عملية الإنقاذ المذهلة لأربع رهائن لدى «حماس» فى مخيم النصيرات، منحت الجمهور الإسرائيلى تشجيعا هو بحاجة إليه، بعد أسابيع وأشهر طويلة من المراوحة والأخبار السيئة بشأن الحرب فى غزة. «يمام» [فرقة مكافحة الإرهاب] والشاباك والجيش الإسرائيلى قاموا بعملية مذهلة فى ظروف عملانية صعبة للغاية، وأعادوا الرهائن الأربعة، الذين خُطفوا خلال المهرجان الموسيقى فى نوفا فى 7 أكتوبر، إلى منازلهم سالمين.
بدأت العملية فى وضح النهار، مع مخاطر كبيرة. والنتيجة العملانية الناجحة هى شهادة لبطولة المقاتلين (القائد أرنون زمورا من «يمام»، والذى كان قائدا لأحد طواقم الاقتحام، قُتل لدى دخوله إلى المنزل الذى كان محتجزا فيه 3 رهائن)، ونتيجة التخطيط وجمع استخبارات دقيقة وتعاوُن وثيق بين الأذرع الأمنية المختلفة.
إمكان إنقاذ رهائن من منطقة النصيرات كان مدار بحث منذ وقت طويل، وامتنع الجيش الإسرائيلى من القيام بمناورة برية فى المخيم، خوفا من المسّ بالرهائن. بدأت عمليات اللواء 98 فى المنطقة منذ أيام معدودة، وكان الهدف منها استخدامها كغطاء، قبيل القيام بعملية الإنقاذ. ظهرت المعلومات عن مكان وجود المخطوفة أرغمانى أكثر من مرة، وكان هناك تحضيرات لإنقاذها. فى الأسابيع الأخيرة، وصلت معلومات موثوق بها عن 3 رهائن موجودين فى مبنيَين منفصلَين مؤلفَّين من عدة طبقات، تفصلهما مئات الأمتار فى داخل المخيم المكتظ سكانيا. وجرى وضع الخطة والتدرب عليها بصورة مكثفة، من خلال الاعتماد على وسائل تكنولوجية وجمع واسع النطاق للمعلومات.
فى هذا المجال، كان هناك دور مهم لقيادة الأسرى والمفقودين، برئاسة اللواء فى الاحتياط نيتسان آلون. فهذه القيادة، إلى جانب دورها فى مفاوضات الصفقة، كان لها دور فى كل الخطوات العملانية، قبيل عملية الإنقاذ، واعتمدت على خبرة آلون الكبيرة فى هذا المجال. أيضا وزير الدفاع يوآف جالانت ورئيس الأركان هرتسى هليفى ورئيس الشاباك رونين بار، هم من خريجى الوحدات الخاصة، ولديهم خبرة واسعة فى عمليات من هذا النوع. ومع كل ذلك، كان هناك مخاطرة كبيرة هذه المرة، لأن طريقة العمل التى استُخدمت كانت فى وضح النهار، ومفاجأة «حماس» بصورة مطلقة، وبسرعة كبيرة، الأمر الذى حمل معه فرصا جيدة للنجاح. وكل هذا كان لا يمكن أن يحدث من دون تضحية المقاتلين بحياتهم.
وبينما جرت عملية إنقاذ أرغمانى بسهولة نسبيا، فإن اقتحام المنزل الذى كان فيه المخطوفون الثلاثة اصطدم بصعوبات. لقد جُرح القائد زمورا خلال تبادُل إطلاق النار مع حراس من «حماس»، الأمر الذى أدى إلى مقتله. بعدها علقت السيارة التى تقلّ المخطوفين الثلاثة فى قلب المخيم. وتجمّع فى المكان عدد كبير من «المخربين» المسلحين بقذائف الآر بى جى. وكان هناك حاجة إلى استخدام كثيف للنار من جانب سلاح الجو وقوات أُخرى من أجل إنقاذ المخطوفين من المخيم بسلام. وقُتل فى العملية عشرات الفلسطينيين، بينهم عزل.
والسؤال المطروح الآن، كيف ستؤثر عملية الإنقاذ فى استمرار الاتصالات بشأن صفقة الرهائن. من المحتمل أن تحاول «حماس» استخدام الحرب النفسية، وإعلانها موت رهائن آخرين لم يكن مصيرهم واضحا، فى محاولة ربط ذلك بعملية التحرير. ووفقا للتصريحات الأولى من جانب مسئولين رفيعى المستوى فى الحركة، يبدو أن الحركة تحاول التشدد فى مطالبها. يحيى السنوار، زعيم «حماس» فى القطاع، لم يرد بعد على المقترح الأمريكى - الإسرائيلى الأخير الذى قدمه الرئيس الأمريكى جو بايدن فى خطابه فى 31 مايو.
نجاح عملية الإنقاذ أعاد الحياة إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ليس فقط لأنه قُدم له، أخيرا، إنجاز يمكن أن يتباهى به، بعد فترة طويلة من خيبات الأمل؛ بل لأن توقيت العملية أدى إلى تأجيل الإنذار الذى وجّهه رئيس المعسكر الرسمى بنى جانتس بشأن الاستقالة من الحكومة. لقد حصل نتنياهو وجالانت على رصيد كبير جرّاء موافقتهما على العملية.
لكن مع ذلك، لا يمكن عدم الانتباه إلى الطريقة الانتهازية التى يعتمدها نتنياهو الآن. فجأة، الرجل الذى كان غائبا كليا عن الصورة لدى وصول أخبار موت رهائن فى الأسر، نراه يزيح من دربه أى منافس عندما يتعلق الأمر بالحصول على رصيد. كما أغرق مكتب رئيس الحكومة وسائل الإعلام بالتصريحات والفيديوهات، ولم يحافظ على قدسية يوم السبت، بل يستخدمها فقط عندما يلقى بمهمة الأخبار السيئة على ممثلى الجيش. هذه المرة، مُنح الناطق بلسان الجيش دانييل هغارى فرصة عقد مؤتمر صحفى مع ابتسامة.
لكن هذا كله ليس مهما، وخصوصا عندما نسمع يعقوب أرغمانى يقول إنه حصل فى عيد ميلاده على هدية لم يكن ينتظرها، ووالدة نوعا ليؤرا، الموجودة فى المستشفى فى وضع صعب، سترى ابنتها من جديد. أمامنا أيام صعبة، لكن الآن، يمكننا أن نفرح بذلك.
عاموس هرئيل
هآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية