نشرت صحيفة الحياة اللندنية مقالا للكاتب العراقى «وليد خدورى» ــ متخصص فى شئون الطاقة ــ حول مؤشرات زيادة الطاقة الإنتاجية العراقية، فضلا عن التحديات التى تواجه قطاع النفط وبقية المرافق الاقتصادية العراقية.. جاء فيه:
يتضح أن أهداف العراق فى تصدير أربعة ملايين برميل يوميا وإنتاج خمسة ملايين برميل يوميا بحلول عام 2020، أصبحت أمرا ممكنا وواقعيا. على الرغم من الصعوبات والتحديات التى لا تزال تواجه قطاعى الإنتاج والتصدير، بحسب نشرة أبحاث الطاقة الشهرية للشركة العربية للاستثمارات البترولية (إبيكورب) فى عددها الأخير بأن الحكومة الفيديرالية الحديثة العهد تعمل على تحقيق واستدامة هذه الأهداف الإنتاجية والتصديرية بعد سنوات من الاضطرابات السياسية والقلاقل التى أدت إلى تأخير تطور الصناعة النفطية العراقية.
سجل الإنتاج العراقى 4.65 مليون برميل يوميا فى أكتوبر الماضى، بحسب نشرة «إبيكورب». وعلى الرغم من العراقيل والحصار الدولى خلال التسعينيات وما تلا ذلك من هزات داخلية مستمرة خلال العقدين الماضيين، استطاع العراق زيادة طاقته الإنتاجية من نحو مليونى برميل يوميا فى عام 2003، إلى أكثر من أربعة ملايين برميل يوميا فى الوقت الحاضر، ما يضعه فى المرتبة الإنتاجية الثانية بعد السعودية فى «أوبك»، وتدل هذه الزيادات الإنتاجية ــ على الرغم من الأوضاع الصعبة ــ على طاقات العراق النفطية الكامنة.
كما هو معروف؛ تكمن احتياطات العراق المهمة فى جنوب البلاد، وخصوصا فى محافظة البصرة، القريبة من موانئ التصدير. وبلغت طاقتها التصديرية 3.6 مليون برميل يوميا خلال عام 2018.
***
وكدليل على إمكانية زيادة الطاقة الإنتاجية العراقية خلال الفترة المقبلة، تشير نشرة «إبيكورب» إلى الإنتاج الراهن من الحقول الجنوبية التالية: الناصرية (تديره شركة ذى قار العراقية): 90 ألف برميل يوميا، والغراف (تديره شركة بتروناس البرازيلية) 87 ألف برميل يوميا، وحلفايا (تديره شركة النفط الوطنية الصينية) 250 ألف برميل يوميا، ومجموعة حقول ميسان: (تديرها شركة سنووك الصينية) 230 ألف برميل يوميا، والزبير: (تديره شركة اينى الإيطالية) 454 ألف برميل يوميا، والرميلة (تديره شركة بريتش بتروليوم) 1.475 مليون برميل يوميا، وغرب القرنة ــ1 (تديره شركة اكسون الأميركية) 455 ألف برميل يوميا.
وتدل المعلومات المتوافرة أن الطاقة الإنتاجية المستدامة لهذه الحقول الجنوبية تقدر بأكثر من ضعف مستوى إنتاجها الحالى. إضافة إلى الطاقات الإنتاجية الكامنة فى الحقول قيد التطوير، الأمر الذى يشير إلى الطاقات الإنتاجية الإضافية المتوافرة للعراق.
وهناك الإنتاج من الحقول الشمالية، وصادرات كل من الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان عبر ميناء جيهان فى تركيا، وهناك إمكانية لزيادات الصادرات فى حال التوصل، بعد الخلافات العديدة بين الطرفين، حول مسئولية الإنتاج من حقل كركوك. وهناك مسودة اتفاق بين وزير النفط السابق ورئيس الوزراء الحالى عادل عبدالمهدى وحكومة الإقليم لإنتاج وتصدير الأخيرة 100 ألف برميل يوميا من كركوك ومناطق أخرى متنازع عليها. وهناك محادثات لزيادة الطاقة التصديرية لخط أنبوب الإقليم من 700 ألف برميل يوميا إلى مليون برميل. وتم الاتفاق بين شركة نفط الشمال وشركة «بريتش بتروليوم» لتطوير الطاقة الإنتاجية لحقل كركوك من 750 ألف برميل يوميا، هذه الطاقة التى انخفضت خلال السنوات الأخيرة إلى النصف تقريبا، واعادتها إلى 750 ألف برميل ثانية، بل زيادتها إلى مليون برميل يوميا.
***
يجمع المراقبون لصناعة النفط العراقية، أن التحدى الرئيس للبلاد هو ليس زيادة معدل الإنتاج النفطى فقط، بقدر ما هو مواجهة تحديات عدة فى قطاع النفط وبقية المرافق الاقتصادية العراقية (الموازنة العامة، والتعيينات الحكومية). ومن التحديات المهمة تحسين أداء دوائر الدولة وموظفيها حيث أن الأداء لايزال متخلفا ومعرقلا. وتفشى الفساد الذى أصبح الهم الأكبر عند الرأى العام المحلى، والذى تكلم عنه بعض السياسيين أنفسهم عبر وسائل الإعلام المحلية. والأمر البارز فى الفساد المستشرى فى العراق هو ليس فقط شيوعه فى معظم أجهزة الدولة، وبالذات القطاع النفطى، بل حجم المبالغ التى تتم سرقتها من خلال مناقصات القطاع العام، أو تهريب النفط الخام. وبما أن قطاع النفط الخام هو أكبر وأهم قطاع اقتصادى فى البلاد، فقد شاع الفساد فيه أكثر من غيره، وبالذات من قبل الأطراف السياسية المتنفذة. من الصعب عودة البلاد إلى الحداثة واكتساب احترام الرأى العام المحلى أو الدول الأجنبية والمؤسسات المالية العالمية، من دون حملة قوية لمكافحة الفساد من خلال محاكمة المسئولين عنه واستعادة بلايين الدولارات المنهوبة.
وينصب اهتمام المراقبين ثانيا على ضرورة تنفيذ خطط البنى التحتية لقطاع النفط من خطوط أنابيب ومحطات ضخ وخزانات فى الحقول الجنوبية ومرافئ التصدير لتحقيق الزيادة المبتغاة فى الطاقة الإنتاجية والتصديرية. الأمر الذى يعنى أن مسألة استمرار زيادة التصدير هى قضية وقت إلى حين استكمال تشييد البنى التحتية اللازمة.
كما تبقى هناك ثالثا مسائل نفطية عالقة ذات أبعاد سياسية داخلية مهمة. الأولى تتعلق بأهمية توجيه مخصصات أكبر للمحافظات عموما، فلم تخصص الأموال اللازمة لها، وصاحب ذلك سوء إدارة محلية وفدرالية ما فاقم الأمور، وما المظاهرات المستمرة فى البصرة منذ أوائل الصيف الماضى إلا دليل على فقدان الثقة بين أهالى المحافظات. إن استمرار مظاهرات البصرة لفترة أطول سيشكل تدريجيا خطرا على الصناعة النفطية، فى حال استمرار إهمال مطالب المحافظات.
والمسألة الرابعة العالقة من دون نتائج ترضى الأطراف المختلفة هى الخلافات السياسية مع إقليم كردستان (علاقة مصير الأكراد بالدولة العراقية) والاقتصادية (نفطية ومالية). أن ترك هذا التحدى مفتوحا من دون حلول خلق شرخا كبيرا فى الدولة العراقية، وأدى إلى تشكيل نظام نفطى منفصل تقريبا عن نظام ومؤسسات الدولة النفطية.
خامسا، نشبت خلافات جديدة حول نظم وطريقة تأسيس شركة النفط الوطنية العراقية. الأمر الذى قد يؤدى إلى بروز خلافات عدة وعراقيل متعددة أمام هوية صناعة النفط العراقية فى المستقبل القريب والبعيد، إذ لا تزال هذه الخلافات حول الشركة الوطنية أمام القضاء.
أخيرا، يبقى هناك التحدى الأهم، وهو إعادة استقلال العراق من الاحتلالات الأجنبية والتدخل الإقليمى فى شؤونه الداخلية، التى أفقدت قدرته على تبنى سياسات تعكس مصالحه الأمنية والاقتصادية، وعلى تعيين الوزراء وتشكيل الحكومات من دون تدخل سافر من الأطراف الأجنبية.
الحياة ــ لندن