«الهرشة السابعة».. أن تصنع عملا مبدعا بإتقان - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 5:09 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الهرشة السابعة».. أن تصنع عملا مبدعا بإتقان

نشر فى : السبت 8 أبريل 2023 - 7:55 م | آخر تحديث : السبت 8 أبريل 2023 - 7:55 م
ــ 1 ــ
بعيدا عن صخب وضوضاء التقييم والرأى فى مسلسلات رمضان هذا العام والمستوى الفنى والسجالات التى دارت حول الكثير منها إما بسبب ضعفها أو غياب عناصر الإتقان والجودة.. بعيدا عن ذلك كله تابعتُ بانتظام ومنذ الحلقة الأولى مسلسل «الهرشة السابعة» من إخراج كريم الشناوى وكتابة مريم نعوم التى صارت أيقونة على الاجتهاد المخلص والفهم العميق لحرفة الكتابة الدرامية، وقد أدركتُ منذ الحلقة الأولى أن المسلسل مختلف على كل المستويات؛ الكتابة (السيناريو والحوار)، والإخراج، والموسيقى، واختيار الكاستنج المذهل الذى أراه واحدا من أنجح الاختيارات فى مسلسلات هذا العام.
وبذات الهدوء والانسيابية الذى افتتح به المسلسل، اختتمت الخميس الماضى، حلقاته الـ15 بنعومة مماثلة، وسلاسة محببة، ونسبة متابعة عالية مستحقة. ربما كان المسلسل الوحيد فى حدود ما شاهدت الذى تميز بمجموعة عناصر فنية مجتمعة ومتكاملة أدت به فى النهاية إلى إحداث هذه الاستجابة العالية فى أوساط قطاع كبير ومعتبر من مشاهديه.
«الهرشة السابعة» (وبعيدا عن اسمه الذى ظلمه نسبيا أو ربما قلَّل من جاذبية مشاهدته من البداية) مسلسل يعالج موضوعا اجتماعيا وإنسانيا، يختار نماذجه من قطاع معتبر وحقيقى وأصيل فى المجتمع المصرى.

ــ 2 ــ
مسلسل كتب ببراعة حقيقية، وأخرج بإتقان شديد ليدق على أوتار الخلل والتعارض والمشاعر المسكوت عنها فى حياتنا المعاصرة.. يبحث عن مظاهر الارتباك الذى يطرأ على العلاقات الزوجية بعد مرور السنوات السبع الأولى وعلله وأسبابه من دون زعيق ولا صخب ولا دعاية ولا مباشرة ولا خطابة، يحلل المشاعر التى تتداخل وتلتبس وتغيم ونخشى منها ولا نواجهها ونهرب من مجرد طرح الأسئلة والتفكير فى ماذا لو فكرنا فيها بشكل آخر وطريقة مختلفة...
ولا يعنينى هنا على الإطلاق التعليق على أى مظهر اجتماعى أو طبقى لشخصياته (التى اعتبرها البعض لا تمثله)، قدر ما يعنينى كمشاهد براعة تجسيد الحالات الإنسانية الجارفة والناعمة لنماذج بشرية حية وواقعية، نراها فى حياتنا، ونحتك بها ونتعامل معها حتى وإن لم نكن نحن أنفسنا كذلك.
ولا أظن أن أحدا يجرؤ على الادعاء بأن كل المسلسلات التى تناولت أنماطا اجتماعية وأخلاقية وسلوكية من الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى والطبقات الفقيرة هى كل المجتمع المصرى أو تمثل النمط السائد أو الغالب.. كذلك الأعمال التى تتناول طبقة المحافظين أخلاقيا أو اجتماعيا لا يعنى ذلك أبدا أنه النمط السائد.
وبالتالى، ومن وجهة نظرى المتواضعة فإن النقد الطبقى أو الاجتماعى الذى وجهه البعض للمسلسل لا محل له من الإعراب، ولا يمكن أبدا اختزال عمل فنى متكامل فى بعد طبقى وحيد أو أوحد للحكم عليه، إلا إذا تورط على سبيل المثال فى الانغماس فى الدعاية الفجة لهذه الطبقة التى يمثلها أو يتورط فى الدعاية المضادة لطبقة أخرى أو غيرها، وهذا لم يحدث أبدا ــ على الأقل من وجهة نظرى ــ فى «الهرشة السابعة».

ــ 3 ــ
وأعود إلى بعض عناصر التميز التى جعلت هذا المسلسل يحظى بما حظى به من مشاهدة أظنها عالية ومؤثرة أيضا، وعلى رأسها القدرة على ترجمة الأفكار والقضايا الإنسانية والاجتماعية التى تشغل بال صناع المسلسل إلى حوادث ووقائع ومشاهد ذكية حية تحركها دوافع عميقة ومشاعر إنسانية ظاهرة أو دفينة، وتقود إلى هذا الموقف أو ذاك، أو الاندفاع فى الفعل أو نقيضه لدى هذه الشخصية أو تلك، ما يؤدى إلى صراع «درامى» ومواجهات حقيقية وواقعية وليست مفتعلة ولا مفروضة على الأحداث، كما هو حاصل فى كثير مما يعرض فى رمضان الآن.
وثانى هذه العوامل هو الاعتناء الشديد بكم التفاصيل الدقيقة جدا فى شكل العلاقات بين الأزواج، بين الآباء والأبناء، بين البنت وأبيها، بين الابن وأبيه، بين أصدقاء الطفولة والمدرسة.. ثم ترجمة هذا كله إلى مشاهد بصرية توظف عناصرها جميعا بدقة وإتقان لإحداث الأثر الانفعالى والشعورى، لتفجير كم هائل فى نفوس المشاهدين من التعاطف والفهم والتفهم والامتثال لأرقى ما فى إنسانيتنا ومشاعرنا.
والأهم من وجهة نظرى هو شجاعة طرح سؤال لماذا؟ لماذا تتغير العلاقات ولماذا تفتر ولماذا تبدو قبل الزواج غير بعده، البحث عن حجم التغيير ومداه الذى يتم بدواخلنا مع تقدم العمر وتضاعف المسئوليات.

ــ 4 ــ
وثالث هذه العوامل هذه الأداءات التمثيلية العالية جدّا، مباراة فنية راقية وممتعة بين أمينة خليل ومحمد شاهين، الفنانون حنان سليمان ومحمد محمود وعايدة رياض وعماد رشاد وطبعا القدير أحمد كمال.. كل هؤلاء أساتذة كبار جدا بقدرات تشخيصية مذهلة، وبساطة فى التعبير والأداء لا تملك معها إلا أن تعبر عن امتنانك لهم جميعا وتقول «شكرا».
ورابع هذه العوامل هذه الحوارات المعبرة فى بساطتها وانسيابيتها، ومناسبتها التامة للشخصيات، حوارات حية جدا وشديدة التمثيل لما يدور فى قطاعات معتبرة فى المجتمع المصرى، كل جملة حوار فى موقعها، سأضرب مثالا واحدا بمشهد من الحلقة الثامنة، دار فيه هذا الحوار بين طبيب التجميل الأرمل وبين بطل المسلسل الشاب حول الوحدة والاحتياج إلى المشاركة والونس والدعم الإنسانى.. يقول:
«الظاهر فى أى حالة مش زى الحقيقة.
مش كفاية إنك تشتغل وتنجح وتسافر وتروح وتيجى.. والدنيا كلها تبقى قدامك. فيه حاجات تانية أهم.. أهم ليك إنت نفسك. عايش لمين؟ مهم عند مين؟ بتحكى لمين عن سفرياتك ونجاحك وشغلك؟ بتفكر فى مين يشاركك حياتك؟ وتأثر فيه ويأثر فيك؟ وتفضلوا فى ضهر بعض طول العمر؟
دى حاجات غالية أوى يا آدم.. اللى يلاقيها يبقى محظوظ»

ــ 5 ــ
«الهرشة السابعة» مسلسل جاد ومحكم استحق هذه المتابعة والمشاهدات العالية، بعيدا عن الهذر والإسفاف والتدنى الشائع فى دراما رمضان لهذا العام.. شكرا لكل صناع هذا المسلسل الذين قدموا لنا عملا مبدعا جميلا، إنسانيّا وصادقا.