يوم الجمعة الماضى شهدت نقابة الصحفيين عرسا ديمقراطيا حقيقيا وهو إجراء انتخابات النقيب ونصف أعضاء المجلس، والتى انتهت بفوز الزميل خالد البلشى بمنصب النقيب وفوز الزملاء محمد سعد عبدالحفيظ ومحمد شبانة وحسين الزناتى وأيمن عبدالمجيد ومحمد السيد الشاذلى وإيمان عوف بعضوية المجلس.
هو عرس ديمقراطى لأنه ببساطة جرى كما يقول كتاب الانتخابات الحقيقية حتى بما فيها بعض الانتهاكات والعنف اللفظى والتجاوز وهى أمور لم تؤد إلى إفساد المشهد.
كانت هناك دعاية انتخابية كاملة ومتنوعة. المرشحون على منصب النقيب ومقاعد المجلس الستة زاروا مقرات الصحف والمواقع الإلكترونية أكثر من مرة، الحملة طالت هذه المرة بسبب شهر رمضان، وعيد الفطر وأعياد الإخوة الأقباط، وبالتالى اضطر المرشحون لبذل جهد إضافى حتى يقنعوا أكبر عدد من الناخبين ببرامجهم.
المرشحون استغلوا الدعاية الإلكترونية بدرجات متفاوتة، بعضهم نجح فيها بجدارة، وآخرون أخفقوا، ولعبت الخلفيات السياسية والقدرة على مخاطبة جمهور الناخبين دورا مهما فى ذلك.
وكعادة انتخابات الصحفيين، فقد ركز فريق على مسألة الحريات والمهنة بصورة أكبر، فى حين ركز فريق آخر على مسألة الخدمات، دون أن يغفل الحريات، ومن الواضح أن الجدل بشأن أسبقية وأولوية واحدة على الأخرى ستظل مطروحة دائما، ويصعب أن يتم حسم هذا الجدل.
قضية الحريات كانت دوما حاضرة فى انتخابات نقابة الصحفيين، وقد عاصرت ذلك بنفسى، حيث حرصت دوما على حضور هذه الانتخابات حتى وأنا طالب فى قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة فى النصف الأول من الثمانينيات.
وكما قلت قبل أيام فإنه لا يوجد تناقض كبير بين قضيتى الحريات والخدمات، ولا يمكن أن تحل إحداهما محل الأخرى، فالصحفى لا يمكن أن يعمل بصورة طبيعية بدون حريات، أو على الأقل هامش معقول منها، وإلا تحول إلى موظف فى أى هيئة خدمية، كما أنه لا يمكن أن يعمل إلا إذا ضمن الحد الأدنى من الحياة الكريمة المتمثل فى الخدمات.
قلت وأكرر إن الدعاية الانتخابية العنيفة كانت موجودة دوما فى كل انتخابات سابقة، لكنها هذه المرة كانت محسوسة أكثر بسبب الاستقطاب الحاد أولا، ومحاولة شخصنة الصراع والأهم لأن وسائل التواصل الاجتماعى لعبت دورًا مهمًا هذه المرة.
وأعتقد أن الحكماء فى المهنة وفى العديد من أجهزة الدولة لعبوا دورا كبيرا فى عدم تحول هذا الصراع الانتخابى والاستقطاب الحاد والعنف اللفظى إلى عنف مادى وفى هذا الصدد ينبغى توجيه التحية إلى المرشح على منصب النقيب عبدالمحسن سلامة الذى تقبل النتيجة بروح رياضية، وكبح جماح بعض مؤيديه، وكذلك الأمر بالنسبة لخالد البلشى وغالبية المرشحين فقد كانت هناك خشية أن يتحول التلاسن اللفظى والعنف الإلكترونى إلى صدام ينسف الانتخابات بأكملها.
كانت انتخابات حقيقية لأنها شهدت حضورا ومشاركة تاريخية لا نراها فى الانتخابات النيابية، فمن بين عشرة آلاف عضو يحق لهم الانتخاب بلغ عدد الحضور 6051 بتسبة تعدت ٦٠٪.
وهذا يعنى أن المرشحين نجحوا فى حشد أكبر عدد ممكن من مؤيديهم، وفاز البلشى بـ3346 صوتا بنسبة 55%، مقابل 2562 صوتا لعبدالمحسن سلامة بفارق 784 صوتا، وبالطبع كان هناك ستة مرشحين آخرون، لكنهم كانوا جميعا ضيوفا أكثرهم سيد الإسكندرانى وحصل على 44 صوتا وأقلهم محمد مغربى بحصوله على صوتين فقط.
هى انتخابات ديمقراطية ونزيهة أيضا لوجود إشراف قضائى كامل، ولعدم تدخل أجهزة الدولة فى عملية إجرائها، وكذلك لالتزام المرشحين بالقواعد الأساسية للمعركة الانتخابية.
هى انتخابات ديمقراطية لأنها تمت بسلام والفضل يرجع أولا للجهود التنظيمية، والإدارة الجيدة من الزميل جمال عبدالرحيم الذى كان حكيما وصعيديا صارما فى إدارة الجمعية العمومية والتغلب على كل محاولات تعطيلها أو إفسادها.
وهنا أيضا لابد أن نسجل توصيات الجمعية العمومية خصوصا التضامن مع الشعب الفلسطينى ضد العدوان الصهيونى وكذلك بتعديل لائحة القيد لغلق الأبواب الخلفية أمام غير الممارسين للمهنة، والمراجعة الدورية لأوضاع كل الصحف، ومنع القيد من الصحف المتوقفة، أو التى لا تمتلك هياكل إدارية واضحة، وتنفيذ قرارات وتوصيات المؤتمر العام السادس للصحفيين الذى انعقد فى منتصف ديسمبر الماضى، وإعداد لائحة مالية موحدة لأجور الصحفيين، وعدم قيد الحاصلين على التعليم المفتوح، والتصدى للكيانات النقابيّة الموازية، وضمان ألا يقل الحد الأدنى المقبول به فى العقود عن الحد الأدنى للأجور. وعدم الموافقة على إجراءات تعديل قانون الصحفيين لعام 1970 إلا بعد العرض على الجمعية العمومية مكتملة النصاب وكذلك التضامن مع الصحفيين رهن الحبس الاحتياطى.
لكن ربما يكون السؤال الأهم هو: لماذا فاز البلشى ولماذا خسر سلامة، وكيف يمكن فهم المعركة الطاحنة على مقاعد المجلس الستة خصوصا فوق السن؟!
سؤال أتمنى أن أتمكن من الإجابة عنه لاحقًا.