عاش عاش.. جيل أحمد داش - سيد محمود - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 2:28 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عاش عاش.. جيل أحمد داش

نشر فى : الثلاثاء 5 أبريل 2022 - 7:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 5 أبريل 2022 - 7:10 م
لكى تستطيع فهم منطق شريف الذى يؤدى دوره الممثل الشاب أحمد داش فى مسلسل «مين قال» الذى يعرض حاليا على بعض الشاشات، أنصحك بقراءة كتاب «ليست كل طاعة فضيلة» الذى كتبته الدكتورة هبة شريف أستاذ الأدب الألمانى وصاحبة العديد من المؤلفات المهمة فى مجال الدراسات الثقافية.
يساعد الكتاب الذى صدر عن دار العربى للنشر قبل شهور من عرض المسلسل فى فهم وتحليل صور الصراع الذى يبرزه بين جيلين، الجيل الأول ويمثله الابن (أحمد داش) الراغب فى دراسة ما يحب، والثانى يمثله الأب (جمال سليمان) وهو متمسك بسلطته فى اختيار مستقبل الابن ونوعية ما يدرسه.
وبالطبيعة لا يستطيع الابن معارضة والده والاستقلال التام عن العائلة بعد نجاحه فى الثانوية العامة مما يدفعه للتحايل على سلطة الأب ومواصلة العمل الخاص فى التجارة الالكترونية والاستغراق فى تنفيذ مشروعاته بالتعاون مع رفاق شلته.
وعلى الرغم من السباق الرمضانى نجح المسلسل فى لفت الانتباه لمضمونه العصرى، وتصدر «التريند» خلال الأيام الأولى وهو نتاج ورشة «سرد» للكتابة الدرامية بإشراف مريم ناعوم وإخراج نادين خان.
ولا يبتعد مضمون الكتاب عما يريد المسلسل تأكيده عبر نقد جميع صور التسلط وبالأخص السلطة الأبوية بمختلف تجلياتها.
ومن خلال التعرض للكثير من المواد، والتعبيرات الثقافية الدالة على مخاطر إعادة إنتاج هذا الصراع التقليدى تقرر هبة شريف استنادا على مقولات عالم النفس الشهير إريك فروم أن ليس كل عصيان رذيلة وليست كل طاعة فضيلة، فاعتبار العصيان رذيلة والطاعة فضيلة من شأنه أن يغفل حالة الجدل الدائم بين الطاعة والعصيان لصالح الإنسان نفسه، فعندما نقرر أن نطيع قانونا أو مبدأ ما، فإننا نقرر فى الوقت نفسه عصيان قانون أو مبدأ مقابل.
يقول فروم إن القدرة على العصيان كانت هى بداية تاريخ البشرية، لكنه يتنبأ أن هذا التاريخ قد ينتهى ولكن ليس بسبب العصيان وإنما بسبب الطاعة.
تعدد المؤلفة الكثير من صور الطاعة غير المقبولة بمعايير عصرنا الحقوقية ومنها بطبيعة الحال الطاعة التى يظهرها الجنود فى بعض الجيوش التى تقود لحروب تدمر الكثير من البلدان وتعتدى على مواطنيها وإرثها الحضارى.
وتعود شريف لقراءة وقائع جرت فى التاريخ فضلا عن تحليل الخطابات الثقافية المتضمنة فى نصوص وأفلام عديدة منها (الجوكر، باتمان) وتقرأها من جديد فهى على سبيل المثال تنظر للحروب التى خاضها الأمريكيون للاستقلال عن بريطانيا من عين مختلفة وتشير إلى أنها كانت بمنطق القانون البريطانى خروجا عن القوانين ولكن هذا العصيان هو الذى جعل استقلال الولايات المتحدة ممكنا وما يعتبره البريطانيون «خيانة» هو ذاته معنى «التحرير» من وجهة نظر التاريخ الأمريكى.
نماذج كثيرة يبرزها الكتاب وتتكرر فيها مثل هذه المفارقات ومنها رواية «القارئ» للكاتب الالمانى برنهارد شلينك وهى تلقى الضوء على معضلة طاعة القانون أو عصيانه خلال فترة النازية.
وتتناول المؤلفة كذلك الأعباء الأخلاقية الملقاة على عاتق من يتولون تنفيذ القانون خلال فترات التحول وتتساءل: لمن ينتصر هؤلاء للقانون أم للضمير الأخلاقى؟
وتعود شريف استنادا لمجالات تخصصها الأصيل وتبحث فيما حدث لألمانيا خلال فترة النازية وما بعدها فى زمن الثورة الطلابية العام 1968 حيث تولى جيل الأبناء إجراء محاكمات رمزية وفعلية لجيل الآباء انطلاقا من تصور أخلاقى محض جعل الأبناء يقررون أن الآباء الذين اختاروا النازى وساعدوا فى استيلائه على السلطة بطريقة دستورية هم مشاركون بالتبعية فى الجرائم التى ارتبكت خلال تلك الحقبة المظلمة من التاريخ.
وفى متابعة الصراع الذى يواجهه أحمد داش مع والده ضمن حلقات مسلسل «مين قال» علينا دائما أن ننتصر لخياله المبدع، ولإصراره على تحقيق حلمه فى الاستقلال ولنتذكر دائما الحكايات التى يوردها الكتاب لتشير بوضوح إلى أن الطاعة ليست دائما هى المرادف للحب وليست دائما فضيلة، حيث كان التدريب على الطاعة وكسر الإرادة هو أول دروس النازية، التى آمنت أن الطفل الذى لا تكسر أحلامه ولا إرادته يصبح خطرا على مجتمعه، بينما ما نطمح إليه دائما هو العيش بكرامة وحماية الحق فى الإبداع ورفع راية الخيال.