فى زمن الانفتاح الاقتصادى كانت الأدوار التى جسدها نور الشريف منذ منتصف السبعينيات تمثل رجل الانفتاح الذى يتم صعوده اجتماعيا لينتقل إلى طبقات أعلى من الناحية الاقتصادية ما يعبر عن التحول الحاد جدا فى حياة المصريين، ومن أبرز تلك الأفلام «أهل القمة» و«زمن حاتم زهران» و«الحب وحده لا يكفى» وفى هذه الأفلام وغيرها تمردت الشخصيات التى جسدها نور الشريف على الوضع الاجتماعى الذى ينتمى إليه، لكنه فى الغالب لا يهنأ به، وبسبب طموحه فإنه يفشل فى البقاء فى قمة المجتمع مثلما حدث فى «المرأة الأخرى» إخراج أشرف فهمى، و«شلة الأنس» إخراج يحيى العلمى عام 1976 أما أفلام الثمانينيات فقد حقق فيها رجال الأعمال الانفتاحيون جميع أحلامهم مثل «زمن حاتم زهران»
تبدأ أحداث فيلم «المرأة الأخرى» لأشرف فهمى 1978 بعودة محمود من الولايات المتحدة بعد أربع سنوات، حصل خلالها على الدكتوراه، وبينما استقبله أهل منطقته بالترحاب، فإنه عبر لابنة عمته هدى عن صدمته الحضارية فى حال المنطقة التى يسكنان فيها، وحدثها عن أحلامه بعمل مشروع استثمارى سرعان ما ساعدته فيه هدى المعيدة فى الجامعة.
بدت هدى نموذجا لبنت البلد المحبة المخلصة، بجمالها الهادئ، بينما ظهرت سعاد فى حياة محمود، وهى ابنة لواحد من كبار المستثمرين فى مصر، فتاة لا يمكن إخفاء ما تتمتع به من حسية وشهوانية، وسرعان ما يقع محمود فى شباكها، وبالطبع فإن هدى تتلقى الصدمة، لكنها لا تفقد اتزانها إذ تظل إلى جوار محمود تساعده فى مشروعه، ومن المهم عمل مقارنة بين الدورين المتشابهين اللذين لعبهما الممثل فى فيلمى «شلة الأنس» المأخوذ عن قصة للدكتور مصطفى محمود، وبين الشاب الطموح فى
«المرأة الأخرى»، ففى الفيلمين المرأة الأخرى تتمتع أسرتها بثراء ملحوظ، وتتمرد على زوجها القادم من منطقة شعبية، وفى الفيلمين أيضا هناك فتاة من طبقته الفقيرة، أهملها من أجل الانتماء لطبقة الأغنياء، وفى الفيلم الأول فإن طالب الطب يفقد جارته المحبة عذريتها، وينسى ما فعله تماما فى خضم صعوده الاجتماعى وحاول الرجوع إليها بعد فشل الزواج، إلا أنه يصل متأخرا فى وقت لا ينفع الندم، أما فى «المرأة الأخرى» فإن محمود يلتقى سعاد أثناء رحلة عمل إلى النمسا، وبعد فترة قصيرة جدا يعلن لها أنه يحبها، وسرعان، ما يتزوجان، فى هذا الفيلم فإن سعاد تخون زوجها مع واحد من معارفها القدامى هو عادل، ولم يكن الفيلم فى حاجة إلى التفصيلات، فالهدف واضح، وسرعان ما سوف تكتشف هدى أمر الخيانة، عندما تشاهد الزوجة تقبّل عادل، كما أنها لن تتاخر فى أن تخبرها أنها تعرف أمر الخيانة كى يدخل الفيلم فى أمر المؤامرات التى تنكشف أيضا بالبوح
فى الفيلمين فإن الشاب الطموح سوف يصعد إلى طبقة أعلى، وسرعان ما يسقط منها، وفى الفيلمين هناك شخص آخر يكن الحب للحبيبة الأولى، هو مستعد أن يغفر للفتاة خطيئتها، وأن يتزوجها، مثلما فعل ليمو العجلاتى فى فيلم
«شلة الانس»، فعل الدكتور على فى «المرأة الاخرى»، حيث هناك إشارة تحذير تتكرر إلى الشباب الطموح فى تلك الفترة أن يفكر فى التمرد على الطبقة التى ينتمى إليها، والاشارة أن بنات المستثمرين دوما لاهيات ومن الصعب عليهن أن يكن زوجات، ولذا فإن الشاب الطموح سوف يسقط حتما، ويبدو ذلك واضحا فيما قالته سعاد لزوجها، وهو يغادر منزلهم الفخم» انت انتهيت خلاص»، وتبدو النهاية بالغة القسوة حين يتصور الشاب أنه سيعود ليجد الطريق البديل متاحا، فإذا به يفقده أيضا، باعتبار أن هدى كانت السبب الأساسى للصعود المهنى لمحمود، فهى التى افترشت له المكتب، وساعدت فى تأسيسه، وحفظت الملفات، وحافظت على الاسرار، أما الزوجة ابنة الأثرياء فهى التى خانت، وخططت لتسريب أسرار زوجها إلى عشيقها، بالاضافة إلى مضاجعة العشيق.
الفيلم الذى نتكلم عنه كتبه الشاب آنذاك أحمد عبدالوهاب، والمخرج المنتج حسن رمزى، وكما أشرنا إلى مقارنة مع أفلام أخرى فإن هناك اعتناء بالأوصاف الحادة لدى الأشخاص، وكما نرى فإن هدى هى ملاك بشرى مجسم، بالغة النقاء والطيبة، وهى تحب ابن عمها، وتصبر على ما يفعله، وتقابل كل ذلك بتفان شديد، وكما نرى فإنها لن تتغير أبدا، حتى وإن تزوج ابن عمتها من امرأة قابلها بشكل عابر وهى ابنة رجل بالغ الثراء جسده عماد حمدى ايضا الذى جسد الدور المشابه فى «شلة الانس»، وفى الوقت الذى لا تتغير الفتاة فى مشاعرها، فإن الفيلم يضع محمود فى مواجهة سعاد التى لم نرها تتصرف بمسئولية قط، لمجرد أنها ابنة رجل ناجح، والمفروض بالطبع ألا نعترض على سلوك الأشخاص كما تقدمه الأفلام، لكن سعاد هى الوجه المناقض تماما لهدى، والسيناريو يصوغ التصرفات السيئة المتكاملة لنتعاطف مع الأولى مقابل كراهية الشخصية الثانية، وفى البداية تبدو سعاد مناسبة لطموح محمود الذى سيبقى غافلا تماما لولا أن تحكى له هدى الحقيقة، وفى السيناريو هنا أن سعاد لا تنال جزاءها بل إنها تبدو متمردة وشرسة، تصرخ فى زوجها الذى صفعها وهو يغادر الدار، كى يذهب إلى ابنة عمته، فيجدها قد صارت لرجل آخر وينتهى الفيلم والشاب فى سيارته يعتصر آلامه
فى تلك الفترة قامت نبيلة عبيد بدور الخائنة أكثر من مرة، فى «وكان الحب» و«الحب والصمت»، و«رحلة داخل امرأة» ثم «ولا يزال التحقيق مستمرا»، وكما نرى فإن أداء مثل هذا الدور يتطلب ممثلة تجيد الاغراء والرقص، وقد بدت فتنة المرأة فى ملابسها أيضا، كما ان هذا النوع من النساء ينتمين إلى طبقات اجتماعية ميسورة، وفى «المرأة الأخرى» تمثلت هذه السمات فى شخصية سعاد، التى تعتبر صاحبة غواية، فعندما تأخر الزوج عن الحضور من باريس ليلة احتفالها بعيد زواجهما الأول سرعان ما اتصلت بأفراد شلتها الذين جاءوا إليها حاملين المشروبات، ينطلقون راقصين ومن بينهم عادل الصديق القديم الذى عاود الظهور فى حياتها، ومن المتعارف عليه أن هذا النوع من الأدوار يتيح لصاحبته الفرصة لإظهار موهبتها، وكان أشرف فهمى أبرز من فعل ذلك فى التاريخ السينمائى للممثلة.
من المهم جدا الحديث عن ممثلة كان ظهورها الأول فى فيلم «حياة خطرة»، إنها ليلى جمال وهى تمثل نموذجا للجمال الانثوى الجديد، وقد رأيناها فى أفلام عديدة فى أدوار صغيرة منها
«أبو ربيع» و«العذاب امرأة»، وانا لم أخصها بالحديث من حيث المكانة الفنية التى تركتها سواء كممثلة ومطربة، لكن للأسف فإننا فجأة رأينا الشيخوخة والبدانة تزحفان إليها كأنها أكبر من سنها بسنوات، وترحل عن عالمنا بينما بطلات الفيلم اللائى سبقنها لا يزلن رشيقات مهما كان الأمر، ما يعنى أن الممثل فى حاجة ماسة إلى رعاية نفسه».