يعيش فى دولة إسرائيل أبناء الشعبين اليهودى والعربى. وجميعهم مواطنون فى الدولة ومعاملتهم يجب أن تكون متساوية. غير أن هذه الحقيقة الأساسية التى تشكل حجر الزاوية لأى نظام ديمقراطى معرّضة الآن للتقويض مرة أخرى. فقد نما إلى علم صحيفة «هاآرتس» أن دائرة الاستيطان فى الهستدروت الصهيونية، الذراع التنفيذية للحكومة، بلورت فى الآونة الأخيرة مخططا خاصاً لـ«تهويد الجليل» يهدف إلى إيجاد «توازن ديموغرافى» بين السكان العرب واليهود. ووفقاً لما ورد فى تقرير مراسل الصحيفة تسفرير رينات، فإن غاية المخطط هى استيعاب 100،000 مواطن يهودى فى الجليل بغية منح تعبير حقيقى للسيادة الإسرائيلية (على الجليل) من طريق العمل الاستيطانى.
يجب سحب هذا المخطط فوراً، فالسيادة الإسرائيلية على الجليل ليست بحاجة إلى أى اختبار. وسواء كانت فى هذه المنطقة أغلبية يهودية أم عربية، فإن سكانها كافة هم من مواطنى الدولة، وهكذا تجب معاملتهم.
إن الدولة التى تشجع أبناء شعب ما على السكن فى منطقة جغرافية، ما وفى الوقت عينه تفرض قيوداً متشددة على تنمية المجمعات السكنية لأبناء الشعب الآخر، هى دولة تتصرف بعنصرية. ولا يوجد أى تعريف آخر لوصف سلوكها هذا.
إن إسرائيل التى لا تسمح منذ سنة 1948 بإقامة بلدة عربية جديدة فى الجليل، فى الوقت الذى تتفجر فيه البلدات القديمة من جراء الاكتظاظ نتيجة انعدام احتياطى الأرض، وتطوّر مناطق صناعية فى البلدات اليهودية فقط، وصادرت الأغلبية الساحقة من أراضى العرب فى الجليل منذ سنة 1948، وتدعو على نحو ظاهر إلى تهويد هذه المنطقة بالذات، هى دولة تتصرف بإجحاف وعدم عدالة تجاه مواطنيها.
فى ضوء التظاهرات التى شهدتها مناطق متعددة من إسرائيل السبت الماضى احتجاجاً على «مخطط برافر» الذى من المتوقع أن يؤدى إلى إخلاء عشرات آلاف البدو فى النقب من البلدات غير المعترف بها التى يعيشون فيها، ادعى وزير الخارجية الإسرائيلى أفيجدور ليبرمان فى صفحته الخاصة على شبكة التواصل الاجتماعى «فيسبوك» أنه منذ أيام «مستوطنات السور والبرج» اليهودية لم يتغير شيء، وأن اليهود يكافحون من أجل حماية الأراضى القومية للشعب اليهودى. وسواء كان «مخطط برافر» مجدياً للبدو مثلما تدعى الحكومة الإسرائيلية أو أنه يلحق أضراراً بهم مثلما يدعى المتظاهرون، فإن أقوال وزير الخارجية لا تطاق، ذلك أنه منذ أيام «السور والبرج» طرد العرب من قراهم وتمت مصادرة الأراضى فى النقب وفى الجليل وقامت دولة. وسيادة الدولة على أراضيها لا تحتاج إلى أى تعزيز. إن ما يحتاج بصورة ماسة إلى التعزيز هو طابعها المتساوى غير العنصرى وغير القومى المتطرف وغير الظالم.
ويتعين على الدولة أن تطوّر النقب والجليل من أجل كل المواطنين اليهود والعرب.
إن أى سلوك آخر من شأنه فقط أن يفاقم الاغتراب الذى يشعر به المواطنون العرب وأن يصعّد احتجاجاتهم أكثر فأكثر.
افتتاحية «هاآرتس»