تكنو ــ استراتيجى.. حروب من دون دماء - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:45 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تكنو ــ استراتيجى.. حروب من دون دماء

نشر فى : الخميس 4 فبراير 2021 - 7:15 م | آخر تحديث : الخميس 4 فبراير 2021 - 7:15 م

«عليك أن تُحيى الصينيين على ما فعلوه، إذا أتيحت لنا الفرصة للقيام بذلك، لا أعتقد أننا سنتردد دقيقة واحدة». كانت تلك كلمات مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية السابق جيمس كلابر، والتى جاءت عقب تمكن قراصنة يشتبه فى عملهم مع الحزب الشيوعى الصينى عام 2015 من اختراق مكتب إدارة شئون الموظفين الحكومية الفيدراليين، بما مكَّنهم من الاطلاع على سجلات توظيف أكثر من 22 مليون أمريكى.
ولم تكن تلك المرة الأولى التى تتعرض فيها الولايات المتحدة لهجوم سيبرانى واسع من قراصنة محترفين تابعين لدول خارجية يجمعها العداء بالولايات المتحدة.
وقبل ذلك اخترق قراصنة من كوريا الشمالية عام 2014 شركة «سونى (Sony)»، وبعد عامين، استطاع قراصنة تابعون لروسيا من شن هجوم كبير على الانتخابات الرئاسية لعام 2016.
وفى كل حالة عزا صقور السياسة الخارجية الأمريكية إلى أن تلك الهجمات حدثت بدون أن يكون هناك تكلفة، بسبب غياب رد الفعل الأمريكى.
***
لكن لا ينبغى أن يعتقد البعض أن الولايات المتحدة من جانبها لا تقوم بمهاجمة أعدائها إلكترونيا، فواشنطن تشن هجمات سيبرانية على بعض الأهداف حول العالم، ويتم الإعلان عن عدد محدود من هذه الهجمات، فى حين يفضل الكثير من الأطراف الصمت تجاه الكثير من الهجمات.
كما تتبنى واشنطن موقفا استباقيا فى استراتيجيتها الدفاعية للهجمات الإلكترونية تسمى «الدفاع للأمام (Defend Forward)» والفكرة الأساسية هى أن القيادة السيبرانية الأمريكية ستحافظ على وجود مستمر فى الشبكات الخارجية المعادية، حتى تتمكن من مواجهة خصومها حين يشنون هجمات إلكترونية.
واعتُبرت استراتيجية «الدفاع للأمام» ناجحة، فقد منعت التدخل فى انتخابات الكونجرس 2018 والانتخابات الرئاسية 2020، لكنها فشلت تماما حتى فى الكشف عن الاختراق الأخير، والذى تعتقد أغلب التقديرات الاستخباراتية بوقوف روسيا وراءه، وربما الصين.
واعتبر بعض أعضاء الكونجرس الهجمات السيبرانية التى استهدفت مئات وربما آلاف الجهات الحكومية وغير الحكومية عملا عدائيا لا يقل خطورة عن «بيرل هاربر» الإلكترونى.
وبسبب هجوم بيرل هاربر، الذى شنته طائرات يابانية على الأسطول الأمريكى قبالة جزيرة هاواى فى المحيط الهادى قبل نهاية عام 1941، دخلت الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية.
ويُعتقد على نطاق واسع أن عملية الاختراق الإلكترونية الأخيرة هى واحدة من أكثر العمليات ضررا خلال السنوات الأخيرة، وحتى كتابة هذا المقال يبدو أن الهجمات لا تزال مستمرة. وفى الوقت الذى أكدت فيه وكالات استخبارات أمريكية أنها تحاول تقييم حجم الأضرار الناجمة عن العملية التى بدأت فى مارس الماضى، لم يتضح بعد حجم الخسائر أو أهمية المعلومات التى ربما يكون تم الاطلاع عليها أو نسخها أو إفسادها.
ودفع ذلك بعدد من أعضاء مجلس الشيوخ إلى وصف الهجوم بأنه «حالة حرب» شُنت من دول أجنبية على الولايات المتحدة، وهو ما يستدعى الرد.
وقال كريس كونز، السيناتور الديمقراطى من ولاية ديلاوير، «إن ما جرى يعد عملا عدائيا، يرتفع إلى مستوى الهجوم، الذى يوصف بأنه حرب، إنه هجوم واسع النطاق استهدف أنظمتنا العسكرية، وأنظمة استخباراتنا بطريقة لم أرها من قبل طوال حياتى».
ويزيد من تعقيد الرد الأمريكى أن اكتشاف الهجوم تزامن مع انتقال غير سلس للسلطة من إدارة جمهورية إلى إدارة ديمقراطية، إضافة لعدم امتلاك استراتيجية واضحة للرد على الهجمات السيبرانية.
***
إذا طار شخص ما بطائرة عسكرية تابعة لدولة ما فى مجال جوى لدولة بدون إذن مسبق، فإن هناك اتفاقا دوليا منظما لهذه الحالات، وهذه الاختراقات، وقد ترد دولة بهجوم عسكرى مماثل بأن تسقط الطائرة، لكن لا يوجد اتفاقيات حاكمة ومنظمة لمثل تلك الاختراقات فى المجال التكنولوجى والسيبرانى.
وتترك الهجمات الأخيرة واشنطن فى حيرة؛ إذ يفتقر العالم بشكل عام إلى الاتفاقيات الدولية الشاملة بشأن الحروب الإلكترونية أو التجسس الإلكترونى، ولا يعرف أحد كيف يمكن التوصل لاتفاقيات بين لاعبين بعضهم دول، وبعضهم أشخاص وقراصنة يعملون لحسابهم، وبعضهم شركات كبرى وبعضهم شركات صغرى وبعضهم منظمات غير حكومية وبعضهم منظمات إرهابية.
وتمتلك الولايات المتحدة والصين وروسيا الكثير من الإمكانيات التكنولوجية المتطورة عسكريا، كما تملك ترسانات من الأسلحة التقليدية من طائرات وقاذفات ومدرعات وغواصات وصواريخ، إضافة للأسلحة النووية والكيميائية.
ويزيد الموضوع تعقيدا فى وضع قواعد حاكمة لصراعات المستقبل التكنولوجية، عدم وجود فواصل واضحة بين ارتباط كبرى شركات التكنولوجيا والحكومات والجيوش فى دولها الأصلية.
وعلى سبيل المثال اعتبرت واشنطن عددا من شركات التكنولوجيا الصينية على علاقة مشبوهة بالجيش الصينى، وفرضت عليها عقوبات مختلفة. وبلغ عدد الشركات الصينية المدرجة على القوائم الأمريكية السوداء أكثر من 270 شركة على رأسها «هواوى (HUAWEI) و«زد تى إى (ZTE)» اللتان تعملان فى مجال الاتصالات، وشركة «هيكفيجن» (Hikvision) لأنظمة المراقبة، وشركة «سميك» (SMIIC)، أكبر شركة صينية لصناعة أشباه الموصلات.
***
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، آمنت الدول الكبرى بنظرية الردع المتبادل، والذى يعنى أن أى طرف يستطيع أن يبدأ القتال، لكن الطرف الآخر سيتمكن من الرد، وسمح ذلك التوازن الدقيق بمنع وقوع حروب بين الدول الكبرى، لعقود طويلة.
اليوم لا تعرف الدول الكبرى أى نظرية للردع الإلكترونى، ولا توجد قواعد حاكمة لقواعد الاشتباك السيبرانى، ويزيد كل ذلك من خطورة وقوع مواجهات لم تعرف البشرية لها مثيلا من قبل، لكنها حروب لا تسيل فيها الدماء.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات