انسحاب مالي من مجموعة دول الساحل الخمس - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 5:50 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انسحاب مالي من مجموعة دول الساحل الخمس

نشر فى : الخميس 9 يونيو 2022 - 7:35 م | آخر تحديث : الخميس 9 يونيو 2022 - 7:35 م
نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا بتاريخ 6 يونيو للكاتبة نسرين الصباحى، تناولت فيه أسباب انسحاب مالى من مجموعة دول الساحل الخمس، وتداعيات القرار على مالى وعلى إقليم الساحل.. نعرض من المقال ما يلى.

فى 15 مايو 2022، أعلنت مالى انسحابها من مجموعة دول الساحل الخمس (G5) التى تضم دول: تشاد، ومالى، والنيجر، وموريتانيا، وبوركينافاسو، لتصبح هذه المجموعة أربع دول فقط، وقررت حكومة مالى الانسحاب من جميع أجهزة المجموعة، بما فى ذلك القوة العسكرية المشتركة التى تحارب الجماعات الإرهابية (FCــG5S). ويأتى هذا الإعلان احتجاجا على رفض رئاسة مالى للمجموعة فى الدورة العادية الثامنة لرؤساء دول المجموعة. وهذه الخطوة بالتزامن مع مجموعة من المتغيرات هى: توتر العلاقات بين مالى وفرنسا، وانسحاب قوة برخان الفرنسية وقوة تاكوبا الأوروبية من مالى وإعادة تموضعها فى النيجر، وانخراط مجموعة «فاجنر» الروسية فى مالى، فضلا عن العقوبات المفروضة من الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «الإيكواس» على مالى.

دوافع كاشفة
اتخذت مالى بعد طرد الممثل الخاص لجماعة إيكواس وسفير فرنسا، القرار الأخير بالانسحاب من مجموعة الساحل الخمس بكل هيئاتها، وكان رفض تكليفها برئاسة المجموعة سبب القرار، حيث تأجل عقد القمة السنوية لرؤساء دول مجموعة دول الساحل الخمس الذى كان من المقرر عقده فى فبراير 2022 فى العاصمة باماكو، ولم يجتمع وزراء دفاع المجموعة منذ نوفمبر 2021، وتأسست هذه المجموعة عام 2014، وأنشأت قوة دول الساحل عام 2017 لمواجهة الجماعات المسلحة، والأجهزة الأخرى مثل مؤتمر قادة الدول، ومجلس الوزراء، والأمانة التنفيذية، ولجنة الدفاع والأمن، ولجان التنسيق الوطنى لتحركات دول مجموعة الساحل، لكن تعثر عمل هذه الأجهزة بسبب نقص التمويل. وجاءت أسباب رفض رئاسة مالى للمجموعة، نتيجة مجموعة من الدوافع، يمكن توضيحها على النحو التالى:

• تأزم الوضع الداخلى فى مالى: اتفقت الحكومة الانتقالية فى مالى فى البداية على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية فى فبراير 2022 بعد 18 شهرا من إقدام «أسيمى جويتا» على الإطاحة بالرئيس «أبوبكر إبراهيم كيتا» فى أغسطس 2020، وبعد ذلك حدث الانقلاب الثانى فى مايو 2021، على الرئيس الانتقالى «باه نداو»، وما تبع ذلك من فرض العقوبات من قبل الإيكواس، جراء تمديد الفترة الانتقالية وتأجيل موعد الانتخابات وتعثر العملية السياسية فى البلاد. ووفقا لميثاق الانتقال كانت مدة الفترة الانتقالية 18 شهرا حتى مارس 2022، مع إجراء الإصلاحات المؤسسية والانتخابية وتنظيم العملية الانتخابية. وفى هذا الصدد، بررت مالى بأنه لا يوجد نص قانونى فى ميثاق مجموعة الساحل، ينص على فرض قيود على دولة عضو بسبب وضعها السياسى الداخلى، وانتقدت أيضا المصادقة على العقوبات التى فرضتها الإيكواس على مالى.

• توتر العلاقات بين باماكو وباريس: ساهم الخلاف بين البلدين منذ الإطاحة بالحكومة المنتخبة فى مالى عام 2020. ومع ذلك، فقد تفاقمت الأزمة الدبلوماسية بين البلدين خلال الفترة الأخيرة، وبلغت ذروتها مع طرد السفير الفرنسى من مالى، فقد تم تجاوز العديد من الخطوط الحمراء لفرنسا مثل الرغبة فى التفاوض مع الجماعات المسلحة، والاستيلاء على السلطة من قبل المجلس العسكرى، ورفض تطبيق جدول زمنى للعودة إلى النظام الديمقراطى الذى تم الإعلان عنه، وقررت فرنسا سحب قواتها العاملة من مالى بحلول يونيو 2022. كما وصلت العلاقات بين مالى وفرنسا إلى نهاية النفق المسدود؛ إذ أعلنت باماكو مطلع شهر مايو إلغاء اتفاقية التعاون الدفاعى مع فرنسا عام 2014، واتفاقات أخرى عام 2013 و2020، التى تحدد الإطار القانونى لتواجد قوات برخان وتاكوبا.

• تصاعد الخلافات الإقليمية: على خلفية التوترات بين فرنسا ومالى بشأن تواجد مجموعة «فاجنر»، تبنت النيجر موقفا متشددا تجاه المجلس العسكرى الحاكم فى مالى، نتيجة انتشار عدوى الانقلابات العسكرية، فى ظل محاولات الانقلاب الفاشلة فى النيجر. وكذا، احتلت النيجر مكانة استراتيجية فى استضافة القوات الفرنسية والأوروبية، باعتبارها حليفا موثوقا فيه بدول المنطقة.

• تفاقم المشكلات الداخلية للمجموعة: أوضحت حكومة مالى عدم تحقيق مجموعة الساحل أهدافها فى محاربة الجماعات الإرهابية، وتعزيز روابط التنمية الاقتصادية، وتوفير الأمن، نتيجة مجموعة من العراقيل الهيكلية، وتدنى كفاءة الموارد البشرية، ونقص سياسات التمويل، وضعف التنسيق بين الدول الأعضاء، ونقص الدعم اللوجستى، وضعف التعاون البينى بين هذه الدول. وبالإضافة إلى ذلك، اتهمت قوات المجموعة بانتهاكات حقوق الإنسان، بما فى ذلك الاعتقالات التعسفية، والاحتجاز، وعمليات القتل خارج نطاق القانون.

تداعيات محتملة
تعمل هذه الخطوة على إعاقة تقدم دول مجموعة الساحل فى حربها ضد الإرهاب، وتستغلها مالى كورقة ضغط لرفع العقوبات المفروضة عليها من الإيكواس، وكرسالة لدولة فرنسا، فى ظل معارضتها التعاون بين مالى ومجموعة «فاجنر»، ويفاقم ذلك التحديات القائمة، ويقوض أنشطة المجموعة فى تحقيق السلام وزعزعة الاستقرار وامتداد التهديدات الأمنية، وسيزيد من انكشاف المناطق الحدودية بين دول المنطقة، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالى:

• تفكك جهود المجموعة وفقدان الترابط الجغرافى: تشهد دول مجموعة الساحل مجموعة من التحديات الأمنية المحلية والاضطرابات السياسية وموجة الانقلابات المتزامنة فى المنطقة، التى تشكل تهديدات مشتركة، فى ظل سحب دولة تشاد نحو 600 جندى فى أغسطس 2021، من قواتها داخل المجموعة، لمواجهة الفصائل المتمردة فى البلاد، وضعف قدرة قوات المجموعة بسبب الافتقار إلى الترابط الجغرافى، فى إطار أهمية الحدود البرية المشتركة لنجاح العمليات ضد الجماعات الإرهابية من الناحية الميدانية؛ إذ أصبحت دولة موريتانيا بعيدة جغرافيا عن دول تشاد والنيجر وبوركينافاسو، حيث كانت مالى محور تنفيذ العمليات لموقعها بين هذه الدول. وعلاوة على ذلك، التداعيات السلبية للحرب الروسية ــ الأوكرانية على سياسات التمويل للدول المانحة لهذه المجموعة، وعلى رأسها دول الاتحاد الأوروبى، وبلغ مساهمة تمويلها نحو 256 مليون يورو، فى ظل رفض الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تقديم التمويل من خلال آلية منتظمة برعاية الأمم المتحدة.

• تنامى العزلة الإقليمية والدولية لمالى: أدانت دولتا تشاد والنيجر تواجد مجموعة «فاجنر» فى مالى، حيث انحازت هذه الدول لصالح فرنسا ضد مالى، مع تداعيات العقوبات الاقتصادية لمجموعة «الإيكواس» على مالى، كما أيد مجلس الأمن والسلم الأفريقى هذه العقوبات، وسيؤدى الانسحاب إلى عجز الجيش المالى بمفرده عن مواجهة انعدام الأمن المتزايد. ويأتى القرار بعد أسبوع واحد من إعطاء ألمانيا الضوء الأخضر بزيادة عدد جنودها فى إطار بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام «مينوسما»، ومدى تأثير الانسحاب على هذا القرار ومستقبل المساعدة الإنمائية من ألمانيا لمجموعة الساحل.

• تفاقم تردى الأوضاع الأمنية فى إقليم الساحل: تتخوف موريتانيا من تفاقم انعدام الأمن على حدودها مع مالى، حيث تعتبر مالى أهم مصدر للمخاطر الأمنية فى المنطقة. وكذا تشترك فى حدودها مع النيجر وبوركينافاسو، فى ظل تصاعد الهجمات الإرهابية وانعدام الأمن فى منطقة ديفا جنوب شرق النيجر، ومنطقة تيلابيرى غرب النيجر، ومنطقة تاهوا شمال غرب النيجر، ومخاطر العصابات الإجرامية على الحدود بين نيجيريا ومنطقة مارادى جنوب شرق النيجر. بالإضافة إلى منطقة الحدود الثلاثة (ليبتاكو جورما) بين دول تشاد، ومالى، وبوركينافاسو.

• تمدد الإرهاب خارج إقليم الساحل: من المتوقع انتشار خطر التمرد الجهادى وتنامى نفوذ الجماعات الإرهابية من مالى إلى النيجر وكذلك بوركينافاسو، وصولا إلى البلدان الساحلية فى خليج غينيا بغرب إفريقيا، فى ظل القدرة المحدودة للجيوش الوطنية فى المنطقة وهى ليست أفضل استعدادا لمواجهة هذا التهديد بمفردها، وهناك مخاوف بشأن قدرات جيوش المجموعة على الصمود، وخلق فراغ أمنى فى منطقة الساحل، مما يخلق تحديات إضافية. ومن أبرز الجماعات الإرهابية التى تنشط فى منطقة غرب إفريقيا، تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى، وتنظيم داعش، وجماعة المرابطين، وجماعة بوكو حرام.

وفى الأخير، قد يُثير هذا الانسحاب محاولات دول أخرى للانسحاب مثل بوركينافاسو التى تعانى من ظروف متشابهة مع مالى من حالة الاضطرابات السياسية، وتعاظم التنافس الدولى، مع تنامى نشاط الجماعات الإرهابية، وضعف قدرات الجيوش الوطنية، مما سيؤثر على جهود التعاون الإقليمى فى محاربة الإرهاب، وقد يقتصر على تنفيذ بعض العمليات النوعية فى المنطقة.

النص الأصلي

التعليقات