نادر بكارفى الوقت الذى مازالت فيه الحكومات العربية تعتبر الشعب قاصرا لم ولن يبلغ سن الرشد أبدا، تتجه دول أخرى إلى اعتماد (الحكومة بيديا) مبدأ قائما على فلسفة (الديمقراطية التعاونية) لإحداث تغيير جذرى فى ثقافة الحكومات؛ من ثقافة تؤمن بالخبير الواحد إلى أخرى تتبنى حل المشكلات الاجتماعية بل والاقتصادية بشكل جماعى عبر قطاع واسع من الأفراد المشاركين.
القطاع الخاص فى ــ الدول الكبرى بطبيعة الحال ــ سبق الحكومات فى إدراك أهمية تعبئة كل الموارد حتى المستقلة منها لضمان استمرارية النجاح بعيدا عن حدود الشكل التقليدى للمؤسسات.. مؤخرا بدأ الحديث عن إشراك الجمهور فى صناعة القرار الحكومى من خلال بيئة تكنولوجية تتيح اجتماع المواطنين من مناطق متعددة فى الدولة الواحدة أو عدة دول لمناقشة إحدى المبادرات والوصول إلى قرار بشأنها، ثم تصل المجتمعات بالمشاركة إلى (الحكمة الجماعية) لاتخاذ الإجراءات المناسبة.. الخبيرة الحكومية Beth Simone Noveck تطلق على هذه الآلية مسمى الـWikiGovernment حكومة بيديا أو حكومة الويكيبيديا... ألفَت كتابا بهذا الاسم نهاية العام 2008 ومن وحيه سطور هذه المقالة.
فى العام 2006 أجرت شركة IBM دراسة تتقصى من خلالها آراء الرؤساء التنفيذيين حول أساليب حصولهم على أفكار جديدة لضمان تجدد الإبداع ومن ثم قيادة السوق... والمفاجأة وقتها أن تسعين بالمائة من الشريحة المستهدفة أشارت إلى دور العملاء وشركاء العمل والموظفين بعيدا عن معامل البحث والتطوير R&D فى الحصول على أفضل الأفكار وأشدها ابتكارا.
ولم تكذب IBM الخبر فوضعت نتائج الدراسة موضع التنفيذ على الفور، فدشنت دورات حول التفكير الإبداعى تعرف باسم World Jams لتوفر للعاملين بكل فروعها حول العالم وغيرهم من المتخصصين أو حتى الهواة مساحة يستطيعون من خلالها تقديم كل مبادراتهم ومقترحاتهم الإبداعية ثم العمل على تحسين هذه المبادرات بشكل جماعى وترتيبها وفق الأولوية...ممارسة أشبه ما تكون بالـ Discussion Group أو هى عملية عصف ذهنى ذهنى جماعى لكن بصورة شديدة التنظيم... وخصص CEO شركة IBM صندوقا بقيمة 100 مليون دولار لتنفيذ أفضل عشر أفكار يتم التوصل إليها.
لا يمكن أن يتوافر لمؤسسة واحدة مهما امتلكت من خبرات معرفية متراكمة حلول كل المشاكل التقنية التى تصادفها حتى فى أدق تخصصاتها، ولا يمكنها قطعا أن توظف لديها كل خبير تسمع عنه فى أى بقعة من بقاع العالم، لكن يمكنها بالتأكيد أن تشارك فى بيئة معرفية أوسع تستوعب الآخرين معها... تنبهت إحدى الباحثات لهذه (المسلمة البديهية) فأنشأت شركة متخصصة للخروج بمشكلات الشركات المختصة بعلوم الحياة تعتمد فيها على شبكة قوامها 160 ألف خبير حول العالم.... ودفعت شركة أخرى مليون دولار لحل مشكلة كيميائية معقدة، ولم يكن الشخص الذى حلها عالما، بل محاميا شغوفا بالكيمياء، توصل إلى حل المسألة المعقدة فى أقل من أربع ساعات!
هذا بالضبط ما صار يُعرف الآن فى الأوساط الإدارية بقانون جوى Joy Is Law: «لا يهم من تكون، فالأشخاص الأكثر ذكاء يعملون لصالح أشخاص آخرين»...هذه المقولة التى قد تبدو للوهلة الأولى هزلية تُنسب إلى Bill Joy أحد مؤسسى شركة Sun Microsystems...لكنها عند التأمل تؤصل ــ أو تفسر ــ لهذه البيئة التشاركية هائلة الحجم...أغلب مصادر المعرفة طبقا لفرضية Joy تقع ــ ببساطة ــ خارج نطاق المؤسسة!