«داخل سوق الحرير» - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 5:44 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«داخل سوق الحرير»

نشر فى : الخميس 5 يناير 2017 - 10:15 م | آخر تحديث : الخميس 5 يناير 2017 - 10:15 م
صحفى مصرى كبير داخل أحد المحلات التجارية فى عاصمة أوروبية، واشترى بعض الملابس، ودفع ببطاقة الائتمان «الكريديت كارت» وعندما خرج تلقى رسالة من البنك تفيد بأن سعر اليورو بعد الضرائب والرسوم والتحويل يساوى حوالى ٢٦ جنيها مصريا.

هذا الأمر حصل بعد أيام قليلة من قرار تعويم الجنيه المصرى أمام العملات الأجنبية فى ٣ نوفمبر الماضى.

بعد اسبوع صادف أننى زرت عاصمة خليجية، ودخلت أحد محلات الملابس المتوسطة المستوى، وخرجت ولم اشترِ شيئا لأن الأسعار صارت مرتفعة بصورة لا يمكن تخيلها.

قبل تعويم الجنيه كانت هناك ميزة نسبية للشراء من الخارج فى ظل أن سعر الدولار كان أقل من تسعة جنيهات وكانت هناك سلع كثيرة يمكن شراؤها بأسعار أقل مقارنة بمثيلتها فى مصر، خصوصا أن جودتها مرتفعة أيضا.
الآن تغير كل شىء، ولمست هذا التغيير بوضوح خلال زيارتى للصين خلال الأسبوع الماضى.

من زار بكين، فربما مر على المركز التجارى او المول الأشهر فى العاصمة الصينية وهو «سوق الحرير او. SiLK MARKET». سوق تجارية فى قلب العاصمة يتكون من دور تحت الأرض وخمسة أدوار عليا، ومتخصص فى الملابس والأدوات الإلكترونية والمنتجات الجلدية. ويتردد عليه الكثير من الجنسيات الأجنبية، وقال لى رئيس سابق لمجلس ادارة مؤسسة صحفية قومية عريقة، انهم ذات مرة كانوا على الطائرة مع الرئيس الأسبق حسنى مبارك، عائدين من الصين، وسألهم: «هل زرتم محل سوق الحرير يا اولاد؟!»، فأجاب معظمهم بنعم وبعدها استفاض فى الحديث عن الأسعار الرخيصة داخل السوق.

زرت الصين مرتين قبل ذلك عندما كنت اعمل فى جريدة البيان بدبى، الأولى لشنجهاى عام ٢٠٠٤، والثانية لبكين فى ٢٠٠٦. ورأيت بعينى مدى انخفاض الأسعار فى كل شىء لدرجة أن أحد الأصدقاء اشترى كيلو رابطات عنق بأقل من خمسة دولارات «نعم بالكيلو»، وكان سعر القميص لا يزيد على عشرة جنيهات. خصوصا أن قيمة الجنيه أمامه كانت قوية.

البطل الرئيسى او الملمح الأبرز فى هذه السوق، هو «الفصال». تدخل إلى محل للملابس، وتسأل عن سعر القميص أو البطلون، فتجد البائعة الصينية التى غالبا لا تعرف أى لغة اجنبية، ممسكة بالآلة الحاسبة وتكتب لك مثلا أن السعر ٢٠٠ يوان أو «اار ام بى» كما يقولون عن العملة الصينية، التى لاتزال تحمل صورة زعيم الثورة الصينية ماوتسى تونج.

بعد ذلك تدخل فى مرحلة فصال ومساومة ومناهدة طويلة وشد وجذب، تنتهى بأن تشترى القميص بعشرة فى المائة من السعر الأول التى بدأت به البائعة، وهكذا. يوم الخميس الماضى ذهبت إلى السوق بصحبة خمسة من الأصدقاء والزملاء الصحفيين، وكانت المفاجأة الكبرى أنه، لم يعد مغريا فى الأسعار بعد تعويم الجنيه، لأن اليوان الصينى صار يساوى ٢.٧ جنيه مصرى، وبالتالى فإن أقل سعر للقميص صار ٢٠٠ جنيه. وهكذا لمختلف السلع خصوصا الشاى الأخصر والمكسرات والبهارات، صارت جميعها سلعا ترفيهية لأن أسعارها أصبحت مرتفعة للغاية، والنتيجة النهائية التى خرجت بها من هذه الرحلة وما قاله لى زملاء صحفيون سافروا فى الشهرين الماضيين أن نسبة شراء المصريين من الخارج قد انخفضت بصورة كبيرة للغاية.

هذه الخلاصة خبر مفرح للصناعة المصرية، وقد تمثل فرصة حقيقية للاقتصاد الوطنى، إذا أحسن استغلالها.

شخصيا سوف اشترى أى منتج مصرى طالما انه جيد واقل سعرا او حتى مساويا للمنتج الأجنبى، أو حتى أعلى منه قليلا. والمنطقى أيضا أن تبدأ الدولة والحكومة فى تشجيع أى صناعة وطنية حتى نقلل من الاستيراد الذى يستهلك عملات صعبة كثيرة، وهناك تقديرات بأن الإجراءات الحكومية قللت الاستيراد بحوالى سبعة مليارات دولار خلال هذا العام.

يفترض أيضا أن إحدى المزايا القليلة جدا لتخفيض قيمة العملة الوطنية وهى الجنيه أن تزيد نسبة الصادرات، باعتبار أن أسعار منتجاتنا ستكون أرخص، لكن السؤال هل حدث ذلك أو حتى بدأت مؤشرات على حدوثه وبأى نسبة، والأهم هل السياسة الاقتصادية الراهنة وقوانين الاستثمار سوف تشجع على ذلك؟!

أسئلة كثيرة سوف نعرف إجاباتها كثيرا، لكن وحتى إشعار آخر فإن الشراء من الخارج انتهى أو يوشك على الانتهاء.
عماد الدين حسين  كاتب صحفي