من أعز وأغلى ما حملتُه من ذكريات معرض أبوظبى للكتاب، الذى انتهت فعاليات دورته الأخيرة مطالع الشهر الحالى، إهداءات الكتاب، الأصدقاء الأعزاء، من كتبٍ وروايات. أحتفظُ بكل ما وصلنى من كتبٍ بإهداءات أصحابها فى مكان خاص وعزيز فى مكتبتى.
أن يكتب لك أحدُهم، بخطه، كلمة إهداء على كتابه فهذا يعنى لى الكثير؛ أكبر من مجرد عادة معروفة أو تقليد حديث ارتبط بحفلات التوقيع، إنه يعنى لى أن أحدهم خصك بقطعة من عقله وروحه؛ يعبر لك عن أثمن ما يحمله من مشاعر وأرفع ما يكنه لك من تقدير، بما يهديه إليك ويسجله كلماتٍ وحروفا بخط يدوى؛ فى زمن عزت فيه الكتابة بالقلم وصار الكى بورد هو «السلطة العليا»!
عفوا، إذا كنت هجمت هكذا على موضوعى من دون توضيح!
بدعوة كريمة من معرض أبوظبى للكتاب، شاركت ممتنا كمتحدث ومناقش فى ندوة رئيسية عنوانها «تلاميذ طه حسين»، شاركنى فيها الصديق الأستاذ والمترجم القدير بدر الدين عرودكي؛ صحيح أنه مارس سلطته الأبوية بعشم بالغ، واستبد بالميكروفون ولم يستطع أحد أن يوقفه لأكثر من ثلثى الوقت المخصص للندوة كلها، وتقريبا لضعفى الوقت المخصص له، وابتعد بالحديث عن موضوع الندوة كثيرا لكنه فى النهاية واحد من الذين أحبهم وأقدرهم وأقدر منجزهم الثقافى، وعلى رأس ما أنجز ترجمته لكتاب «معك» الذى ألفته سوزان طه حسين عقب وفاة زوجها فى أكتوبر 73.
وعلى ضيق المساحة التى أتيحت لى (بعد أن التهم صديقى ثلاثة أرباعها عنوة وقهرا)، فإننى استطعت النجاة بالفكرة الرئيسية، وأوضحت ما أعنيه بتلاميذ طه حسين وما أطلقت عليه «صناعة المؤسسات البشرية»، وهى الفكرة التى لاقت استحسانا كبيرا من حضور الندوة؛ كما لاقت اهتماما كبيرا فى الصحف الإماراتية والعربية.
بالإضافة إلى الندوة السابقة، شاركت فى إدارة ومناقشة ثلاث ندوات أخرى مهمة؛ أولاها كانت برفقة الكاتب الإماراتى ناصر الظاهرى، والثانية كانت بصحبة الصديق العزيز الكاتب والروائى ناصر عراق وحديث شائق عن «رسائل إلى كاتب شاب»، وكانت الندوة الثالثة والأخيرة التى أدرتها حول «تعزيز الكتابة والقراءة باللغة العربية» والتى تحدث فيها الصديق الدكتور علاء الجابرى أستاذ الأدب والنقد بجامعة قناة السويس.
وعلى هامش الندوات والفعاليات الكثيفة التى شهدها معرض أبوظبى للكتاب، أتيح لى الالتقاء بنخبة ممتازة من المثقفين والمبدعين الأجانب والعرب؛ كان جميلا أن ألتقى الكاتب السودانى العزيز أمير تاج السر، الذى تفضل مشكورا بإهدائى نسخة موقعة من روايته (وصلت إلى القائمة القصيرة للبوكر هذا العام) «الزهور تأكلها النار»، كما أهدانى الصديق الناقد القدير د.أمير العمرى نسخة من كتابه الأحدث «العالم فى حقيبة سفر»، فى أدب الرحلات، وهو الكتاب الحائز على جائزة ابن بطوطة فى أدب الرحلات للعام 2017/ 2018.
أيضا، سعدتُ بلقاء الكاتب السودانى المقيم بالنمسا طارق الطيب، وهو له من اسمه حظ ونصيب، فهو طيب الخلق والحديث، هادئ الصوت رائق الحضور، وكم أسعدنى بإهدائى نسخة من كتبه الرائعة، وأخجلنى أدبه الجم وتواضعه الكبير، له محبتى وتقديرى.
وكان الإهداء الرقيق الذى خطه الصديق الكاتب والروائى ناصر عراق لأول نسخة من كتابه الجديد «السينما المصرية ـ 50 عاما من الفرجة» من أرق وأصدق ما قرأت من إهداءات. لكن، كل ما سبق كوم، والهدية الثمينة الغالية التى أرشدنى إليها ودلنى عليها، وهى نسخة من الكتاب التوثيقى الفخم، الضخم، «أم كلثوم فى أبوظبى»، كوم آخر!
هذا كتابٌ لا يقدر بمال! ليس فقط لفخامة وأناقة إخراجه وقطعه وورقه المصقول ولا ثمانته البصرية الباذخة إنما فى المقام الأول لقيمته التاريخية الكبرى؛ كتاب يوثق لحالة فريدة ورائعة، حينما يقدر الحاكم الواعى المستنير (المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان؛ عاشق مصر والمصريين) قيمة الفن والإبداع والقوة الناعمة فى شخص أبرز ممثليها ليس فى مصر وحدها إنما فى العالم العربى كله، وهى سيدة الغناء العربى، العظيمة أم كلثوم. هذا الكتاب وقصته ومحتواه وإخراجه وصوره النادرة، وتحية كل من شارك أو ساهم فى إخراجه، يستحق مقالا مفصلا ومستقلا.
أخشى أن تخوننى الذاكرة، ويفوتنى أن أشير إلى الكثير والكثير مما عشته ومن التقيته؛ كانت أياما عامرة بالخبرة الإنسانية الوافرة، والمشاعر الصافية النقية، وعامرة بمعارف متبادلة وإنشاء صداقات جديدة تشرفت بها؛ وإذا لم تكن الغاية من إقامة المعارض والمهرجانات والفعاليات الكبرى إلا هذه الغاية؛ اللقاء والحديث وتبادل الخبرات والمعارف، لكان ذلك، وحده، كفيلا بالمداومة والانتظام على إقامة مثل هذه الفعاليات والتجمعات الثقافية الرفيعة.
لعل من الواجب أن أتوجه بالشكر والتهنئة لإدارة معرض أبوظبى الدولى للكتاب وللقائمين عليه، على نجاح الدورة المنقضية، وعلى تجمع هذا الحشد الرائع من الضيوف والنخبة الرفيعة من كل أنحاء العالم، ولا أظن أن هناك من يختلف أو ينكر أن المعرض، حقيقة، قد صار قبلة جذابة وحقيقية لكل ذى إسهام جاد فى الثقافة الإنسانية؛ محليا وعربيا وعالميا.