الفطرة السليمة وفهم مقاصد الشرع - ولو بصورة إجمالية - مع أقل بصيرة داخلية، كلها تدفع صاحبها إلى استنكار بشاعة الجرم الذى أقدمت عليه (داعش) بشأن الطيار الأردنى.. ثم يزداد الاستنكار والرفض بعد الاطمئنان إلى متانة المستند الحديثى الشرعى: «لا يعذب بالنار إلا رب النار».. حكم واضح لا لبس فيه ولا اضطراب.. فلمصلحة من إذن يصطاد أشباه المثقفين فى الماء العكر؟
(داعش) دلست واقتطعت من كتب الفقه الحديث ما تريد فغررت بشباب كثيرين زادتهم على ضلالهم القديم مساحة جديدة من الظلم والوحشية.. فعلت مثلما يفعل (سعد الدين الهلالى) لا تكاد تخطئ خطواته.. متى وجد سطرا أو سطرين وافقا خبلا فى خياله يتوهمه علما وفقها طار بهما فى كل مكان يبشر الناس بدين مرقع لا يوارى سَوْءة ولا يؤوى مضطرا.. ولو أنه أكمل لمستمعيه قراءة ما جاوز السطرين.. لو أنه أكمل حتى يصل إلى نهاية الصفحة فقط لعلم الناس أن من ينقل عنهم من أئمة عظام كانوا يبسطون كل الأقوال حتى المتهافت منها ويستعرضون كل الفرضيات حتى الضعيفة منها ثم يعرضون لكل واحدة بالمناقشة والتفنيد بمنتهى الصبر والإحكام.. هكذا سبرا وتقسيما.
(داعش) أعرضت عن الحديث الواضح الصريح، أعرضت عن سيرة النبى صلى الله عليه وسلم، وتمسكت بقول باهت ممجوج رد عليه نفس الإمام - ابن حجر - وفى نفس الموضع الذى اقتطعوا منه سطرين اثنين يبررون به الوحشية وفساد الفطرة ومخالفة الشريعة (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة).
(داعش) لها أسلاف فى ذلك.. لكنهم ليسوا أسلافا مسلمين كما يعرف الإعلامى زاعم الثقافة والاطلاع.. لها أسلاف إنجليز وفرنسيين وأمريكيين وألمان.. كلهم حرق البشر - آلاف البشر - أحياء.. لكن متى كان هؤلاء قدوة؟
الإعلامى زاعم الثقافة.. الزاعق على مدى ساعتين تقريبا فى وجه جمهور مله ومل حديثه.. المنطلق من قناة يملكها رأس من رءوس التعصب الدينى فى مصر.. لا يستطيع أن يفوت الفرصة دون أن ينال من (الإسلام) كله.. هكذا قال بالحرف: الفكر الإسلامى ليس بريئا مما فعلت داعش!
(الزاعم ثقافة) يطعن فى البخارى منذ أمد بعيد، وكلما حاول عالم مسكين أن يرده إلى صوابه بمناقشة علمية رصينة لعله يفهم ما استغلق عليه..يروغ يمينا وشمالا روغان الثعالب ويرغى ويزبد بعبارات (الإرهاب الفكرى) و (لا تقديس لأشخاص) إلى آخر القائمة المحفوظة.. ما مناسبة ذكر (البخارى) الآن؟
مناسبته أن (الزاعم ثقافة) يستدل بأثر واهٍ مكذوب كيف أن أبا بكر الصديق نفسه حرق رجلا حيا، يريد الخبيث أن يقول للمسلمين بدلا من إنكاركم على (داعش) أنكروا من باب أولى على الصديق صاحب النبى وخليفة المسلمين الأول.
أى منهج تتبع؟ تترك ما أجمعت الأمة على صحته وتريد أن تضرب به عرض الحائط وتأتى إلى ما أنكره علماء الأمة بقواعدهم المحكمة لتستدل به؟.. هل ثمة فارق بينك وبين (داعش )؟ كلاكما ينخر فى أعمدة البنيان بالإخلاص نفسه وإن اختلفت الكيفية كلاكما يتبنى نفس الثقافة.. ثقافة الحرق!