السر الصامت خلف تفوق الطلاب.. دور الأب - العالم يفكر - بوابة الشروق
الثلاثاء 15 يوليه 2025 12:04 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لمصير وسام أبو علي في المرحلة المقبلة؟

السر الصامت خلف تفوق الطلاب.. دور الأب

نشر فى : الإثنين 14 يوليه 2025 - 8:05 م | آخر تحديث : الإثنين 14 يوليه 2025 - 8:05 م

نشر معهد American Enterprise Institute مقالا للكاتب روبرت بونديشيو عن دور الأب فى حياة الطفل، حيث فى الوقت الذى تتعدد فيه المقاربات التربوية والسياسات التعليمية الهادفة إلى تحسين أداء الطلاب، يغيب عن كثير من النقاشات عامل جوهرى لا يقل أهمية عن جودة المعلم أو المناهج الدراسية: دور الأب. تقرير حديث صادر عن جامعة فيرجينيا يعيد تسليط الضوء على هذه المسألة، مؤكدًا بالأرقام أن انخراط الأب فى حياة أطفاله ليس مجرد تفصيلة عائلية، بل أحد أكثر العوامل تأثيرًا فى نجاح الأبناء دراسيًا ونفسيًا. التقرير، الذى يحمل عنوان «الآباء الجيدون، أبناء مزدهرون»، يطرح معطيات لافتة قد تدفع إلى إعادة النظر فى كثير من المفاهيم والسياسات المعتمدة داخل النظم التعليمية.. ونعرض من المقال ما يلى:

 


كشف تقرير حديث صادر عن جامعة فيرجينيا بعنوان «الآباء الجيدون، أبناء مزدهرون» عن نتائج لافتة تؤكد تأثير وجود الأب وانخراطه فى حياة الطفل على تحصيله الأكاديمى وصحته النفسية. ويشير التقرير إلى أن دور الأب، رغم كونه معروفًا على المستوى الغريزى، لا يحظى غالبًا بالاهتمام الكافى فى النقاشات التعليمية.
يركّز التقرير، الذى أعدّه الباحث، براد ويلكوكس، بالتعاون مع فريق متنوع من الباحثين من بينهم، إيان رو، من معهد أمريكان إنتربرايز (AEI)، على ولاية فيرجينيا، ويؤكد أن الأطفال الذين يشارك آباؤهم بنشاط فى حياتهم، يحققون أداءً دراسيًا أفضل، ويقل لديهم احتمال الوقوع فى مشاكل سلوكية، كما أنهم أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب بنسبة كبيرة.
وتكشف الأرقام أن الأطفال الذين لا يشارك آباؤهم بفاعلية فى حياتهم أقل احتمالًا بنسبة 68% فى الحصول على درجات مرتفعة، وأكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بمقدار يقارب أربعة أضعاف. وهو ما يشير إلى أن تأثير غياب الأب يتجاوز كونه عاملاً ثانويًا، بل يُعد متغيرًا حاسمًا فى مسار الطفل التعليمى والنفسى.
• • •
ومن أبرز ما خلص إليه التقرير، أن الفجوة التعليمية بين الأطفال السود والبيض تكاد تختفى عند النظر إلى الطلاب الذين ينتمون إلى أسر متماسكة يعيش فيها الأب والأم معًا. إذ تشير البيانات إلى أن أكثر من 85% من هؤلاء الأطفال، سواء كانوا سودًا أو بيضًا، يحصلون على تقديرات عالية، كما تقل لديهم المشكلات السلوكية فى المدرسة. وبهذا، تُعيد النتائج تعريف النقاش الدائر حول فجوة التحصيل، فبدلاً من التركيز على العرق، تطرح الأسرة المستقرة بوصفها العامل الحاسم.
تتفق هذه النتائج مع ما توصلت إليه تحليلات الباحث ويليام جينز، أستاذ التربية فى جامعة ولاية كاليفورنيا - لونغ بيتش، والذى بيّنت دراساته السابقة أن بنية الأسرة والإيمان الدينى من أقوى المؤثرات على النجاح الأكاديمى. وعلى الرغم من أن تقرير جامعة فيرجينيا لم يتناول الممارسات الدينية، فإن جينز أشار فى أكثر من دراسة إلى أن وجود أبوين بيولوجيين وانخراط الأسرة فى الإيمان الدينى يؤديان إلى نتائج تعليمية متميزة.
ووفقًا لتحليلاته، فإن الطفل الأسود أو اللاتينى الذى ينشأ فى بيت دينى يضم والديه البيولوجيين، لا يظهر لديه أى أثر لفجوة التحصيل مقارنة بزملائه من الخلفيات الأخرى — حتى بعد ضبط الفوارق الاقتصادية.
• • •
فى السياق ذاته، دعا الباحث إيان رو إلى ضرورة تحليل بيانات الأداء التعليمى وفقًا لبنية الأسرة، وليس فقط حسب العرق أو مستوى الدخل، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة كفيلة بتقديم قراءة أكثر دقة للتحديات التى تواجهها المدارس.
ورغم أهمية هذه النتائج، فإن مسألة بنية الأسرة تظل من القضايا الحساسة فى السياسات التعليمية. فكثير من التربويين والإداريين يتجنبون الخوض فيها خشية وصم الطلاب القادمين من أسر ذات والد واحد، لا سيما فى المجتمعات التى تكثر فيها هذه الأسر. كما واجهت الجهود التى تدعو إلى التوعية بما يُعرف بـ «تسلسل النجاح» — التخرج من المدرسة، ثم الحصول على عمل، ثم الزواج قبل الإنجاب — قدرًا من التحفظ والرفض فى بعض الأوساط.
لكن تجاهل هذه المعطيات بدعوى «الحياد» لا يخدم مصلحة الطلاب. فإلقاء الضوء على تأثير الأب لا يعنى التخلى عن مسئولية المدارس تجاه جميع الأطفال، بل يدعو إلى الواقعية فى تفسير النتائج التعليمية، وتوزيع الأدوار بشكل منصف. فالمعلمون، خصوصًا فى البيئات منخفضة الدخل، غالبًا ما يُحمّلون مسئولية نتائج الطلاب، فى حين أنهم لا يملكون تأثيرًا فعليًا على العوامل الأسرية التى تحدد مصير هؤلاء الأطفال.
• • •
الدعوة إلى الاعتراف بدور الأب، إذن، ليست تبريرًا للتقصير التربوى، بل دعوة إلى اتخاذ إجراءات ذكية وواقعية. فعلى الرغم من أن المدرسة لا تملك سلطة تشكيل بنية الأسرة، فإن بإمكانها أن تُعزز حضور الأب، وأن تفتح أبوابها لمشاركته بفاعلية. يمكن إدماج الآباء فى الأنشطة المدرسية، والتعامل معهم كشركاء أساسيين لا كضيوف عرضيين. كما يمكن بناء بيئة صفية توفر التوجيه والاستقرار، خاصة للأطفال الذين يفتقدون ذلك فى المنزل.
وتشير المبادرات القائمة على تعليم «تسلسل النجاح» إلى أهمية تزويد الطلاب بالمعلومات التى تساعدهم على اتخاذ قرارات أسرية مستنيرة فى المستقبل، بدلًا من الاكتفاء بتوجيههم تربويًا. ويؤكد أصحاب هذه المبادرات أنها لا تسعى إلى فرض نمط حياتى بعينه، بل إلى تزويد الشباب بالبيانات، وترك حرية القرار لهم.
• • •
فى ختام التقرير، يطرح الباحثون تساؤلًا جوهريًا: إذا كنا نرغب فعلاً فى تحسين نتائج الطلاب، فلماذا لا ندعم المؤسسات التى تسهم فى خلق بيئة مواتية لذلك، وعلى رأسها المدارس الدينية؟
توضح دراسة حديثة أجراها باتريك وولف من جامعة أركنساس، ونُشرت فى مجلة التعليم الكاثوليكى، أن من التحقوا بمدارس دينية أكثر ميلًا للزواج، والاستمرار فيه، وتجنب الإنجاب خارج إطار الزواج، مقارنة بأقرانهم من المدارس العامة. وتبرز هذه الآثار بشكل أكبر بين الطلاب القادمين من خلفيات اجتماعية واقتصادية متواضعة.
وفى الولايات التى تطبّق آليات مثل حسابات الادخار التعليمى (ESA) وخيارات المدارس، تظهر فرصة حقيقية لتوسيع الوصول إلى مثل هذه المؤسسات. وهو ما لا يتعلق فقط بحرية الاختيار أو الحقوق الدينية، بل بالمصلحة العامة. فإذا كانت هذه المدارس تنجح فى تعزيز بنية الأسرة، وغرس قيمة الأبوة، وتحقيق نتائج تعليمية واجتماعية أفضل، فإن فائدتها تمتد إلى المجتمع بأسره — حتى وإن قُدمت فى إطار دينى.
• • •
الخلاصة أن الهدف من السياسات التعليمية ليس الحفاظ على النظام التقليدى، بل تمكين الطلاب من الازدهار. لذا، ينبغى دعم المبادرات التى تُعزز دور الأب، وتشجيع الوصول إلى المدارس التى تُسهم فى خلق ثقافة أسرية داعمة لنمو الطفل.
ففى نهاية المطاف، إذا كنا صادقين فى اتباع ما تشير إليه الأدلة، فلا بد من الاعتراف بأن أعظم تدخل يمكن أن يُحدث فرقًا فى تعليم الأطفال، ليس برنامجًا جديدًا، ولا استراتيجية تعليمية مبتكرة — بل هو الأب.

 

 

تحرير: يارا حسن
النص الأصلي
https://bitly.cx/lYhx

التعليقات