ظمأ في سراب الإبداع الموسيقي - صحافة عربية - بوابة الشروق
الإثنين 11 أغسطس 2025 7:02 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

ظمأ في سراب الإبداع الموسيقي

نشر فى : الأحد 10 أغسطس 2025 - 8:20 م | آخر تحديث : الأحد 10 أغسطس 2025 - 8:20 م

 نشرت جريدة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب عبداللطيف الزبيدى، ينتقد فيه التدهور الحاد فى مستوى الموسيقى العربية المعاصرة، حيث يرى الكاتب أن الإبداع الموسيقى اليوم يفتقر إلى العمق والجودة، ويرجع ذلك إلى غياب الأسس النظرية والتطبيقية، واعتماد الموسيقى على المظاهر السطحية وعلاقات التسويق، وإهمال تطوير الأجناس الموسيقية الآلية، مما أدى إلى حالة من الضحالة الفنية مقارنة بالأسس القوية التى أرسى دعائمها عمالقة الإبداع الموسيقى فى الماضى.. نعرض من المقال ما يلى:

ألا ترى أن العنوان يتجنّى على الإبداع الموسيقى، الذى يجتاح الذوق العربى كالجراد المنتشر؟ الجراد ظريف، يذكّرك بجبنة الغرويير الفرنسية: «كلّما كثرت الجبنة، ازدادت الثقوب، وكلما ازدادت الثقوب، نقصت الجبنة». الجراد أيضا، كلّما ازداد اتسعت الأرض الجرداء، وكلما كثر التجريد نقصت النباتات. أنت حرّ، إذا انصرف ذهنك إلى الدعابة القياسية: كلّما كثر الفنانون نقص الفن، وكلما ادّعوا التألق، ازداد الفن أفولاً.

لكنّ الأوساط الفنية، صارت صعبة المراس. بالأمس، كانت الساحة تحكمها منظومة قيم ومبادئ، وكان الكبار مِحكًّا وحَكَمًا، اليوم، «فعاند من تطيق له عنادا»، فأنت تواجه العلاقات العامّة وترسانة الدعاية والتسويق. أضحى الفنان فى غنى عن التربية الموسيقيّة النظرية والتطبيقيّة. ولّى عهد الثلاثيّات الماسيّة: شوقى، السنباطى، أمّ كلثوم. موسيقانا أمست سيقانًا.

المأساة، هى أن الكبار فى العقود الستة الأولى من القرن العشرين، وقعوا فى خطأ كبير: عملوا لأنفسهم، لم يفكروا فى الموسيقى العربية كحاضر ومستقبل، وأجناس تحتاج إلى تطوير نظرى وتطبيقى. بذلوا جهودًا رائعةً لنموّهم الشخصى، لم يفكّروا فى عاهات الموسيقى وغياب الأجناس. ظلت الآلات خدمًا للأوركسترا، والأوركسترا خادمةً للمطربين. الموسيقى مجرّد أداة تعبير سطحى عن الكلمات، التى لم يعد أغلبها شعرًا، صار ضآلةً وضحالةً. لقد انحدروا بالحبّ والعاطفة إلى قرار لا قرار له، ولا جواب لديهم. إذا قضوا بأن تكون المرأة هى الموضوع الوحيد للأغنية، فإنها تستحق شيئًا أفضل من باقات أشواك يابسة، ففى خزانتها قطاف خمسة عشر قرنًا من الغزل العربى.

الحلول كثيرة. الموسيقى الأندلسية، كانت عروضًا موسيقيًة متكاملة. كل العرض فى مقام، به فقرات، إيقاعاتها من البطىء إلى السريع. التطوير يسير، فى الأوركسترا والكورال. من الهزال الفكرى أن يتوهّم مستسهلو الإبداع أن سبيل التألق هو التشبّث بتنّورة الموضات الغربيّة. لقد رأينا السرابات الحضارية التى تمغنط عقول فئات من شبيبة العرب، بَنيْنا عليها أحلام نهضة الأمّة، فإذا هى عاقدة العزم على اقتحام المستقبل ببناطيل جينز ممزقة.

تبقى الأجناس. المأساة هى أن الآلات خرساء، غير قادرة على التعبير عن نفسها. لا توجد أعمال للكمان، للبيانو، للتشيللو، للناى، للعود... هذه مشكلة حرّيّة تعبير عربية. الآلات أيضًا لا تستطيع التعبير عن مكنون أخشابها ومعادنها. لكى يدرك المشتغلون بالموسيقى هول الفاجعة، عليهم أن يتخيّلوا استيقاظ العرب على اختفاء الأغانى جميعًا. ماذا يتبقّى من الموسيقى العربية؟ تلك هى الكارثة الكاريكاتوريّة. الغرب لديه خمسمئة عام من الموسيقى السيمفونيّة. شتّان.

لزوم ما يلزم: النتيجة اللغوية: يجب الخروج من سراب البدع الموسيقية، إلى سرب الإبداع الموسيقى.

التعليقات