استكراه القادة.. دروس من التاريخ - ناجح إبراهيم - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:32 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

استكراه القادة.. دروس من التاريخ

نشر فى : السبت 11 أكتوبر 2014 - 7:55 ص | آخر تحديث : السبت 11 أكتوبر 2014 - 7:55 ص

قال رسول الله فى حديثه الشهير «إن الله كتب عليكم الحج فحجوا» فانبرى رجل من الحاضرين يلح عليه ثلاث مرات بسؤال يضر به نفسه والأمة الإسلامية كلها فيقول: «أفى كل عام يا رسول الله» فيمتنع النبى عن إجابته وهو يكرر السؤال ثلاث مرات، وكأنه يستكره الرسول على أمر أو إجابة لا يريدها.. فلما ضجر منه الرسول رد قائلا: «لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم».

هذا السائل يمثل فريقا من المسلمين فى كل عصر يريد أن يشدد على نفسه وعلى الناس.. وقد يسعد بهذا التشديد.. ويظن أنه يعنى القوة فى الدين.. وقد يرفض التيسير على نفسه أو جماعته أو أمته أو حتى الأجيال القادمة.

ولكن الرسول الرحيم بأمته والذى يدرك ضعف قدرات الناس وقلة إمكانياتهم ويدرك أن الضعيف أمير الركب.. ويعلم أن أمته سوف تبلغ آفاق الدنيا كلها.. فبعضها سيأتى من الصين شرقا أو أمريكا غربا وجنوب أفريقيا جنوبا والولايات الإسلامية فى روسيا شمالا.. ويشق على هؤلاء الحج مرة واحدة.. فكيف لو كان كل عام؟.. وكيف سيجتمع المسلمون جميعا فى هذا المكان الضيق فى كل عام حينما يتجاوزون المليار.. كل ذلك وغيره أدركه الرسول بحكمته وعبقريته.. ولم يدركه هذا السائل لأنه لم يكلف نفسه باستشراف المستقبل.

وهكذا ينبغى أن يكون نظر القائد فهو يقرأ الماضى قراءة صحيحة ويقرأ الواقع قراءة صحيحة ويستشرف المستقبل استشرافا دقيقا .. والقائد الذى لا يحسن هذه الثلاثة لا يصلح قائدا.

ولو تأملنا تكرار السائل للنبى وإلحاحه عليه فى المسألة لوجدناه نموذجا يتكرر دائما حتى فى الحركة الإسلامية المعاصرة، بما يمكن أن نسميه «الاستكراه الأدبى للقادة والدعاة» وهذا حدث مع الرسول فى غزوة أحد.. فقد قرر الرسول ومعه كبار القوم من ذوى الخبرة العسكرية أن يقاتلوا المشركين داخل المدينة ويتحصنوا بها.. وكان هذا الرأى صائبا ودقيقا إذ إن القتال داخل المدن يمثل دفاعا ذاتيا للذى يأوى إليها ويخصم من قوة العدو المهاجم العسكرية.. ولكن شباب الصحابة المتعجلين للشهادة ممن فاتهم شهود غزوة بدر كانوا متحمسين لقتال المشركين فظلوا يمارسون ضغوطهم على الرسول بكل السبل الأدبية والمعنوية حتى رضخ لرأيهم وخرج بجيش المسلمين من المدينة فوقعت الهزيمة والقتل فى خيرة أصحابه.

سرحت بخيالى طويلا وتذكرت كيف أن الشباب المتحمس عادة ما يدفع الدعاة والقادة إلى الصدام مع الدولة.. ويستكرههم أدبيا ومعنويا.. وقد يصف بعض هؤلاء بالجبن والخور والركون إلى الدنيا.

وهذه الإهانات والسخافات عادة ما تطال كل من ينادى بالصلح وإصلاح ذات البين، أو وقف الصراع أو حقن الدماء.. فتنهال عليه الشتائم وتطاله اللعنات.. مع أن معظم الذين يشتمونه لم يجربوا السجن عاما واحدا فى الوقت الذى يكون فيه هذا الرجل قد قضى فى السجن عشرات السنين عاش فيها شامخا رجلا.. وهذا تكرر مع كثيرين ومنهم الشيخ عبود الزمر، الذى نادى بالمصالحة وحقن الدماء، فلم يرحم هذا الشباب سنه ولا بذله وأوسعوه شتما وسبا .. وما حدث معه حدث مع د/ راغب السرجانى، الذى كان يحمله شباب الإخوان فوق رءوسهم، وكان أكبر المؤيدين للدكتور/ مرسى أثناء الانتخابات، ومن خطباء رابعة، فلما كتب عدة مقالات تدعو إلى الاعتراف بالواقع ووقف الصدام مع الدولة، أوسعه الشباب شتما وسبا وطعنا فى دينه.. وما حدث للاثنين تكرر مع آخرين.

لقد ذكرنى ذلك كله بقضية الفنية العسكرية، تلك القضية الشهيرة، التى حاولت فيها مجموعة من طلبة الفنية العسكرية اعتقال أو اغتيال الرئيس السادات، حينما كان يلقى خطابا فى مجلس الشعب دون أن تدرك عواقب ذلك.. خاصة أن الرئيس السادات كان قد صنع قبلها بعام أكبر نصر مصرى عربى إسلامى على إسرائيل فى السادس من أكتوبر.. وكان يقود هؤلاء صالح سرية وهو ضابط عراقى سابق، كان يعمل فى الجامعة العربية.. وكان رافضا لهذا العمل ومترددا فيه.. ولكن هذا الشباب الغر الذى لم يفقه الدين ولا الحياة ولا السياسة جيدا ظل يلح على الرجل ويستكرهه عليه حتى وافق على هذه المحاولة وكانت النتيجة مأساوية.

ولذا ينبغى على دعاة وقادة الحركة الإسلامية ألا ينساقوا وراء انفعالات الشباب وحماستهم المجنونة التى تخرق أحيانا كل القواعد وتتجاوز كل الأعراف وتهمل فقه المآلات والنتائج وتغفل عن فقه المصالح والمفاسد. إن أزمة بعض الشباب الذى يندفع فى الصدام مع الدولة أو الصراع السياسى معها أنه لا يفرق عادة بين الحلم والحقيقة.. وبين الأمانى والواقع.. وبين الممكن والمحال.. وبين إمكانياته وإمكانيات خصومه.

التعليقات