لم تحاول إسرائيل منع أعضاء حكومة رام الله وكبار المسئولين عن الأجهزة الأمنية الفلسطينية من الدخول يوم الثلاثاء الماضى إلى قطاع غزة بسياراتهم التى تحمل أرقاما فلسطينية. ويمكن للمرء أن يتهكّم ويقول إن إسرائيل قررت عدم عرقلة عملية تلحق الضرر باستراتيجيتها منذ سنوات طويلة، منذ 1991، ومفادها فصل سكان قطاع غزة عن الضفة الغربية، لأنه سبق لنا أن شاهدنا هذا الفيلم من قبل. أى أن الخلافات العميقة بين الحركتين المتخاصمتين «فتح» و«حماس»، وخصوصا تلك المتعلقة بأمور السلاح والأجهزة الأمنية ستقوم بالعمل المطلوب، وفى نهاية الأمر ستمنع رأب الصدع، فلماذا على إسرائيل أن تظهر منذ البداية كلاعب شرير؟
وبالفعل، أعرب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عن معارضته للمصالحة فقط بعد فتح معبر إيرز من أجل مرور الوفد الكبير من الضفة الغربية، ولم يستخدم وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان صلاحياته، ولم يعط تعليماته إلى إدارة التنسيق والاتصال للقيام بما تجيد القيام به، أى المماطلة فى إعطاء أذونات الخروج.
وعلى الرغم من هذا كله، نأمل أن يكون هناك فى إسرائيل من يدرك أن المهمة الأكثر أهمية حاليا هى الحئول دون تدهور قطاع غزة نحو كارثة بيئية ــ إنسانية أقسى بكثير من تلك التى يعانيها الآن. وهذا الأمر ممكن فقط من خلال الشروط التالية: إلغاء القيود الإسرائيلية المفروضة على إدخال مواد البناء والمواد الخام؛ أن تكون آليات الاغاثة وإعادة إعمار البنى التحتية الخاضعة لآليات تنسيق معقدة من ناحية أجهزة الأمن الإسرائيلية والدول المانحة، أبسط وأسرع؛ وقف النزاعات والخصومات الفلسطينية الداخلية بشأن جباية حسابات الكهرباء والضرائب. وهذا الأمر ممكن فقط إذا أصبح للفلسطينيين هيئة إدارة موحدة، وفقط إذا كانت مقبولة، ولو جزئية ومع الإزعاجات المعهودة، من جانب إسرائيل والدول المانحة ومنظمات المساعدات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة. وهذه الهيئة يمكن أن تكون السلطة الفلسطينية فقط.
على الرغم من إنكارها، فإن إسرائيل هى المسئولة الأولى عن وصول غزة إلى كارثة، لكن هذا لا يغير شيئا الآن. حاليا يجب الكف عن ترداد الكليشيهات المعهودة بشأن «تمويل الإرهاب» و«عضوية أبومازن فى تنظيم إرهابى مجرم»، وفقا لما قاله نفتالى بينت. الآن يجب أن نعمل، والوقت يداهمنا. يجب أن نزيد فورا تزويد القطاع بالكهرباء، وجعل ذلك أكبر مما كان عليه قبل أن تقلص إسرائيل تزوده بالكهرباء بطلب من عباس. بالإضافة إلى ذلك، يجب فورا تأمين تدفق عشرات ملايين الأمتار المكعبة من المياه من إسرائيل. وليس فى هذا مصلحة للفلسطينيين فقط. لإسرائيل أيضا مصلحة فى معالجة مياه الصرف الصحى فى قطاع غزة وإيقاف تدفقها إلى البحر، وفى عدم انهيار الآبار الجوفية فى القطاع، وأن يحصل سكان القطاع على العلاج الطبى المناسب. ومن مصلحة إسرائيل أيضا عدم انتشار الأوبئة والأمراض فى القطاع.
كحركة سياسية تعتبر نفسها ممثلا حقيقيا للشعب الفلسطينى فى البلد وفى الشتات، فإن التنازل عن إدارة القطاع هو من مصلحة «حماس». هذا على الرغم من أن الحركة ستخسر مواقع قوة وسيطرة اعتادت عليهما فى السنوات العشر الأخيرة. يحيى السنوار واسماعيل هنية هما من سكان القطاع ويشعران بالكارثة البيئية – الإنسانية. ويعلمان أن حركتهما لا تستطيع الاستمرار فى تجربة إدارة القطاع على حساب رفاهية شعبهما. إن الخطوات العقابية التى اتخذتها إسرائيل ودول الغرب ضد حكومة «حماس» المنتخبة فور إقامتها قبل 11 عاما، تسمح للحركة بالتخلى عن السلطة من دون أن تعترف علنًا بفشلها. فى الضفة الغربية وفى الشتات الفلسطينى، ولكن ليس فى قطاع غزة لأسباب واضحة، يعجبون بالحركة لاختيارها مسار السلاح والمواجهة العسكرية ضد إسرائيل. لقد كان هذا كافيا لتبرير معارضة إسرائيل للمصالحة لولا توقعات الأمم المتحدة التى تحوم فوقنا وتهدد بأن قطاع غزة سيصبح مكانا لا يمكن للبشر العيش فيه سنة 2020.
لماذا السلطة الفلسطينية وحركة «فتح» مستعدتان للقبول بمهمة إدارة الأزمة فى القطاع؟ يبدو أنهما حتى الآن وجدتا من الصعب عليهما أن تظهرا أنهما تقومان بذلك انطلاقا من الإحساس بمسئوليتهما الرسمية وليس لأسباب أنانية وحزبية. بعض سكان غزة شعروا بأن الوفد من رام الله دخل كمحتل منتصر. فى يوم الاثنين الماضى، أفسد الرئيس محمود عباس فى مقابلة مع التليفزيون المزاج السائد من خلال الشروط التى وضعها مسبقا على «حماس»، ومن بينها نزع سلاحها ووقف تدخل قطر فى القطاع. ويعتقدون فى القطاع أنه كان من الممكن أن يفعل ذلك لاحقا وإبقاء الشروط للمفاوضات. لقد دفع عباس بعض الناس إلى الشك، إن لم يكن بنيات حركة «فتح»، فعلى الأقل بنياته هو فى إنجاح المصالحة ورفع العقوبات التى فرضها على القطاع.
وقف التدهور نحو الكارثة هو أحد التفسيرات لاستعداد السلطة للمصالحة. مواصلة التحركات الدبلوماسية من أجل قبول «دولة فلسطين» عضوا فى الأمم المتحدة، هو تفسير محتمل. ففى مطالباتهم المختلفة من المجتمع الدولى، بما فى ذلك المطالبة بالضغط على إسرائيل، يتعين على عباس وأتباعه أن يثبتوا أنهم يمثلون الجمهور كله فى المناطق التى احتلت سنة 1967. والتنازل عن القطاع على الرغم من أنه مريح من الناحية المالية، فإنه يضعف الموقف الاستهلالى الدبلوماسى. إن تدخل مصر العلنى فى عملية المصالحة ينفخ الريح فى أشرعة السلطة ويشير إلى إسرائيل، أنه مثلما فى عهد مبارك وبخلاف تطلعات إسرائيل، فإن مصر لا تنوى السماح للقطاع بالانضمام إليها والانفصال عن سائر الشعب الفلسطينى.
عميره هاس
مراسلة المناطق المحتلة
هاآرتس
نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية