حصاد عام 2024 التكنولوجي - محمد زهران - بوابة الشروق
الإثنين 6 يناير 2025 12:19 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حصاد عام 2024 التكنولوجي

نشر فى : الجمعة 3 يناير 2025 - 7:25 م | آخر تحديث : الجمعة 3 يناير 2025 - 7:35 م

أكتب هذه الكلمات ونحن فى الساعات الأخيرة من 2024 التى ستذهب بمرها الكبير وحلوها القليل. دائما ما نحب فى نهاية كل عام أن ننظر إلى الوراء لنتعلم مما سبق ونتنبأ بما سيأتى حتى نستعد له، هذا ما سنحاول فعله فى هذا المقال لكننا سنضع التكنولوجيا تحت المجهر ولن نتحدث عن السياسة والاقتصاد إلا فيما يفيد حديثنا. ليس بالصعب التنبؤ بتطور التكنولوجيا، المشكلة أن التكنولوجيا لا تتواجد فى فضاء وحدها لكن تؤثر وتتأثر بالسياسة والاقتصاد، وليس من السهل التنبؤ بهما، لذلك الكثير من التنبؤات التكنولوجية تفشل نتيجة عدم أخذ السياسة والاقتصاد فى الاعتبار.

يمكننا تقسيم التكنولوجيا إلى تكنولوجيا نراها ونحس بتأثيرها، وتكنولوجيا لا نراها لكن نحس بتأثيرها، الرؤية هنا بمعنى أننا نتعامل معها مباشرة وليس بالضرورة الرؤية بالعين فقط، فنحن نتعامل ونستخدم الانترنت لكننا لا نراها بالمعنى المباشر. التكنولوجيا التى لا نراها قد لا نعلم أنها موجودة من الأصل وإن كانت أهميتها لا تقل عن تلك التى نراها. الإنترنت نتعامل معها لكنها تعتمد على تكنولوجيا الاتصالات والحاسبات القوية التى تسمى خوادم أو (servers) التى لا يعلم الشخص العادى عنها شيئا. لذلك فعندما نتكلم عن أهم المحطات فى التكنولوجيا يجب أن نغوص قليلاً إلى الأعماق ولا نكتفى بما يراه الشخص العادى ويتعامل معه.. فلنبدأ. 

• • •

طبعا الذكاء الاصطناعى هو أشهر تكنولوجيا لأننا نراها ونتعامل معها ومنبهرون بها. أغلب الناس لا تعلم بالضبط من الذكاء الاصطناعى إلا برامج المحادثة مثل التشات جى. بى. تى وما شابهه. هذه النوعية من البرمجيات عبارة عن برمجيات تستخدم تعليم الآلة (أى تعلمت من الكلمات والجمل المتاحة على الانترنت) كى تأتى بكلمات ردا على كلمات، أى إننا نعطيها أسئلة (وهى كلمات) فترد بكلمات تشتبه التى تعلمتها. هذا ما شهدناه فى 2024 واندهش له الكثيرون حتى إنهم ظنوا أن الكمبيوتر له وعى ومشاعر وهذا طبعا ليس صحيحا.

الخطوة التالية، والتى بدأت بشائرها تظهر، هى وجود برمجيات لا ترد فقط بكلمات لكن بأفعال، أى إنك قد تطلب منها شيئا مثل نقل مجموعة أوراق من مكان إلى مكان آخر فتقوم تلك البرمجيات التى تحتاج وجود روبوت فى مثالنا هذا بتقسيم المهمة إلى مهمات أصغر مثل: جمع الأوراق إن كانت متناثرة، معرفة أفضل طريق للذهاب إلى النقطة المطلوب توصيل الأوراق لها، الذهاب إلى هذا المكان، ثم وضع الأوراق فى المكان المناسب. البرمجيات التى ترد بكلمات فقط تسمى «نماذج اللغات الكبيرة» أو (Large Language Models) أما تلك التى تقوم بأعمال وليس فقط كلمات تسمى «نماذج الحركة الكبيرة» أو (Large Action Models) وهى خطوة كبيرة نحو تحسين أداء السيارات ذاتية القيادة وتحسين كفاءة وأداء المصانع بالإضافة إلى القيام بالمهمات الخطرة فى حالات الكوارث الطبيعية إلخ. لكن تطور مثل التكنولوجيا يحتاج بيانات أكثر بكثير من الكلمات التى استخدمت فى تعليم الآلة فى برمجيات المحادثة، وهذا يؤخذنا إلى التكنولوجيا التالية وهى من التكنولوجيات التى لا نراها لكن لا تقل أهميتها عن الذكاء الاصطناعى وهى تكنولوجيا المجسات.

• • •

المجسات (sensors) هى أجهزة إلكترونية صغيرة الحجم تقوم بجمع بيانات كثيرة مثل درجة الحرارة والرطوبة فى منطقة ما أو درجة الحرارة والضغط والاوكسجين فى الدم للأشخاص تطورت هذه المجسات تطورا كبيرا فى السنين الأخيرة بدأت بالاتصال بالانترنت وسميت وقتها بانترنت الأشياء، ثم تطورت أكثر للقيام بمعالجة تلك البيانات قبل إرسالها عبر الإنترنت لأجهزة كمبيوتر أكثر قوة للقيام بتعليم الآلة. أى إن البرمجيات أصبحت تمتلك بيانات تتجاوز الكلمات مثل تعليقاتك على منصات التواصل الاجتماعى، بل البيانات أصبحت تحتوى على معلومات عنك وعن صحتك والأماكن التى تذهب إليها والوقت التى تقضيه هناك، بل وحالة الجو وتلوث الهواء إلخ. هذا طبعا دفع التكنولوجيا إلى القيام بقفزات كبيرة فى وسائل تخزين كل تلك البيانات بالإضافة إلى بناء أجهزة كمبيوتر فائقة السرعة تستخدم هذا الكم المهول من البيانات فى تعليم الآلة. طبعا كل ذلك يحتاج إمكانيات ضخمة لا تتوفر إلا لشركات كبيرة.

• • •

إذا نظرنا إلى حال الشركات التكنولوجية الكبرى فى العالم الآن فيما يتعلق بأبحاث الذكاء الاصطناعى سنجد تسعة، هناك أكثر من ذلك طبعا لكن نتكلم عن أشهر وأكبر تسعة. هناك ثلاثة فى الصين وهى: على بابا وتنسنت وبايدو (هواوى تقترب بخطى حثيثة)، هناك ست فى أمريكا وهى: آبل ومايكروسوفت وأمازون وجوجل وميتا وإنفيديا (شركة أى بى إم فى اضمحلال وإن كانت ما زالت تحاول). طبعا هذا رأى شخصى ويحتمل النقاش والأخذ والرد، لكن النقطة هنا أن تلك الشركات أصبحت العلاقة بينها مختلفة فى 2024. الشركات الصينية تأتمر بأمر الحكومة وبالتالى تتكامل فى أبحاثها، أما الشركات الأمريكية فكانت تتنافس فيما بينها ومتروكة لاقتصاديات السوق، ولكن هذا يبدو أنه يتغير. 

فى أحد المؤتمرات الكبيرة فى 2024 لشركة أمازون يسمى (AWS re:Invent) وهو أكبر مؤتمر لهذه الشركة العملاقة فيما يتعلق بتكنولوجيا التعامل مع الإنترنت أو كما يسمونه الحاسبات السحابية (cloud computing)، ببساطة بدلاً من شراء أجهزة كمبيوتر فائقة السرعة فإن الكثير من الشركات تفضل «تأجير» الحاسبات من شركات مثل أمازون وتستخدمها عن بعد عن طريق الإنترنت (السحاب هنا يمثل الإنترنت)، وبهذا توفر الشركات مصروفات الشراء والصيانة إلخ. المهم أن هذا المؤتمر فى 2024 شهد حدثا مهما. ظهر ممثلو من شركة آبل على المسرح مع ممثلى من شركة أمازون، وهذا يدل على تعاون بين الشركتين العملاقتين. فقد تحدث بينوا دوبان مدير قسم تعليم الآلة والذكاء الاصطناعى بشركة آبل وأعلن أن شركة آبل تستخدم الرقائق الالكترونية المملوكة لشركة أمازون (نعم فشركة أمازن عندها رقائق إلكترونية للذكاء الاصطناعى مصنوعة خصيصا لها) وتستخدم خدمات سحابية لشركة أمازون. هل نرى تقاربا أكثر بين تلك الشركات العملاقة فى 2025؟ هل سيعطى ذلك لأمريكا تفوقا على الصين؟ هل ستظل الصين مكتوفة الأيدى؟ سنرى. 

لاحظ أن شركة مايكروسوفت هى التى تمول شركة (OpenAI) المصممة لبرنامج تشات جى بى تى، ومايكروسوفت عندها أيضا خدمات سحابية منافسة لأمازون. فما بين التنافس والتعاون تتغير الخريطة التكنولوجية.

• • •

لنأمل أن 2025 يشهد ظهورنا على مسرح التكنولوجيا كفاعلين وليس فقط مستهلكين ومتفرجين.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات