هذه الأقدام تقول الكثير من الأشياء - حسن المستكاوي - بوابة الشروق
الأربعاء 8 يناير 2025 9:25 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هذه الأقدام تقول الكثير من الأشياء

نشر فى : الثلاثاء 7 يناير 2025 - 6:40 م | آخر تحديث : الثلاثاء 7 يناير 2025 - 8:32 م

** تشجع فريقك طوال حياتك، تسير معه، وتنفعل معه، وتهتف له، وتهتف ضده، لكنك لن تستغنى عنه، لن تتركه. ستظل محبًا له. فمن ظواهر كرة القدم الاجتماعية أن المشجع ينتمى إلى فريق ويبقى مصاحبًا له طوال الحياة. هو قد يغير كل شىء، قد يبدل عمله ومسكنه وسيارته ومظهره، ونوعية ملابسه، لكنه لن يبدل فريقه أبدًا.. وانظر كيف يظل المشجع منتميًا لفريق حتى لو لم يحقق بطولة واحدة، مع أنه يمضى عمره خلف الفريق من أجل الفوز. الفوز فى مباراة، والفوز ببطولة. ومع ذلك على الرغم من غياب الانتصارات والألقاب، فإن المشجع لهذا الفريق يستمتع بكل لحظه يعيشها خلف فريقه فى المدرجات، يستمتع بالانفعال، وبالهتاف، وبالبحث عن الانتصار الذى لا يأتى.. إنه اختصارًا يستمتع بالألم.. هل يوجد فى الحياة شيئًا مثل هذا؟ مثل تلك الظاهرة فى علاقة مشجع بفريقه؟!
** كيف يمكن أن يفسر علماء الاجتماع تلك الظاهرة فى عالم كرة القدم؟ كيف يفسرون حالة مشجع لا ييأس من تشجيع فريقه، وهو فى الأصل بدأ يرتبط به منذ الصغر أو فى مرحلة من العمر، وهو ينتظر مكافأة على هذا الانتماء والتشجيع بالفوز بكل مباراة، وببطولة ما، وهو يتألم حين يخسر، وحين تبدو البطولة شبحًا بعيدًا. ويظل بلا يأس وراء الفريق. وهذه هى مباريات كرة ومباريات فريقك. تجلس تتابعها وأنفاسك مكبوتة ومكتومة، تجلس تتابعها وأنت تشك فى النتيجة، وحين يخيب ظنك فأنك تشكو من فريقك، لكنك لا تدير له ظهرك، ولا تتركه أبدًا، ولا تلفظه للأبد. وتظل تلهث خلفه، ويوم ينتصر فإنك تشعر بعودتك إليه وبعودته إليك، وتشعر بالسعادة؟
** فى هذا الأمر شئ غريب.. عندما يخسر الفريق مباراة، فإنك تنتظر المباراة التالية مباشرة أملًا فى تذوق حلاوة الانتصار. وهذا فى حد ذاته متعة. إنه الأمل الجميل فى انتظار الانتصار الجميل. لكن ما المتعة فى تلك العلاقة بين المشجع وبين فريقه؟
** المتعة فى الانفعال وفى الهتاف، وفى السفر خلف الفريق فى رحلات مرهقة وطويلة بالقطارات وبالسيارات وبالأتوبيسات، لكنها بصحبة مجموعات تعيش الحالة نفسها. إنهم القبيلة التى تنتمى إليها. ومن أجل الفريق يتحمل الجميع المشقة. وهم يسافرون ويتندرون ويتوعدون ويوعدون، ويجادلون، ويستمتعون.
** ماذا عن علاقة المشجع بالفريق المنتصر كثيرًا، والبطل غالبًا، هل يشعر بالملل من تلك الانتصارات.. هل يهدأ أم أنه يبحث بنهم عن المزيد، كأن الفوز يفتح شهيته لانتصار آخر؟ لماذا لا يشبع هذا المشجع من الانتصارات ومن البطولات؟ إذا كان اللاعب والفريق لا يتوقف عن اللعب سوى فى حالة الاعتزال، فإن المشجع الفائز أو المهزوم والمأزوم لا يتوقف أبدًا عن تشجيع فريقه مللًا من حلاوة الانتصار أو يأسًا من مرارة غياب الانتصار. فلا شىء يساوى حرارة الأمل والتحدى وعدم اليأس، وانتظار يوم الانتصار، والمنافسة، والزهو.
** لن يستمع المشجع إلى نصائح ساذجة، من نوع: «لا تكن صوتًا أو بوقًا لناديك». ولن يصدق المشجع أن المباراة كانت جيدة، وهو يراها سيئة، ولن يتوقف ملايين المشجعين عن مشاهدة مباريات كرة القدم، بسبب مباراة سيئة أو لاعب سيئ أو حكم سيئ.. فهم لا يرون أبدًا أن كرة القدم لعبة سيئة، وهى ليست كذلك بالفعل. فكل ما سبق يؤكد أنها لعبة رياضية واجتماعية وسياسية أيضًا.. فهذه الأقدام تقول الكثير من الأشياء!

حسن المستكاوي كاتب صحفي بارز وناقد رياضي لامع يعد قلمه وكتاباته علامة حقيقية من علامات النقد الرياضي على الصعيد العربي بصفة عامة والمصري بصفة خاصة ، واشتهر بكتاباته القيمة والرشيقة في مقالته اليومية بالأهرام على مدى سنوات طويلة تحت عنوان ولنا ملاحظة ، كما أنه محلل متميز للمباريات الرياضية والأحداث البارزة في عالم الرياضة ، وله أيضا كتابات أخرى خارج إطار الرياضة ، وهو أيضا مقدم برنامج صالون المستكاوي في قناة مودرن سبورت ، وهو أيضا نجل شيخ النقاد الرياضيين ، الراحل نجيب المستكاوي.