بائعو الأحلام عبر وسائل التواصل الاجتماعي - العالم يفكر - بوابة الشروق
الأربعاء 30 يوليه 2025 11:21 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

بائعو الأحلام عبر وسائل التواصل الاجتماعي

نشر فى : الثلاثاء 29 يوليه 2025 - 7:00 م | آخر تحديث : الثلاثاء 29 يوليه 2025 - 7:00 م

فى عددها رقم 1803 الصادر فى 23 - 27 مايو 2025، نشرت دورية «كورييه إنترناسيونال» الفرنسية مقتطفًا من تحقيق أجراه كل من دانييل جيرنى Daniel Gerny وبت ستوفر Beat Stauffer لصحيفة Neue Zürcher Zeitung، اليومية السياسية الناطقة باللغة الألمانية ومقرها زيوريخ، والمنشور بتاريخ 14 أبريل الماضى.

ننقل الجزء الأكبر من هذا التحقيق الذى يتناول الهجرة غير النظامية من بلدان المغرب إلى أوروبا.

فى المغرب، غالبًا ما يستخدم المهربون الأشخاص المؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعى لجذب مهاجرين إلى أوروبا. عبر تيك توك وفيسبوك أو إنستجرام يبيع هؤلاء المؤثرون أبناء مجتمعاتهم الوهم بحياة أفضل، من دون التطرق إلى المخاطر المترتبة عن العبور غير النظامى عبر البحر الأبيض المتوسط.

تظهر الصورة التى نشرها «أمير المدينة» (لقب يتخذه أحد المؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعى) على صفحته على فيسبوك فى يناير الماضى شابًا ذا طلة مبهرة من قلب مدينة باريس. الوقت هو المساء، و«الأمير» المذكور بنظاراته الشمسية فوق أنفه وقبعة مسحوبة لأسفل فوق الرأس، يقف أمام سيارة تسلا سوداء، بابها مفتوح لأعلى يظهرها على شكل فراشة، وذات مقعد من الجلد الأبيض، وإضاءة داخلية بنفسجية. فى الخلفية يبدو برج إيفل سابحا فى ضوء أصفر. فى أعلى الصورة كتب "أمير المدينة" بالعربية: "لا تحزنى يا أمى، مستقبلى هو فى الجهة الأخرى من البحر".

شباب المغرب والجزائر وتونس لا يهربون من الحرب ولا من الاضطهادات، بل هم، بغالبيتهم العظمى، وببساطة، يبحثون عن حياة أفضل. فى بلدانهم ليس لديهم الكثير ليخسروه: كثر يعيشون فى حالة من عدم الاستقرار، ومن دون أمل برؤية أفقهم مفتوحا ذات يوم. أوروبا، القارة التى يربطها تاريخ طويل بالمغرب، ثقافيا واقتصاديا، هى فى البداية، بالنسبة إلى المرشحين للهجرة، الأرض الموعودة.

 

هؤلاء الشباب الذين تسكنهم رغبات ممضة فى العيش فى مكان آخر، هم الـ«harraga» (الحراقة). وتعنى الكلمة بالعربية فعل «الحرق»، وتحيل على عادة المهاجرين فى إحراق أوراقهم الثبوتية وكل المستندات الشخصية للحؤول دون كشف السلطات الأوروبية عن هويتهم. وتعنى «الحرقة» الهجرة غير النظامية، وهى بطريقة ما تعبر عن الذين يحترقون رغبة فى مواجهة العقبات من أجل تجربة حظهم فى أوروبا. على «تيك توك» أيضا، نشاهد شبابا مبتهجين وهم يتلفون أو يرمون أوراقهم الثبوتية. مقاطع فيديو تكسبهم عشرات الآلاف من المشاهدات والإعجابات.

• • •

«أمير المدينة»، المقدر أنه فى الأربعين من عمره، ويعيش فى باريس، إذا ما آمنا بصحة بروفايله، ناشط على فيسبوك منذ أغسطس 2021. واحد من منشوراته الأول يعلن معبرًا بوضوح عن توجهه. فى إحدى الصور، نشاهد أربعة رجال شباب على متن قارب مطاطى. والتعليق على الصورة بالعربية يرد كالآتى: «هل أنت قادم من إفريقيا؟ تشعر بأنك مضطهد؟ هل أنت فقير؟ تفكر بتغيير جنسيتك؟ أنت مريض وتريد أن تتعالج؟ إذا، أنت مثلنا ومكانك هو بيننا».

البروفايلات الشبيهة نجدها بالمئات، بل بالآلاف، على شبكات التواصل الاجتماعى كافة، لا سيما تيك توك، لكننا نجدها أيضًا على فيسبوك وإنستجرام.

ياسين ذو الأصول التونسية، كان لديه أكثر من 10.000 متابع على تيك توك، فضلًا عن سمعة طيبة. الاسم الذى اختاره لملفه الشخصى يختصر جيدا غرض حسابه: لقد استخدم عمدًا مصطلح «تقطيعة»، وهو باللهجة التونسية يعنى «الهرب». كان «ذهاب» الذين يتم نصحهم من قبل ياسين للهجرة غير النظامية نحو إيطاليا «مضمونًا»، وكانت هذه الضمانة هى شعاره.

ليس لكل المؤثرين المبادئ نفسها: كثر هم الذين لا يخفون دوافعهم المالية، بل يؤكدون على حقيقة أنهم على اتصال برعاة أو بجهات اتصال، وأنهم يستطيعون، مقابل رسوم، تولى مسئولية الزبون، طالب الهجرة، من الألف إلى الياء، منذ لحظة الانطلاق إلى لحظة الوصول إلى البلد الذى اختار الزبون الهجرة إليه.

من جانب آخر، الرسالة هى نفسها دومًا: يمكنك الوصول - ونحن سنساعدك. هذا ما يقوله ياسين أيضًا. من خلال رجل موثوق به فى تونس، استطاعت صحيفة Neue Zürcher Zeitung معرفة أمور أكثر عن الرجل الذى يختفى خلف بروفايل «تيك توك تقطيعة» وعن أنشطته. فى السنوات الأخيرة أنشأ دفتر عناوين واسعًا شمل شخصيات يقول إنها ضرورية لنشاطه: رجال شرطة، ووكلاء موانئ، وموظفون محليون. هذه الشبكة تسمح له بالاستعلام عن العمليات التى تخطط لها الشرطة أو خفر السواحل، وهى معلومات يستخدمها من أجل مساعدة المشتركين لديه على ترك البلاد بأمان تام. وإنه لمن الصعب بمكان التحقق بالتفصيل من تصريحات ياسين وأقواله. فبعضها متناقض، غير أن الأساسى مما يطرحه يتطابق مع البحوث التى أجريناها لاحقًا، ويستكمل بذلك الصورة التى تظهر من تحليل الملفات الشخصية الأخرى على شبكات التواصل الاجتماعى.

• • •

من الصعب أن نعرف ما إذا كان أحمد يحصل على شىء من خلال دوره كوسيط. ياسين، الرجل ذو بروفايل «تقطيعة» على تيك توك يزعم أنه لم يسبق له أبدا أن طلب أى شىء من زبائنه لقاء النصائح أو خدمات الوساطة التى يقدمها لهم. فهو رفض فى البداية الإفصاح عن كيفية كسبه المال، لكنه فى النهاية لمح إلى أن اتصالًا به تم من طرف أحد أعضاء شبكة مهربين فى إيطاليا، وأنه يعمل مع المنظمة المعنية منذ عام 2021. أما مهمته فهى تتمثل ببناء علاقة ثقة مع الزبائن المحتملين عبر تيك توك والترويج للهجرة غير النظامية، وذلك من خلال نشر صور وفيديوهات مغرية. ياسين ظل مراوغًا فى ما يخص تفاصيل التنسيق مع هذه الجهة. وعندما كنا نصر على معرفة تفاصيل أكثر، كان يغدو عصبيًا. وليس ثمة ما يثير الدهشة من هذا الموقف: الخوف من جهاز الدولة كبير فى تونس. وهذا البلد سبق له أن وقع اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبى وإيطاليا تجبره على وقف تدفقات الهجرة غير النظامية التى تمر عبر البحر الأبيض المتوسط مقابل دعم مالى معين. وها قد مرت ثلاث سنوات، منذ أن أصدر الرئيس التونسى قيس سعيد أيضًا مرسومًا يقضى بفرض غرامة مالية على نشر المعلومات الكاذبة والشائعات على الإنترنت، وبعقوبة السجن لمدة تصل إلى 5 سنوات. فى نهاية عام 2024، أوقف ياسين نشاطاته بصورة مؤقتة خوفًا من السجن.

• • •

فى سبتمبر، قبل ست سنوات، أطلق مؤثر ماهر، عن قصد، شائعة فى شمال المغرب، مفادها أن قارب زودياك Zodiac (هو قارب مطاطى ماركة زودياك الفرنسية) قام بنقل الشباب الذين يخططون للمغادرة إلى إسبانيا مجانا. وعلى فيسبوك شهدنا أفلام فيديو تزدهر، ويظهر فيها رجال من على متن قارب وهم مبتهجون ومنتصرون يصرخون: «فيفا إسبانيا!». فى 22 سبتمبر، مئات «الحراقة» انتظروا على شاطئ مرتيل، غير البعيد عن تطوان. كان ثمة مركب هناك بالفعل، لكن سرعان ما تبين أن الرحلة ليست مجانية، وهذا ما لم يحل دون تكرار المشهد نفسه فى المساءات التالية؛ مشهد الشباب «الحراقة» مجتمعين على الشاطئ المذكور نفسه. فى 25 سبتمبر، تفاقم الوضع وتدهور: حراس الشواطئ فتحوا النار على الشباب المجتمعين، ما أفضى إلى عدد من الجرجى، ووفاة طالبة.

من الصعب قياس أو تحديد مسئولية شبكات التواصل الاجتماعى عن قنبلة الهجرة الموقوتة هذه. خالد مونة، الخبير فى الموضوع، كان قد لفت إلى هذه الظاهرة المتفجرة خلال مقابلة معه منذ سنتين؛ قال حينها: "ثمة سوق كبيرة فى صدد التكون والظهور ستكون قادرة دومًا على جذب عدد أكبر من المؤثرين". هذا ما لاحظه يومها الأستاذ فى كلية العلوم الإنسانية فى مكناس، المغرب. يبيع المؤثرون الأوهام حول طرق الهجرة غير النظامية من دون تقدير النتائج المؤذية التى يمكن أن تترتب عن ذلك. آلاف الأشخاص يتم الإعلان عن موتهم أو اختفائهم سنويًا جراء محاولاتهم عبور المتوسط. وعلى الرغم من ذلك يبقى الطلب على الهجرة كبيرًا (...).

تحت تأثير عدم الأمان والقمع، يستمر الشعور بالضيق أو الكرب بالتنامى والانتشار، متيحا للمهربين استقبال موجات منتظمة من المرشحين للهجرة. آخر الأرقام تدفع إلى التفكير بأن عدد العابرين غير النظاميين قابل للازدياد على المدى القريب؛ وبأنه كلما غدت شروط الذهاب إلى أوروبا أصعب، زاد ارتفاع الأسعار حدة.

رفيف رضا صيداوي

مؤسسة الفكر العربي

النص الأصلي

https://tinyurl.com/3tmcct6c

 

التعليقات