صدر قانون التأمين الصحى الشامل رقم 2 لعام 2018 وظلت خطوات تنفيذه الأولى بطيئة لأسباب متعددة منها ضرورة تحديث البنية التحتية للمستشفيات ووحدات طب الأسرة اللازمة للتطبيق وفق معايير الجودة والاعتماد، ووجود نقص فى الكوادر البشرية الطبية اللازمة للتنفيذ خاصة الأطباء على مستوى الرعاية الأولية اللازمين للعمل فى وحدات ومراكز طب الأسرة، إضافة إلى صدمة ظهور الحالة الوبائية العالمية كوفيد-19 فى نهاية عام 2019 والتى أجبرت العالم على الغلق الكلى أو الجزئى لكل مناحى الحياة والعمل والأنشطة الواسعة، إلى جانب التأثير الواضح للوباء على النظام العالمى الاقتصادى والصحى.
وعلى الرغم من ذلك، فقد قامت الحكومة بالعمل على عدة محاور لإصلاح النظام الصحى وتطبيق نظام التأمين النظام الصحى الشامل الجديد فى محافظة واحدة محدودة السكان (بورسعيد) إلى جانب تكثيف النشاط الصحى لمواجهة الوباء بكل الأساليب والوسائل المتاحة والممكنة وقتها، ومع انتهاء ذروة الأزمة عام 2021 عادت وتيرة العمل فى تنفيذ نظام التأمين الصحى الشامل الجديد فى ثلاث محافظات أخرى شملت الإسماعيلية وجنوب سيناء والأقصر، وبدأت هيئات النظام الجديد الثلاث فى إصدار بعض التقارير عن نشاطها وإنجازاتها بشكل يدعو إلى طرح العديد من التساؤلات حول محتوى ما ينشر عن هذه الإنجازات والتى شملت إعادة بناء للبنية التحتية من وحدات ومستشفيات بتكلفة قاربت 50 مليار جنيه وتأهيل للقوى البشرية الطبية اللازمة للعمل فى هذه الوحدات والمستشفيات، إلى جانب محاولات مستمرة للاستعانة بالقطاع الخاص الطبى للشراكة مع القطاع العام لتحقيق التغطية الصحية الشاملة فى هذه المحافظات الثلاث من المرحلة الأولى للنظام الذى كان من المفترض أن يشمل ست محافظات أغلبها ذات كثافة سكانية محدودة (السويس وشمال سيناء وأسوان)، ومرت قرابة 7 سنوات منذ صدور القانون (2025:2018) ولم تزد مظلة التغطية حتى الآن على قرابة 6 ملايين فرد فى المحافظات التى تشمل المرحلة الأولى من النظام الذى حدد له فى البداية 6 مراحل للتطبيق تنتهى فى 2030.
• • •
مع الوضع فى الاعتبار لكل التحديات التى تواجه البلاد اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا إلا أن التصريحات حول تطبيق النظام تحتاج إلى بعض التساؤلات، ففى الآونة الأخيرة عقدت اللجنة التنسيقية لمنظومة التأمين الصحى الشامل اجتماعها الدورى لمناقشة خطة التطبيق التدريجى للمنظومة بمحافظات الجمهورية برئاسة السيد الدكتور نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة كمقرر للجنة، وذلك لمناقشة آليات عمل اللجنة فى الفترة المقبلة، وخطة تسريع التطبيق التدريجى لنظام التأمين الصحى بكل المحافظات وفقا لتوجيهات القيادة السياسية.
واستعرضت اللجنة تقريرًا مفصلًا حول خطة وجاهزية الهيئة العامة للرعاية الصحية للتشغيل الرسمى لمنظومة التأمين الصحى الشامل فى محافظة أسوان والذى يعتمد على عدد من المحاور، أهمها ضمان توفير القوائم المالية لتغطية المحافظة ومنشآت تقديم الخدمة وتوافرها، وبدء التشغيل من حيث تسجيل المواطنين من خلال الهيئة العامة للتأمين الصحى الشامل (هيئة التمويل)، حيث صرح المتحدث الرسمى بأنه تم تسجيل 65% من المستفيدين وجاهزية المحافظة من حيث توافر القوى البشرية اللازمة لبدء التشغيل، كما تابع أنه تم اعتماد 62 منشأة رعاية أولية من إجمالى 97 وحدة جارى العمل لحصولها على الاعتماد، فضلا عن الحصول على الاعتماد المبدئى والتعاقد مع 8 مستشفيات (عام وخاص) بسعة 519 سريرًا مع العمل على التعاقد مع عدد آخر من المستشفيات واستكمال القوى البشرية اللازمة لذلك، كما أكد أهمية التعاقد مع مستشفيات القطاع الخاص بمحافظة أسوان وتكثيف اللقاءات والزيارات التحفيزية للمنشآت الصحية الخاصة.
وتابع المتحدث أن الاجتماع تناول مناقشة موقف التشغيل الرسمى لمنظومة التأمين الصحى الشامل بمحافظة السويس والتى تم إطلاقها فعليا بنهاية 2024، حيث تمت مناقشة تقديم أفضل الخدمات للمواطنين والمواطنات ضمن المنظومة، وكذلك التعاقد مع الصيدليات الخاصة. وتابع أن الاجتماع تناول مناقشة دراسة موقف محافظتى مطروح وشمال سيناء ضمن المرحلة الثانية من التطبيق، حيث تم استعراض الموقف الحالى للتشغيل والتخطيط الصحى للمحافظتين ومقترح إعداد وحدات ومراكز الرعاية الأولية طبقا للدراسة المقترحة لتطبيق المنظومة وفقًا للتخطيط الصحى، فضلًا عن مناقشة الخطة المقترحة الخاصة بوحدات الرعاية الأولية والمستشفيات والمنشآت غير الطبية، مؤكدًا توجيهات نائب رئيس الوزراء بوضع خطه متكاملة لبدء التشغيل التجريبى للمحافظتين خلال العام الحالى 2025.
وأضاف أنه تمت مناقشة مقترح ضم إحدى المحافظات الكبرى ذات الكثافة السكانية العالية ضمن المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحى الشامل حيث تم استعراض الوضع الصحى الحالى لهذه المحافظة والتى تضم 186 مستشفى باختلاف تبعيتها (عام وخاص) فضلًا عن 34 عيادة و50 مركزًا تخصصيًا و4 مستشفيات تأمين صحى بنسبة تغطية تأمينية تصل إلى 85.52% من إجمالى سكانها، كما تم استعراض التخطيط الصحى المقترح للمحافظة لتغطية صحية شاملة لجميع مواطنى ومواطنات المحافظة، فضلًا عن استعراض التكلفة الإنشائية للمستشفيات طبقًا للدراسات المقترحة ومعدل الأسرة بالنسبة لعدد السكان ومقترح إعداد وحدات مراكز الرعاية الأولية.
• • •
نجد مما سبق ما يستحق المناقشة الجادة والتساؤلات الضرورية التى تطرح تفاعلًا إيجابيًا وتحفيزيًا على تحقيق الأهداف المنشودة المشتركة فى هذا المجال الحيوى.
أولًا: هل يعنى ما سبق أننا انتهينا بالفعل من المرحلة الأولى من تطبيق النظام الجديد؟ وإذا كان هذا ما حدث بالفعل، فما نسب التغطية الصحية للأسر فيها وليس للأفراد؟
ثانيًا: ما محافظات المرحلة الثانية المقترحة والتى من المفترض أن يبدأ التطبيق بها؟ وما المحافظة كثيفة السكان المقصودة حيث لم يذكرها البيان صراحة؟
ثالثًا: فى إطار رغبتنا فى تقييم ما حدث بالفعل نضع حزمة من التساؤلات الأساسية والفرعية كالآتى لعلها تفيد القائمين على التنفيذ فى إجراء مثل هذا التقييم بموضوعية فى تقاريرهم المنشورة. السؤال الرئيسى هو إلى أى مدى أصبحت منظومة التأمين الصحى الشامل الجديد تلبى المعايير المتعلقة بالإتاحة والقدرة على تحمل تكلفة الخدمة والقبول والجودة، وذلك وفقا لإطار الحق فى الصحة كما ورد فى الدستور؟
هناك الأسئلة الفرعية الأخرى وهي، أولًا: حول ما هى تجربة المرضى مع النظام فى إتاحة الخدمة؟ وما التحديات المهمة التى يواجهها المرضى عند محاولة الاشتراك أو الحصول على الخدمة؟ وكيف يقيم المرضى مدى إتاحة الخدمات الصحية؟ وما فترات الانتظار والمسافات التى يقطعها المرضى للوصول لمكان الخدمة والمعوقات الإدارية التى يواجهونها؟ وهل توجد اختلافات بين المناطق الحضرية والريفية
ثانيًا: جودة الخدمة، هل تلتزم جهات الخدمة بالمعايير الخاصة بالجودة؟ وما أبرز الشكاوى واوجه القصور.
ثالثًا: معوقات الالتحاق بالخدمة، ما الأسباب التى تدفع بعض الأفراد أو الأسر إلى عدم الاشتراك بمنظومة التأمين؟ وكيف تؤثر التكاليف غير الرسمية مثل المدفوعات غير المعلنة على رغبتهم فى الاشتراك؟
رابعًا: الحوكمة والأداء المؤسسى - إلى أى مدى تؤدى المؤسسات الرئيسية الثلاث مهامها بفعالية؟ وهل يوجد تنسيق كافٍ بينها؟ وما الآليات المتاحة لضمان شفافية ما ينشر عنها؟
خامسًا: العدالة والإدماج، هل تشمل المنظومة الفئات الضعيفة والمهمشة (مثل الأسر ذات الدخل المنخفض وأصحاب الإعاقات)؟
سادسًا: الاستدامة المالية- ما الوضع المالى الحالى للمنظومة بدقة؟ وهل توجد مؤشرات على وجود ضغوط مالية يتعرض لها؟
سابعًا: دمج القطاع الخاص- ما زالت إشكالية كبرى بسبب عدم تنظيمه وعشوائية نموه؟ فهل هناك حاجة لتشريع لتنظيمه قبل الشراكة معه؟
ثامنًا: ما الدروس المستفادة حتى الآن من المرحلة الأولى للتطبيق قبل البدء فى المرحلة الثانية؟
•••
تلك بعض التساؤلات التى تحتاج إلى إجابات لتقييم الوضع بموضوعية فى اللحظة الراهنة.
الخلاصة، هذه محاولة لدعم إجراء عملية تقييم موضوعية لنظام التأمين الصحى الشامل الجديد الذى يمثل حلمًا انتظرناه طويلًا لتحقيق العدالة والإنصاف فى الرعاية الصحية لمستقبل الأجيال القادمة.