‫هل فك الارتباط بين إدارة ترامب واليمين الإسرائيلي المتطرف ممكن؟ - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 8 فبراير 2025 1:20 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

‫هل فك الارتباط بين إدارة ترامب واليمين الإسرائيلي المتطرف ممكن؟

نشر فى : الجمعة 7 فبراير 2025 - 7:25 م | آخر تحديث : الجمعة 7 فبراير 2025 - 7:25 م

 أمام إدارة الرئيس دونالد ترامب فى الشرق الأوسط اختيار من اثنين، فإما التحالف مع اليمين الإسرائيلى المتطرف وخسارة الحلفاء العرب للولايات المتحدة أو الابتعاد عن خطط ضم الضفة الغربية وتهجير سكان غزة وإحياء عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

مهما كرر ترامب ومعه رسميون آخرون فى إدارته الحديث العلنى عن مبرراتهم لتمرير ضم إسرائيل للضفة الغربية- صغر مساحة إسرائيل ومتطلبات أمنها- وللضغط لتهجير أهل غزة إلى مصر والأردن- الدمار الشامل فى القطاع بعد الحرب والفترة الطويلة اللازمة لإعادة الإعمار، فإن الرفض الفلسطينى والعربى القاطع لأفكار ترامب لن يتغير.

بل إن تصريحات ساكن البيت الأبيض الأخيرة فى مؤتمره الصحفى مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو عن الربط بين تهجير سكان غزة وبين سيطرة الولايات المتحدة المباشرة على القطاع بعد إخلائه وتطويره اقتصاديا ليصبح «ريفيرا الشرق الأوسط» ويصير مفتوحا «لشعوب العالم» للحياة فيه، لن ترتب سوى المزيد من الرفض الفلسطينى والعربى.

• • •

يرفض الفلسطينيون لأن الضم والتهجير لن يعنيا سوى القضاء على حلم تقرير المصير والدولة المستقلة الذى لم يتخلوا عنه منذ ١٩٤٨ ولأنهم يعرفون جيدا أن ترك أراضيهم وبيوتهم حتى وإن قيل لهم إنه مؤقت لن يرتب سوى غياب نهائى وسقوط لحق العودة ومخيمات لاجئين أبدية. ولنراجع معا على خريطة الشرق الأوسط مواقع مخيمات اللجوء الفلسطينية ونتذكر تواريخ بدايتها ووجودها المستمر إلى يومنا هذا. يرفض الفلسطينيون خطط الضم والتهجير لأن اليمين الإسرائيلى المتطرف يضعها ويفرضها بقوة السلاح فى الضفة الغربية وغزة ويتفاوض بشأن تفاصيلها العالقة مع ترامب وإدارته، وكأن الشعب الفلسطينى لا يعدو أن يكون كما مهملا لا صوت له أو خرافا غير قادرة على حماية نفسها.

يرفض المصريون والأردنيون لأن ضم الضفة الغربية وتهجير أهل غزة يتساويان عملا مع تصفية القضية الفلسطينية التى لا تملك لا القاهرة ولا عمان التخلى عنها والقضاء على دبلوماسية الأرض مقابل السلام التى أنهت وفقا لها القاهرة فى سبعينيات القرن العشرين وعمان فى تسعينياته حالة الحرب بينهما وبين تل أبيب وتحولتا فى سياقها إلى شريكين شرق أوسطيين لواشنطن لإحلال السلام بين إسرائيل والفلسطينيين وبناء الأمن لجميع الأطراف فى شرق أوسط طالت حروبه وأزماته. يرفض المصريون والأردنيون أيضا، وهو ما قد لا يفهمه البعض فى إدارة ترامب الجديدة، لأن مقتضيات السيادة الوطنية والسلم المجتمعى فى البلدين تتعارضان مع استقبال المزيد من اللاجئين إن القادمين من غزة فى حالة مصر أو من غزة والضفة الغربية فى حالة الأردن.

ترفض السعودية، وهى التى رغبت إدارة ترامب الأولى فى ضمها إلى الاتفاقات الإبراهيمية وسعت إدارة جو بايدن إلى دفعها إلى التطبيع مع إسرائيل، لأن الضم والتهجير سيأتيان بنهاية مبادرة السلام العربية (٢٠٠٢) التى رعتها استنادا إلى الربط بين حل القضية الفلسطينية بإقامة الدولة المستقلة على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ فى الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية وبين التطبيع مع إسرائيل والانفتاح على علاقات شاملة معها ما أن يحدث ذلك. وبرمزيتها الدينية بين العرب والمسلمين وبمواقفها المعلنة سلفا فيما خص دعم الحقوق الوطنية للفلسطينيين، لن تستطيع السعودية السير فى مسار التطبيع بينما اليمين الإسرائيلى المتطرف يلتهم الضفة الغربية وينفذ خطته فى إخلاء غزة من السكان. لن تستطيع القيادة السعودية الشابة فعل ذلك، مهما ربطت إدارة ترامب فى واشنطن بين التطبيع وبين حصول الرياض على ضمانات أمنية وتكنولوجيا نووية سلمية تريدها بشدة. وباستدامة الرفض السعودى، ستخفق حتما المساعى الأمريكية والإسرائيلية الرامية لإقناع دول خليجية أخرى كالإمارات العربية المتحدة وقطر بالموافقة على خطط الضم والتهجير أو حتى مجرد الصمت عليها.

• • •

‫لكل ذلك، لم يكن مفاجئا أن يعقد وزراء خارجية مصر والأردن والسعودية والإمارات وقطر، ومعهم ممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية وممثل لجامعة الدول العربية، قبل أيام قليلة (فى ١ فبراير ٢٠٢٥) اجتماعا فى القاهرة للتشديد على موقفهم الرافض للضم والتهجير والداعم لحقوق الفلسطينيين ولحتمية الإسراع فى جهود إعادة الإعمار فى غزة. وكان بيان «الخماسى العربى» الذى صدر بعد اجتماع القاهرة، وبعد الرفض القاطع من قبل مصر والأردن، عنوان رفض جماعى عربى لجرائم الضم والتهجير ولتصفية القضية الفلسطينية.

يمكن لدونالد ترامب ولمسئولى إدارته مواصلة الحديث عن انفتاحهم على ضم إسرائيل «لأجزاء من الضفة الغربية» وعن ضرورة تهجير أهل غزة. غير أنهم بذلك سيضعون الولايات المتحدة فى مواقع تهدد صداقاتها وتحالفاتها مع العرب.

• • •

‫قد يظن البعض أن واشنطن تملك بمفردها كل أوراق القوة فى علاقاتها مع القاهرة وعمان بسبب الدعم العسكرى والاقتصادى الذى تقدمه لهما، إلا أن الحقيقة هى أن العاصمتين الجارتين لإسرائيل وفلسطين تقدمان للقوة العظمى تسهيلات  ضرورية لحماية مصالحها فى الشرق الأوسط ويحملان عبء الدفاع عن مسارات التسوية السلمية لحروب وأزمات منطقتنا الملتهبة. هى، إذا، ليست علاقة أحادية الاتجاه وستخطئ إدارة ترامب إن تجاهلت أهمية الإسهام المصرى والأردنى فى دبلوماسية وأمن الشرق الأوسط. وستخطئ أيضا إن ظنت أنها تستطيع أن تضغط على الرئيس عبد الفتاح السيسى والملك عبد الله الثانى لاستقبال أهل غزة النازحين من خلال التلويح بجزرة الدعم العسكرى والاقتصادى، فتضامن الدولتين والشعبين مع فلسطين واستعدادهما للدفاع عن السيادة الوطنية والمواقف المعلنة للقيادات لن تسمح أبدا للضغط الأمريكى أن يؤتى ثماره السامة.

كذلك لن ينتج الضغط الأمريكى المحتمل على السعودية ودول الخليج الأخرى لتمرير خطط الضم والتهجير فى الضفة الغربية وغزة سوى ابتعاد متوقع للخليج عن سياسات إدارة ترامب فى الشرق الأوسط ونفور من التطبيع مع إسرائيل والمزيد من التنسيق مع مصر والأردن وبقية الدول العربية لمواجهة كارثة تماهى الولايات المتحدة مع جنون اليمين الإسرائيلى المتطرف. وفى المحصلة النهائية، سيوفر حائط الرفض الخليجى والتنسيق العربى سياقا إقليميا مساعدا للفلسطينيين ولمصر والأردن على الثبات فى مواجهة خطط ساكن البيت الأبيض. ليست اللاءات العربية باتجاه إدارة ترامب بمحتملة التغير القريب أو بعرضة لمساومات المصالح الجزئية والضيقة.

إقليميا، لن يأتى تأييد إدارة ترامب الجديدة لخطط الضم والتهجير فى فلسطين سوى بنتائج عكسية مقارنة بالأهداف المعلنة. فلا أوضاع الضفة الغربية وغزة ستستقر ولا سبل الحياة الكريمة ستتوفر للفلسطينيين، ولن يتحقق لإسرائيل لا الأمن ولا التطبيع مع مجمل الدول العربية، وستهتز علاقات الولايات المتحدة مع أصدقائها بين العرب وستجبرها أوضاع الشرق الأوسط على المزيد من توظيف قدراتها العسكرية والأمنية لحماية مصالحها وسط أجواء عدائية. الأفضل لواشنطن هو فك الارتباط مع اليمين الإسرائيلى المتطرف وجنون رغبته المدمرة فى الاستيطان والفصل العنصرى ومن ثم فى الضم والتهجير. الأفضل للمصالح الأمريكية هو التنسيق مع الدول العربية ومع الأوروبيين للحد من العنف فى الضفة الغربية وللإسراع فى جهود إعادة الإعمار فى غزة والتى يمكن أن تتدرج مناطقيا وزمنيا. الأفضل لترامب إذا كان يريد بالفعل الحصول على جائزة نوبل للسلام بحل القضية الفلسطينية وتحقيق الأمن فى الشرق الأوسط أن يجدد دماء مسارات التفاوض بين إسرائيل والفلسطينيين بمشاركة من الدول العربية التى تريد هى الأخرى نهاية للحروب والأزمات التى تستنزف الجميع.

 

عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية ومدير برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي
التعليقات