«السَّكُّوت» وببليوجرافيا الأدب العربى - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الجمعة 17 أكتوبر 2025 10:57 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

«السَّكُّوت» وببليوجرافيا الأدب العربى

نشر فى : السبت 11 أكتوبر 2025 - 6:50 م | آخر تحديث : السبت 11 أكتوبر 2025 - 6:50 م

(1)

بالصدفة، قرأت نعيًا على الصفحة الرسمية لقسم الحضارات العربية والإسلامية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، تنعى فيه الأستاذ الفخرى بقسم الحضارة بالجامعة الأمريكية الدكتور حمدى السَّكُّوت (1930-2025). قد لا يكون الاسم متداولًا بشكل كبير فى دوائر الشهرة الواسعة بين المثقفين والمعنيين بالأدب والدراسات الأدبية والنقدية، لكن كل دارس أصيل وباحث جاد ومثقف واسع الاطلاع فى هذه المجالات، لا بد أن يكون قد مرَّ على أثرٍ من آثار الراحل الكريم.

والدكتور السَّكُّوت (لمن لا يعرفه، ولم يسمع به من قبل) كان أستاذًا فخريّا مدى الحياة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وعمل بها أستاذًا للأدب العربى حتى سنّ المعاش، ومديرًا لمركز الدراسات العربية ووحدة بحوث الأدب العربى التابعة لها أيضًا.

قدَّم الدكتور السَّكُّوت خدماتٍ جليلة للدراسات الأدبية والنقدية وللمكتبة العربية، بأعماله الببليوجرافية و«البيوجرافية» الرائدة؛ بسلسلته التوثيقية السِّيرية عن أعلام الأدب المعاصر فى مصر: (طه حسين، أحمد أمين، العقاد، المازنى، نجيب محفوظ، وغيرهم، وذلك بالاشتراك مع المستعرب الراحل الدكتور مارسدن جونز، الأستاذ أيضًا بالجامعة الأمريكية). كما كان أيضًا صاحب أول ببليوجرافيا علمية شاملة للرواية العربية الحديثة، تغطى تاريخها كله، من منتصف القرن التاسع عشر وحتى أواخر القرن العشرين.

كان الدكتور السَّكُّوت من السبَّاقين (إن لم يكن الأسبق ربما!) إلى الاهتمام بهذا اللون من الدراسات الببليوجرافية (الفهرسة والتصنيف والإحصاء) والبيو- ببليوجرافية للأدب العربى الحديث، وهى النواة اللازمة والضرورية التى لا غنى عنها لإنشاء وتأسيس قاعدة بيانات سليمة ودقيقة وواسعة لكل مناحى النشاط الأدبى والفكرى والثقافى العربى الحديث.

(2)

عرفتُ الاسم للمرة الأولى وأنا طالب بالجامعة، أتردد على مكتبتها العتيقة بانتظام، وأقضى الساعات فى قاعاتها ذات الإضاءة الخافتة الكابية، أعانى الأمرّين فى البحث عن هذا الكتاب أو ذاك دون مساعدةٍ تُذكر من أى نوع (السنوات الأخيرة من تسعينيات القرن الماضى).

وكنت شديد الاهتمام بالبحث عن المداخل «التعريفية» و«السِّيرية» و«الببليوجرافية» بأعلام الأدب العربى والثقافة العربية فى القرن العشرين، أعمال مرجعية أصيلة ورصينة وموثوق فى مادتها وإحكامها المنهجى. ولا أذكر على وجه التحديد ما الذى دفعنى دفعًا للبحث عن تلك المجموعة القيّمة من المجلدات التى أخرجتها الجامعة الأمريكية منذ سبعينيات القرن الماضى للدكتور السَّكُّوت، ربما كان ذلك بمناسبة الاحتفال بمرور ربع قرن على رحيل طه حسين، وقد أعدّت كلية الآداب مؤتمرًا حاشدًا بهذه المناسبة استمرت أعماله على مدى ثلاثة أيام.

كانت هذه هى بداية تعرفى على عمل د. حمدى السَّكُّوت الببليوجرافى الضخم الذى يحكى عنه بنفسه قائلًا: «هذه السلسلة من الدراسات البيوجرافية النقدية الببليوجرافية، أصدرتها أنا وزميلى فى الجامعة الأمريكية، المستشرق البريطانى د. مارسدن جونز، عن أعلام الأدب العربى «المعاصر» فى مصر. وقد دفعنا إلى إنتاج هذه السلسلة ما كنا نشعر به فى داخل مصر من مسيس الحاجة إليها، واستجابةً لطلب ملحٍّ من شباب المستشرقين وشيوخهم فى أوروبا وأمريكا، بعد أن تزايد الاهتمام بالأدب العربى الحديث، لجودة ما تُرجم منه آنئذٍ لنجيب محفوظ وغيره».

وكانت خطة تقديم «الأعلام» للقارئ تتم من خلال دراسة «موضوعية» موجزة عن حياة الأديب وأعماله، يكتبها باحثٌ جادٌّ مهتمٌّ بهذا الأديب وبأعماله أولا، ثم تُشفع الدراسة بببليوجرافيا علمية منظمة تشمل - قدر المستطاع - كل ما كتبه هذا الأديب أو ذاك، وكل ما صدر عنه فى كتب أو مقالات أو حوارات.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن من اختيروا من النقاد والباحثين لكتابة مقدمات هذه الكتب عن سير الأعلام وأعمالهم، كانوا على صلة علمية معروفة بأعمال الأديب موضع الدراسة؛ فالأديب والكاتب المتميز حسين أحمد أمين، مثلًا، هو الذى كتب عن حياة والده «أحمد أمين» فى بيته بكل الموضوعية، والناقد الكبير الدكتور مصطفى ناصف هو الذى كتب عن «إبراهيم عبد القادر المازنى».. وهكذا.

(3)

صدر الكتاب الأول من هذا المشروع الطموح سنة 1974، وكان كتابًا ضخمًا وغير مسبوق عن «طه حسين»، وكتب مقدمته النقدية المؤلِّفان، حتى يكون نموذجًا لما يجب أن تكون عليه كتب السلسلة لاحقًا.

استُقبل الكتاب استقبالًا «فاق التوقعات»، بتعبير السَّكُّوت، واعتبره النقاد أهم كتاب صدر عن طه حسين فى ذلك الوقت. وكتب الناقد المعروف آنذاك «أحمد عباس صالح» فى مقاله الأسبوعى المسهب بعنوان: (مصرى وأمريكى (كذا!) يقدمان «أحسن» كتاب عن طه حسين)، ربما بسبب «الموضوعية» التى كانت مفتقدة فى الدراسات التى تناولت هذا الأديب الكبير من جهة، وبسبب «الببليوجرافيا العلمية» المفصّلة التى تضمنها الكتاب من جهة أخرى.

وتوالت كتب السلسلة التوثيقية المرجعية تباعًا بعد ذلك، فصدر منها خلال الفترة (1974-1995) أكثر من عشرة كتب، تناولت كلا من: العقاد، أحمد أمين، المازنى، عبد الرحمن شكرى، صلاح عبد الصبور، توفيق الحكيم، نجيب محفوظ، وآخرين. وقد انفرد الدكتور السَّكُّوت بتأليف كتاب «العقاد» فى هذه السلسلة، بسبب انشغال زميله الدكتور مارسدن جونز بأعمال أخرى، وقد حاز هذا الكتاب جائزة الملك فيصل العالمية عام 1995.