتلك خفر السواحل والخدمات البحرية فى منطقة شنجن، بالتدريج، القدرة على تنسيق ردود فعلهم على الحدود وحالات الطوارئ الإنسانية فى الوقت المناسب.
•••
وأضاف الكاتب، تشهد علاقات الاتحاد الأوروبى مع البلدان التى يطلق عليها دول الإرسال والعبور، تحسنًا. وكانت منطقة شمال أفريقيا المنطقة الأولى التى بدأ فيها العمل بقاعدة البيانات المشتركة لتأشيرة دخول منطقة شنجن ــ نظام معلومات الفيزا ــ فى القنصليات الوطنية عام 2012. وقد بدأ الاتحاد مؤخرا «شراكات التنقل» مع تونس والمغرب، ومن المرجح أن فى وقت قريب مع الأردن.
فى أوائل عام 2013، أرسل الاتحاد الأوروبى بعثة «الحدود والمساعدات» إلى ليبيا لتقديم المشورة إلى السلطات المحلية والتدريب على قضايا الهجرة والأمن. وأنشأت دول شنجن مؤخرًا فى تركيا مكتبًا مشتركًا لضباط الاتصال الأوروبيين لشئون الهجرة، بهدف إقامة روابط أوثق مع مصلحة الحدود والهجرة التركية.
•••
ويرى برادى أن الهجرة البحرية غير المنضبطة يمكن أن تصبح قضية أمنية، خاصة إذا ما كان وراءها الجماعات المنظمة التى قد تستخدم نفس الأسماء واستراتيجيات لتهريب المخدرات أو الأسلحة النارية. وقد أطلقت فرونتكس سلسلة من العمليات فى الموانئ البحرية ضعيفة الحراسة ــ من فارنا فى بلغاريا إلى الجزيرة الخضراء فى إسبانيا ــ لدعم قوات حرس الحدود المحلية فى جهودها لكشف ليس فقط الوافدين بشكل غير قانونى، ولكن أيضا شحنات الكوكايين والسيارات المسروقة. وقد عملت فرونتكس مع الحرس المدنى فى اسبانيا منذ عام 2011 لمنع عصابة منظمة، مقرها فى وجدة (المغرب) من تهريب الناس، بمن فيهم النساء الحوامل والقصر الضعفاء، عبر مضيق جبل طارق. واتفقت حكومات الاتحاد الأوروبى مؤخرا على أن فرونتكس يمكنها الآن تملك أصولا بحرية وجوية لدى هذه الحكومات. لكنها لا تستطيع حتى الآن الحصول على شىء من ذلك، لأن شراء سفينة دورية واحدة سوف يكلف حوالى 40 مليون يورو، أى ما يعادل نصف ميزانيتها للقيام بمهمة بحرية. فضلا عن أنه، نظرا لقواعد الميزانية، ربما لا تتلقى الوكالة الأموال المخصصة من قبل الحكومات لحالات الطوارئ الإنسانية، على غرار لامبيدوزا، لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر بعد نشوء الأزمة.
•••
وفى نهاية المقال أشار الكاتب إلى خيار واحد يستحق الاعتبار، هو التحول التدريجى لشبكة الدوريات الأوروبية إلى أسطول صغير تابع للاتحاد الأوروبى مع المعدات الخاصة به، وصندوق للطوارئ من أجل الانتشار السريع والقدرة على إجراء المراقبة البحرية المحمولة جوا. ويمكن استئجار الأسطول على أساس مرن من دول الاتحاد الأوروبى المشاركة، مع شراء بعض التجهيزات من القطاع الخاص.
وفى الوقت نفسه، يتعين على الاتحاد الأوروبى المساعدة فى كسر نمط عمل المهربين والمتاجرين فى البشر على أراضيه. وعلى الرغم من أن وكالة قوامها 300 شخص، سوف تحتاج المزيد من الموارد للقيام بذلك، ينبغى على فرونتكس أن تعين «ضباط اتصال» تابعين لها فى منطقة شنجن، ضمن وفود الاتحاد الأوروبى فى شمال وجنوب الصحراء الكبرى أفريقيا. وينبغى أن يقوم ضباط الاتصال هؤلاء، بالتنسيق بين شبكات ضباط الاتصال الوطنية، كتلك التى تأسست فى تركيا؛ وكسب ثقة السلطات المحلية؛ والمساعدة فى رفع مستوى اليقظة ضد المتاجرين فى مصر واثيوبيا والسودان. فى نفس الوقت، يمكن أن تعمل فرونتكس، والبوليس الأوروبى و«مكتب دعم اللجوء» التابع للاتحاد الأوروبى ــ جنبا إلى جنب مع خبراء وطنيين ــ على إنشاء خلية صغيرة لخدمة العمل الخارجى للاتحاد الأوروبى من أجل تحديد صورة نشاط الاتجار بالبشر فى أوروبا من المنشأ إلى الوجهة.
لقد أجبر الربيع العربى دول الاتحاد الأوروبى، على تسريع خطط لبناء بنية تحتية جديدة لحدود شنجن، مع استكمال قاعدة البيانات الخاصة بتأشيرة الدخول إليها وشبكات المراقبة. ومما لا شك فيه، أن زيادة ضغط المهاجرين فى منطقة البحر المتوسط فى العام الحالى وما بعده، مع القيادة السياسية الجديدة فى بروكسل، سيحفز على المزيد من التطوير. وربما لا يكون هذا كافيا لتهدئة مخاوف الناخبين بشأن الهجرة، فى المدى القصير.