هل المجد الأدبى يستحق المطاردة؟ - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:50 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل المجد الأدبى يستحق المطاردة؟

نشر فى : الخميس 3 يناير 2019 - 11:20 م | آخر تحديث : الجمعة 4 يناير 2019 - 4:39 م

نشرت مؤسسة The New York Review of Books مقالا للكاتب «تيم باركس» يتناول فيه عرض لمقالا نشره الكاتب «جياكومو ليوباردى» تناول فيه العقبات التى تواجه الكتاب من أجل تحقيق المجد الأدبى وهل هو يستحق السعى لتحقيقه؟
هل الكتابة تستحق ذلك؟ هل من المنطقى على الإطلاق أن نطارد المجد الأدبى؟ هل الكتاب الذين نمتدحهم هم الأفضل على أى حال؟
فى عام 1824، قرر الشاعر والفيلسوف الإيطالى «جياكومو ليوباردى» تناول هذا الموضوع. وتحدث عن «جوزيبى بارينى» ــ ربما أفضل شاعر إيطالى فى القرن الثامن عشر ــ وهو رجل من عائلة فقيرة قضى كل حياته بحثا عن الحماية المالية والسياسية فى بيوت الأرستقراطية. يتخيل ليوباردى «بارينى» ــ أحد الإيطاليين القلائل الذين جمعوا التفوق الأدبى بعمق التفكير «ما يلى هنا ليس أكثر من ملخص قصير لما يقوله؛ ولا يتحمل الكاتب أى مسئولية عن الأفكار المعبر عنها. يمكن للقراء أن يقرروا بأنفسهم مدى صحة هذه الأفكار وملاءمتها لعصرنا.
المجد الأدبى، أو الشهرة التى تأتى من الكتابة، هى واحدة من الأشكال القليلة جدا من المجد المتاحة حاليا للعامة. ومن المسلم به أنها ليست مبهرة أو مرضية مثل المجد الذى ينبع من الخدمة العامة، لأن العمل هو أكثر جدارة ونبلا من التفكير أو الكتابة، وأكثر ملاءمة لطبيعتنا. حيث أننا لم نخلق لنقضى حياتنا جالسين على طاولة ممسكين بالقلم والورقة، والقيام بذلك لا يمكن إلا أن يضر بصحتك وسعادتك. وبالطبع هذا هو مجد يمكن تحقيقه بدون ثروات أولية وبدون أن يكون الفرد جزءا من مؤسسة كبيرة.
نظريا وفى الواقع، هناك الكثير من العقبات المرهقة. دعونا نترك جانبا المنافسات والأحقاد والافتراءات والتحيزات والمؤامرات والخبث الذى لا بد لك أن تصادفه.. والحقيقة هى أنه حتى بدون الأعداء والحظ السيئ، فمن الممكن تماما أن تكتب كتبا رائعة وتحرم من المجد أيضا، فى حين أننا نجد أن هناك كتابا عاديين ومحبوبين عالميا. لماذا يحدث ذلك؟
أولا، لا تستطيع سوى أقلية ضئيلة من الناس الحكم على الأدب العظيم. نظرا لأن الإنجاز الأدبى يعتمد إلى حد كبير على الأسلوب، ويرتبط الأسلوب ارتباطا وثيقا باللغة، فلن يتمكن أى شخص ليس متحدثا باللغة الأصلية من تقدير الجهود الهائلة التى بذلت لتطوير مثل هذا الأسلوب الراقى. بعد ذلك، سيتعين على أولئك الذين يتحدثون لغتك أن يبذلوا نفس الجهد الذى بذلته حتى يتمكنوا من الاستمتاع بإنجازك..
ثانيا، إدراك الإنجاز الأدبى هو إلى حد كبير مسألة « شهرة». بمعنى أن الإحساس الذى يشعر به أفضل الكتاب فى الماضى يأتى من التقليد الأعمى بدلا من الحكم الفردى. نحن نتمتع بالكلاسيكيات لأننا نعلم أنها كلاسيكيات، بنفس الطريقة التى نعجب بها بالأميرة لأنها أميرة. قصيدة جيدة مثل الإلياذة، مكتوبة فى وقتنا هذا، لن تعطى متعة الإلياذة. وبالمثل، إذا قرأنا كتابا كلاسيكيا رائعا دون أن نعرف أنه كلاسيكيا، فلن يرضينا كثيرا. وهذا يصعب الأمور على الكتاب الجدد الجديين حقا.. ولذا فإن نجاح كاتب جديد جيد بالفعل، عندما يحدث بأعجوبة، سيكون نتيجة معجزة فالكاتب يحتاج إلى حظ للتغلب على العقبات.
ثالثا، لا يكفى أن يقرأ عملك عدد قليل من الأشخاص القادرين على الإعجاب به.. كما أن الأحكام الأدبية، للأسف، تعتمد على تأثير الكتاب على العقل الفردى، وليس على جودة الكتاب ذاته. وقد يفوت حتى أفضل النقاد هذه النقطة لأنه حتى النقاد قد يكونوا ببساطة فى مزاج سيئ عند قراءة الكتاب. وربما قرأوا شيئا آخر أثار إعجابهم بشدة وأخذهم فى اتجاه مختلف. أو قد يكونوا مشغولين بقضايا شخصية فى ذلك الوقت.. فى أحد الأيام، كان الناقد متجاوبا جدا، وعلى درجة عالية من الحماس. لذا يجد نفسه مستمتعا، وبالتالى بالطبع يمدح شيئا متواضعا تماما، بعد أن أخطأ فى إبداء مشاعره الإيجابية ناحية كتب أخرى جيدة. لدينا جميعا أيام حتى تبدو أفضل الكلاسيكيات رائعة. لكننا لا نكتب عنها لأن الجميع يوافقون على أنها كلاسيكيات رائعة. ولكن مع كتاب جديد نشعر بحرية أن نكون قساة كما نريد..
لذا فإن الحكم الأدبى السليم هو هدف بعيد المنال.
كما لن يساعد التشاؤم والتشكك، يجب أن يكون لدى القراء بعض التفاؤل الأساسى من أجل تقدير جيد للكتاب. عليهم أن يصدقوا أن العظمة والجمال ممكنة وأن الجمال فى العالم ليس بالضرورة خيال. خلاف ذلك، لا شىء سوف يثير الإعجاب.
دعونا نُضِفْ، بشكل عابر، أن ضجيج الحياة فى المدينة هو من شأنه إخماد الحواس الأدبية. ومع ذلك فإن معظم النقاد يعيشون فى المدن ــ وبالتالى فى أماكن تشتت الانتباه القصوى ــ حيث يكون الناس عموما أكثر عرضة للتأثر بالشكل والمظهر أكثر من الجودة الحقيقية.
كما أن المشكلة الضخمة والتى تمثل العقبة الرابعة هى أن أى عمل أدبى لن يكشف عن نفسه بالكامل فى القراءة الأولى. سيكون أفضل فى المرة الثانية. وأفضل فى القراءات الثالثة والرابعة. ولكن من لديه الوقت لهذا؟ يمكن للقدماء القيام بذلك لأن لديهم عدد قليل جدا من الكتب للقراءة. فى هذه الأيام، يكون الكاتب محظوظا إذا قرأ كتابه مرة واحدة. مع وفرة الكتب التى لدينا اليوم، فإن الأشياء الوحيدة التى سيقرأها الناس مرتين هى الأشياء التى يتفق الجميع على أنها رائعة ــ وهى الكتابات الكلاسيكية بالطبع.
ولكن لماذا تتطلب أفضل الكتب قراءة ثانية؟ لأن الأدب الرفيع مرتبط بمفهوم الحصول على رؤية عميقة للتطبيق فى المستقبل، وهذا يتطلب مجهودا ودراسة. وتأتى مكافأة المتعة فى نهاية المطاف. لكن الغالبية العظمى من القراء يريدون المتعة الفورية دون جهد، من كتاب سطحى تلو الآخر. ولن يعترفوا بهذا بالطبع. على العكس من ذلك، من المهم بالنسبة لهم أن يؤمنوا بأن الكتب التى يقرءونها هى أدبيات عظيمة. والنتيجة هى حالة يتم فيها الإشادة بالكتاب لبضعة شهور ثم تختفى مثل هذه الكتابات.
من يبقى طافيا وسط حطام سفينة الحداثة؟ الكلاسيكية كانت هى الإجابة على ذلك.
أخيرا، العقبة الخامسة تتمثل فى أن الأدب العظيم، كعمل فلسفى عظيم، يواجه عقبة أن الجميع يريدون حداثة السطح، وليس الثورة، قد يغير البعض آراءهم، حتى يمكن أن يؤيدوا الأفكار المتناقضة تماما مع تلك التى كانوا يحملونها من قبل. ولكن بالنسبة للجزء الأكبر لن يحدث ذلك، لن يكون هناك لحظة يعترفون فيها بخطأهم ورغبتهم فى تغيير مواقفهم. على العكس من ذلك، سيشعرون بشكوك عميقة وكراهية تجاه شخص يعيش ويفكر بشكل مختلف. يمكننا القول أنه كلما ازدادت أعمارنا فى عصر القطيع، كلما أصبح وجود الأدب العظيم أقل احتمالا، وقبل كل شىء الاعتراف بهذا الأدب العظيم.
دعونا نتخيل أنه على الرغم من كل هذه العقبات، قد قمت بتحقيق المجد الأدبى بطريقة ما. ماذا سوف تجنى من وراء ذلك؟
حسنا، سيريد الناس رؤيتك ومعرفتك للقدوم وإبداء الإعجاب بك فى الجسد. بالطبع سيحدث هذا إن كنت تعيش فى مدينة كبيرة، وإذا كنت تعيش فى الأقاليم، فمن المرجح ألا يكون لدى الناس أى فكرة عن المجد الأدبى على الإطلاق.
ردا على ذلك، ستنسحب إلى العزلة. ستحاول أن تعتقد أن العمل بحد ذاته مكافأة كافية لجهودك.. بعد ذلك، بما أننا يجب أن يكون لدينا شىء نأمل فى تحقيقه فى المستقبل، فستبدأ فى البحث عن عزاء فى فكرة أن الأجيال القادمة ستعطيك فى نهاية المطاف الاعتراف الحقيقى الذى تستحقه. سأعيش فى عقول الأجيال القادمة، أنت تقول هكذا لنفسك. لكن بصراحة، ليس هناك أى ضمان لهذا. لماذا يجب أن يكون أولئك الذين يأتون بعدنا أفضل، أو أكثر تقبلا وإدراكا، من معاصرينا؟ على العكس من ذلك، من المرجح أن العالم سوف يتطور، ولن يكون لدى الناس أى وقت بالنسبة لك على الإطلاق.
وعليك أن تتخذ قرار العمر: هل تتخلى عن مطاردة المجد الأدبى، أم يجب عليك الاستمرار فى الكفاح من أجله؟

إعداد: ريهام عبد الرحمن العباسي

النص الأصلى

https://bit.ly/2PYNEef

التعليقات