لم ترتكب منج وانزهو، المديرة المالية لشركة «هواوى (HUAWEI)» لتكنولوجيا الاتصالات الصينية، أى جريمة فى كندا، بل أُلقى القبض عليها بناء على طلب من السلطات الأمريكية على خلفية مخالفة شركة هواوى قوانين العقوبات على إيران، والعمل مع الحكومة الإيرانية بطريقة غير مباشرة من خلال شركة تابعة لها.
وأفرجت محكمة كندية عن وانزهو بكفالة تقترب من 8 ملايين دولار أمريكى، مع فرض الإقامة المنزلية عليها، وتحديد تحركاتها فى دائرة جغرافية محدودة مع وضع جهاز تتبع إلكترونى فى ساقها اليسرى لرصد تحركاتها، وكى لا تتمكن من مغادرة البلاد.
ولا تعد وانزهو مسئولة رفيعة فقط ضمن مديرى الشركة الصينية العملاقة، بل هى أيضا ابنة رين زينج فاى، مؤسس الشركة والمهندس الضابط السابق بالجيش الصينى.
وتعتبر الصين، وشركة هواوى، أن الاتهامات ضد وانزهو ذات دوافع سياسية فى إطار أكبر من المواجهة التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين، ومحاولات واشنطن لتحجيم الشركة الصينية، ولتبعدها عن منافسة نظيراتها الأمريكية.
فى عالم اليوم لا يمكن فصل الشئون الاقتصادية والمالية والسياسية والتكنولوجية عن بعضها البعض، ولا يمكن الفصل باستقلالية الشركات الكبرى عن الحكومات. ولا يُعرف يقينا حجم ضغوط الشركات الأمريكية، التى تنافسها بقوة شركة هواوى الصينية، ويهمها وضع العراقيل فى طريق وصول تكنولوجيا الشركة إلى السوق الأمريكية أو أسواق الدول الأخرى.
وجدير بالذكر أن لكبرى شركات التكنولوجيا الأمريكية وجودا قويا للغاية فى واشنطن، وضاعف من أهميته اعتماد تلك الشركات على كبرى شركات اللوبى والعلاقات العامة للترويج لمواقفها داخل الكونجرس والبيت الأبيض ووسائل الإعلام.
***
وتمثل الحرب على التكنولوجيا الصينية أحد أهم سمات المواجهة الأمريكية مع الصين، وصنفت إدارة ترامب شركات التكنولوجيا الصينية بأنها تهديد للأمن القومى الأمريكى، متهمة إياها بالعمل مع الجيش والحزب الشيوعى الحاكم فى الصين. ولا يتوقع أن تغير إدارة الرئيس جو بايدن من هذا النهج، إذ يتفق رجال الاستخبارات الأمريكية، وبعيدا عن الانتماء الحزبى، على خطورة التطور التكنولوجى الصينى على مصالح واشنطن حول العالم.
وأشارت استراتيجية الأمن القومى الأمريكى الصادرة فى بداية عهد ترامب صراحة إلى أن الصين تسعى إلى تحدى قوة واشنطن ونفوذها ومصالحها، فى محاولة للإضرار بأمن ورخاء الشعب الأمريكى.
كما أشارت استراتيجية الدفاع الوطنى الصادرة عن البنتاجون منتصف العام 2018 بوضوح إلى الصين على أنها «منافس استراتيجى يسعى لتحديث قواته المسلحة لضمان سيطرته الإقليمية على المحيط الهادى وجنوب آسيا، ومقارعة نفوذ الولايات المتحدة العالمى».
ويعتبر الكثير من المعلقين الأمريكيين أن الحرب الباردة قد بدأت بالفعل بين واشنطن وبكين، منطلقين من المواجهة التكنولوجية بينهما، وأنه لا يمكن توقع إلا الأسوأ خلال السنوات والعقود القادمة.
اتخذت واشنطن إجراءات عقابية وحمائية متعددة أمام عدة شركات صينية منها «تيك توك» (TikTok) و«وى شات» (WeChat)، وغيرهما من شركات التكنولوجيا الصينية. وتم حظر شركة هواوى من العمل داخل أمريكا، وأدرجت فى القائمة السوداء لمنعها من استيراد التكنولوجيا الأمريكية، وأصدر ترامب قرارا تنفيذيا يمنع الشركات الأمريكية الخاصة من استخدام معدات شركة هواوى.
كما وضعت واشنطن شركة هواوى فى صيف 2019 ضمن قائمتها السوداء الخاصة «بالكيانات المشكوك فيها»، وهو ما يعرقل أعمالها مع الشركات الأمريكية.
وتواجه الشركات الموجودة فى القائمة الأمريكية السوداء تحديات كبيرة فى الحصول على التكنولوجيا الحيوية؛ لأن الشركات الأمريكية يُحظر عليها البيع لهذه الشركات إلا بعد الحصول أولا على ترخيص للقيام بذلك، وتُهدد القيود المتصاعدة على شركة هواوى بشل أعمالها حول العالم.
كما تطالب واشنطن حلفاءها الغربيين بعدم استخدام شركة هواوى فيما يتعلق بتكنولوجيا الجيل الخامس من الاتصالات المعروف بـ«5 جى» (5G).
***
وتسمح تكنولوجيا الجيل الخامس بتوفير سرعات فائقة للاتصالات، وهو ما من شأنه إحداث طفرة فى مجالات عديدة، بدءا من إدارة المرافق العامة كشبكات الكهرباء والمياه والاتصالات، وانتهاء بطرق تشغيل الآلات بالمصانع بشكل مباشر عن بُعد، ناهيك عن المجالات الطبية والعلاجية وتشغيل السيارات ذاتية القيادة، ومجالات أخرى حيوية كثيرة.
وتنبع مخاوف الأمريكيين من سيطرة هواوى على شبكات الجيل الخامس من إمكانية وصول سجلات المستخدمين وبياناتهم الأساسية إلى أجهزة الاستخبارات الصينية، كما يمثل اختراق الشبكة من أى جهة إمكانية التلاعب فى البنية التحتية الأمريكية وتخريبها، أو شلها حال الضرورة.
ويدفع المسئولون الأمريكيون الحكومات الأخرى حول العالم إلى فرض قيود على شركة هواوى، بحجة أن الشركة توفر بياناتها للحكومة الصينية، وتنفى هواوى أنها تتجسس لصالح الحكومة الصينية.
وضغطت إدارة ترامب على الدول الحليفة لواشنطن لتفكيك معدات هواوى من شبكاتها، وهو ما أدى إلى استبعاد أستراليا ونيوزيلندا وألمانيا وبريطانيا وغيرهم من الدول الأوروبية، مجموعة أوسع من شركات الإنترنت والاتصالات الصينية من مشروعات البنية التحتية للإنترنت والاتصالات، وكما سبق أن حظرت اليابان هواتف شركة هواوى.
وتعلن شركة هواوى، ومن ورائها دعم الدولة الصينية، تحدى الموقف الأمريكى، وعبرت عن ذلك فى وصولها للمكانة الأولى عالميا فى سوق الهواتف المحمولة حول العالم بعدما أزاحت عن طريقها شركتى «سامسونج» (Samsung) الكورية و«آبل» (Apple) الأمريكية.
وعبر مؤسس شركة هواوى، خلال لقاء صحفى نادر له مع «بى. بى. سى» (BBC)، عن تفاؤله المستقبلى، وأكد أنه إذا نجحت واشنطن فى إقناع حلفائها بحظر شركة هواوى سيكون هناك بدائل. «إذا انطفأت الأنوار فى الغرب فإن الشرق سيضىء، وإذا أظلم الشمال فما يزال هناك الجنوب.. أمريكا لا تمثل العالم، أمريكا تمثل فقط جزءا من العالم» يقول زينج فاى.