مع ذكرى ثورة 23 يوليو وهى الأكثر سلمية والتى لم ترق فيها دماء على الإطلاق والتى تمت بسهولة ويسر وأيدها وقتها معظم الشعب المصرى سألت نفسى سؤالا مكررا؟
هل الثورات التى قامت فى المنطقة العربية منذ ثورة 23 يوليو وحتى الآن جعلت بلادها فى حال أفضل مما كانت عليه؟.. أم أن العكس قد حدث؟
هذا السؤال يؤلمنى كثيرا ويلح على كثيرا؟.. ودائما أقول لنفسى وأحدثها بما يلى:
لقد استلمت ثورة يوليو الدولة المصرية مكونة من مصر والسودان.. دولة متكاملة مترامية الأطراف فيها كل عناصر القوة الاقتصادية والمنعة السياسية وبريطانيا العظمى مدينة لها بأكثر من 36 مليون جنيه إسترلينى.. والجنيه المصرى أعلى من الإسترلينى ويوازى الجنيه الذهب.
ثم تركها عبدالناصر عام 1970 رغم وطنيته وإخلاصه وعفته، بدون السودان التى انفصلت عنها.. وبدون سيناء التى احتلت وترك الوطن العربى دون القدس والضفة الغربية الجولان.. مع أن الثورة كانت فى الأساس للتخلص من الاستعمار وتحرير فلسطين.. ولم تهتم الثورة سوى بالعدالة الاجتماعية فى مقابل هدم الديمقراطية وتداول السلطة تماما.
وجاءت ثورة البشير فقسمت السودان إلى قسمين جنوبى وشمالى.. وكان مخططا أن ينقسم السودان إلى خمس دول..
وجاءت ثورة الفاتح التى تزعمها القذافى فجعلت ليبيا فى حكم ديكتاتورى لا يدرك حسنات الجمهورية ولا الملكية.. وأراد القذافى بعد أربعين عاما من الجمهورية أن يقلد الملكية فى توريث الحكم فقط.. وليس فى العقل والحكمة.. فلا أدركت الدولة حكمة واستقرار الملكية.. ولا تبادل السلطة والديمقراطية فى الجمهورية.. ولكنها وقعت فريسة نزق وجنون وشطط وديكتاتورية القذافى الذى حولها إلى عزبة لصالحه ولمشروعاته المجنونة.
ثم قامت الثورة على القذافى فنشرت الموت والقتل والسلاح وزرعت الميليشيات فى كل مكان وتحولت الدولة الواحدة إلى 4 دول «لا ضابط لها ولا رابط»، كما يقول العوام.. وأصبحت ليبيا دون جيش ولا شرطة ولا مؤسسات ولا شىء.
وتأملت الثورة السورية على بشار الأسد فوجدت أن الثورة قامت ضد مظالم بسيطة يفعلها الأسد.. فإذا ببشار الأسد يصر على البقاء والثوار يصرون على الرحيل.. وإذا بالقتال الضارى يشب بين الفريقين وكل له أجندة أقليمية وتسانده ميلشيات خارجية وقوى أجنبية فدمرت سوريا كلها.
وإذا بالشعب السورى يتحول من أرقى شعوب المنطقة إلى بائسين ويائسين ولاجئين وقتلى وجرحى ومشردين ومتسولين يطردون ويطاردون فى بقاع الأرض.
وإذا بسوريا تتقاسمها عصابات الحكم وميليشيات داعش والنصرة.. ويعمل كل فريق فى الآخر ذبحا وقتلا وسجنا حتى وصل عدد الجرحى والقتلى إلى 3.2 مليون.
الثورات يا سادة تقاس بنتائجها وإفرازاتها ومصالحها ومفاسدها.. لست معنيا الآن بأن ذلك تم بسبب عنت بشار وجبروته أو ظلم داعش أو النصرة أو حزب الله.
يهمنى الآن أن الثورة ذهبت بسوريا إلى الأسوأ.. وذهبت ثورات مصر بها إلى الأسوأ إلى آلاف القتلى والجرحى.. فضلا عن الكراهية والاستقطاب وضياع السياحة والاستثمار والاقتصاد وزيادة البطالة وعودة الرأى الأوحد وامتلاء السجون مرة أخرى بعد أن كانت شبه فارغة بدءا من عام 2006.. والآن تبنى سجون جديدة لأن السجون امتلأت عن آخرها.
الشريعة الإسلامية اعتبرت النتائج وهناك فقه عظيم اسمه «فقه النتائج» واعتبرت المصالح والمفاسد وهناك فقه خاص به.
معظم الثورات تؤدى إلى دماء وتقسيم البلاد وضياع ما كان من خير ولو قليل.. والتحول إلى حكم الفرد لأنه الملاذ للجميع من الفوضى التى تضرب البلاد فيقبلها الشعب بسلاسة وسهولة ويحتمى بحكم الفرد من الفوضى التى تطال كل شىء وحكم الفرد سيئ والفوضى أسوأ.
لقد خلصت فى نهاية حياتى إلى أن نهج الأنبياء هو الأصوب والأحكم والأجدر بالاهتمام والرعاية.. وهو التدرج والإصلاح وعدم الاصطدام بسنن الكون.. وتغيير الشعوب أهم من تغيير الحكام.. وتغيير النفوس والقلوب والباطن قبل إصلاح الظاهر.. وإصلاح التعليم والتربية قبل الاهتمام بالمنصب.. والاهتمام بالشريعة قبل الشرعية.. والتضحية من أجل الشريعة لا نزف آلاف الدماء هدرا من أجل شرعية لن تأتى أبدا وإذا أتت سوف تذهب وإذا ذهبت فلن تعود أبدا.