خطوط التماس والتضاد.. الاشتباك الإيجابي مع القوى العظمى لمواجهة تنامي العدوانية الإسرائيلية - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 16 أغسطس 2025 7:50 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

خطوط التماس والتضاد.. الاشتباك الإيجابي مع القوى العظمى لمواجهة تنامي العدوانية الإسرائيلية

نشر فى : الجمعة 15 أغسطس 2025 - 8:30 م | آخر تحديث : الجمعة 15 أغسطس 2025 - 8:30 م

 للتنافس الثلاثى بين الولايات المتحدة والصين وروسيا فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وللكيفية التى تتعامل بها القوى الإقليمية القائدة فى العالم العربى مع التغيرات الجيو-استراتيجية والجيو-سياسية التى يحدثها هذا التنافس، لهما تداعيات كثيرة على أمور الأمن والسلام والحلول التفاوضية للصراعات واستقرار الدول وفرص التنمية المستدامة. دون فهم عميق لتنافس القوى العظمى ولمساحات التوافق والتناقض بين أهدافها وممارساتها ولأدوار القوى العربية فى التعاطى معها سيكون من المستحيل حفظ الاستقرار الهش واحتواء الحروب والصراعات والنزاعات الكثيرة التى تواصل تهديد أمن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

تتحدد بوصلة مصالح وسياسات الولايات المتحدة الأمريكية فى المنطقة وفقًا لتشابكات قضايا أمن الطاقة والاستقرار الإقليمى ومكافحة الإرهاب وأمن إسرائيل. عسكريًا، تحتفظ واشنطن ومنذ سنوات عديدة بقوات تتراوح أعدادها بين ٤٥ و٦٠ ألفًا وتتوزع على قواعد عسكرية فى منطقة الخليج فضلًا عن قوات عاملة فى سوريا والعراق. تتمثل الأهداف الاستراتيجية للقوات الأمريكية العاملة فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فى حماية خطوط الملاحة الدولية لضمان إمدادات الطاقة الضرورية للاقتصاد والتجارة العالميين، ومكافحة الإرهاب ومنع عودة عصابات داعش وأتباعها إلى فراغات الدولة والقوة الجبرية الحاضرة فى سوريا والعراق وليبيا ومواقع أخرى، واحتواء تنامى النفوذ الإقليمى لإيران ولوكلائها فى العراق ولبنان واليمن ومواجهة التهديدات التى يمثلونها للاستقرار والأمن فى عموم المنطقة، وضمان أمن إسرائيل وتطبيع العلاقات بينها وبين جوارها فى المنطقة العربية.

بعد فترة من غياب الوضوح الاستراتيجى عن السياسات الأمريكية فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وعجز إدارة الرئيس السابق جو بايدن عن اتخاذ مواقف واضحة من الحروب والصراعات المتفجرة فى المنطقة، عادت أهداف واشنطن مع إدارة الرئيس دونالد ترامب لترتكز إلى ضمان إمدادات الطاقة ومكافحة الإرهاب واحتواء إيران وضمان أمن إسرائيل واستعادة قدر من الاستقرار الإقليمى.

ولأن هذه هى الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، فإن مساحات التوافق والتلاقى بينها وبين الصين واسعة وواضحة. فبينما لا تتضرر روسيا وهى منتج ومصدر عالمى كبير للطاقة كثيرًا من غياب الاستقرار عن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نظرًا لارتباطه الطردى بارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعى، وبينما تتحالف موسكو استراتيجيا مع طهران، وهى عاصمة معادية للمصالح الأمريكية وتتورط فى أوروبا وخارجها فى صراعات صفرية مع واشنطن؛ فإن مصالح الصين تلزمها بالعمل على تدعيم الاستقرار فى منطقتنا ضمانًا لإمدادات الطاقة والتجارة وخطوط الملاحة الدولية.

وعلى الرغم من أن الإدارات المتعاقبة فى واشنطن وجهت انتقادات عديدة لبكين لكونها لا تسهم لا عسكريا ولا أمنيا وتحرص فقط على الإفادة من القدرات والإمكانات الأمريكية، فإن التفضيل الاستراتيجى للاستقرار يقارب بين القوتين العظميين ويفتح العديد من أبواب التعاون بينهما. فى ذات الوقت، لا يلغى تفضيل الاستقرار واقع التنافس المتصاعد بين الصين التى تبحث لنفسها عن قواعد عسكرية فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وبنت واحدة فى جيبوتى، وبين الولايات المتحدة التى تتخوف على هيمنتها الأمنية التى تضمنها قواعدها وقواتها مثلما لا يلغى واقع القلق الأمريكى من المزاحمة الصينية فى المنطقة بعد أن صار العملاق الأصفر الشريك التجارى الأهم للأغلبية الساحقة من بلدانها وتضاعفت صادراته من التكنولوجيا والسلاح واستثماراته فى البنى التحتية والموانئ والطاقة المتجددة.

* • •

تتحدد الأهداف الاستراتيجية للصين فى منطقتنا وفقًا لمصالحها الاقتصادية والتجارية ومعدلات نموها السريعة (بين ٢٠٠٠ و٢٠٢٠، تضاعف حجم الاقتصاد الصينى أكثر من ٥ مرات) ووفقًا لاحتياجاتها المتزايدة من الطاقة. بين ١٩٩٠ و٢٠٠٩، تضاعفت واردات بكين من بترول وغاز طبيعى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أكثر من ١٠ مرات. فى ٢٠٢٠، أظهرت البيانات الحكومية والعالمية أن الصين تستورد ثلث احتياجاتها من الطاقة من بلدان مجلس التعاون الخليجى بنسب تتراوح بين ١٥ بالمائة من السعودية و٧ بالمائة من عمان و٦ بالمائة من الإمارات العربية المتحدة و٥ بالمائة من الكويت. وفضلًا عن مسألة الطاقة، صارت الصين بحلول ٢٠٢٠ الشريك التجارى الأول لمجلس التعاون الخليجى ولبلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا باستثناء تونس والمغرب مثلما أصبحت بفضل مبادرة «الحزام والطريق» المستثمر الحكومى الأول فى عموم المنطقة. كذلك أنجزت الشركات الصينية المملوكة للدولة العديد من المبادرات الصناعية ومشروعات البنى التحتية والمرافق الأساسية والنقل الكبرى، كما هو الحال فى بناء شركة الصين للسكك الحديدية لشبكة المترو فى مكة المكرمة، وفى قيام شركة الصين للشحن ببناء الملحق الجديد لميناء خليفة فى الإمارات، وفى استثمارات الشركات الصينية فى ميناء الدقم فى عمان، وفى العاصمة الإدارية الجديدة ومشروعات النقل الحديثة فى مصر. تشارك الصين، إذا، فى عديد المبادرات والمشروعات الكبرى فى عموم المنطقة وتتحرك استثمارات شركاتها المملوكة للدولة وفقًا لخريطة إقليمية تعطى أولوية لخطوط التجارة والملاحة الرئيسية فى الخليج وخليج عمان ومضيق باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس.

ليست الأهداف الاستراتيجية للصين فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا باستثناء على مجمل توجهاتها فى السياسة الخارجية. توظف بكين سياستها الخارجية لخدمة أهدافها الداخلية المتمثلة فى النمو الاقتصادى والاستقرار الاجتماعى والسياسى والتقدم العلمى والتكنولوجى وحماية الأمن القومى. تأسيسا على ذلك، تعطى السياسة الخارجية الصينية أهمية كبرى لتوظيف مواردها ومصادر قوتها الصلبة والناعمة فى جوارها المباشر، حيث تايوان والدول الآسيوية القريبة منها وحيث العلاقات التاريخية المعقدة مع اليابان وكوريا وفيتنام وحيث التنافس مع الولايات المتحدة. كذلك، تهتم الصين بمنطقة الخليج بشقيه العربى والإيرانى، وتحتاج إلى الاطمئنان لحضور ترتيبات أمنية تحول دون تهديد شبكات النفط والغاز الطبيعى ودون تهديد خطوط التجارة والملاحة الدولية.

 • •

أما روسيا، وبعيدًا عن التغلغل الصينى الشامل والممتد فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من الاقتصاد والتجارة إلى التكنولوجيا والدبلوماسية، فقد نجحت فى استغلال النتائج الكارثية لتقلبات السياسة الأمريكية خلال السنوات الماضية من تدخلات عسكرية عبر عنها غزو أفغانستان ثم غزو العراق ورغبة فى الهيمنة المنفردة على الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى التردد الاستراتيجى والتراجع عن التعهدات الأمنية المقدمة للحلفاء الإقليميين والانسحاب العسكرى من أفغانستان وتحجيم الدور الأمريكى فى العراق، استغلت روسيا كل ذلك لكى تعيد صياغة أدوارها فى المنطقة فيما وراء موضع نفوذها التقليدى فى إيران وكذلك فى سوريا حتى سقوط نظام بشار الأسد.

قدمت موسكو نفسها للشرق الأوسط كقوة استقرار تبحث عن التعاون العسكرى والأمنى والاقتصادى والتجارى مع جميع حكومات المنطقة دون أن تخير الشرق أوسطيين بينها وبين تحالفاتهم القائمة مع الولايات المتحدة الأمريكية. تركت موسكو واشنطن تضع القيود على صادرات السلاح للمنطقة، وعرضت هى سلاحها دون شروط. وظف صناع القرار فى الرئاسة الروسية وفى الأجهزة الدبلوماسية حالة الغموض التى صنعتها تقلبات السياسة الأمريكية فيما خص أمن المنطقة، وحاولوا هم تصدير صورة جديدة لروسيا كقوة عظمى قادرة على التدخل العسكرى والأمنى المباشر للدفاع عن حلفائها وتستطيع أيضًا التأثير على تطورات ونتائج الصراعات الدائرة فى المنطقة ولا تعارض الحلول الدبلوماسية لإنهائها.

غير أن الضربات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران وسقوط نظام الأسد فى سوريا وما رافق الأمرين من عجز روسى عن الفعل أضعف كثيرًا من مصداقية موسكو لدى العواصم الشرق أوسطية والشمال إفريقية.

كذلك عملت روسيا على مد شبكات تصدير السلاح والتعاون الأمنى والاقتصادى والتجارى بحيث لم يمنع قربها من إيران من صياغة علاقة استراتيجية مع إسرائيل. ولم يمنعها القرب من إسرائيل من الحفاظ على روابطها القوية مع إيران على الرغم من العداء المستمر والمتصاعد بين تل أبيب وطهران. ولم تمنع علاقات التعاون والتنسيق مع إسرائيل وإيران موسكو من أن تصدر السلاح إلى السعودية والإمارات ومصر وتركيا وأن ترفع معدلات التعاون معها ومع الجزائر فى شمال إفريقيا. بل نجح صناع القرار الروس فى تطوير تحالفات مصلحة مع حكومات المنطقة فيما خص أسعار الطاقة العالمية التى تريد موسكو والعواصم الخليجية الحفاظ على ارتفاعها الراهن دعمًا لموازناتها العامة، ومزجوا بين ذلك وبين الاتفاق مع مصر والجزائر على بناء مفاعلات نووية بتمويل وتكنولوجيا من روسيا.

تلك هى خطوط التماس والتضاد بين مصالح وسياسات القوى العظمى الثلاثة فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وواجب فهمها والبحث عن مساحات للانخراط البناء معها لحماية المصالح الوطنية هو مسئولية حكومات منطقتنا، خاصة وهى تواجه تنامى العدوانية الإسرائيلية وجنون اليمين المتطرف الحاكم فى تل أبيب.

 

 

عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية ومدير برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي
التعليقات