ينحدر من أسرة كريمة مشهورة بالوسامة والشجاعة والخلق الكريم فابن عمه أحد أبطال الصاعقة المصرية وأحد تلاميذ الشهيد العظيم إبراهيم الرفاعى المرحوم العميد/ رفعت الزعفرانى، وابن عمه الآخر أحد شهداء الصاعقة أيضا فى حرب أكتوبر، أعطى الله هذه الأسرة بسطة فى الجسم وحظا وافرا من الجمال مع حياء وعفة عرفت به هذه البلاد «السالمية بكفر الشيخ».
واحد من أوائل من انتسبوا للتيار الإسلامى فى السبعينيات، أدرك سريعا أخطاء شكرى مصطفى والتكفير وكان من أوائل من رد عليه شخصيا وعلى أتباعه، كان نقطة التحول الفاصلة كلمات قالها له أحد العلماء الذين أحضرهم اللواء فؤاد علام لمناقشة فكر التكفير فى سجن القلعة، أدرك من كلماته الواضحة البسيطة ضلال الفكر التكفيرى.
سخر حياته للرد عليه وتفنيده، كان يراه أصلا من أصول الشرور، وكانت له لفتات جميلة فى التحذير من فكر التكفير، وكان يردد حتى فى مجالسه الخاصة أن فكر التكفير هو الذى دمر الخلافة الراشدة وأزالها بقتل الخليفة العظيم على بن أبى طالب على يد التكفيرى ابن ملجم والذى كانت حجته أن إمام الهدى وصاحب رسول الله ــ الذى نام فى مكانه وزوج ابنته الذى شهد كل غزوات النبى ببسالة وشجاعة ــ لا يحكم بما أنزل الله.
كان يحب أصدقاءه ويهتم بهم ويسأل عنه، لا يصطدم بأحد حتى لو اختلف معه فكريا، كان خلوقا مهذبا، «لا يخرج منه العيب» كما يقول المصريون، لا يتجاوز مع أحد فى أى حديث مهما أختلف معه، يحتفظ بمساحات الود مع كل التيارات الدينية إلا التكفير فإنه كان يرى إنهم محنة الإسلام فى كل عصر.
كان يرى أن المخلص سيرده إخلاصه إلى الصواب.
كان يرى أن الأزهر هو حائط الصد الأول والأخير للدفاع عن الإسلام ليس فى مصر ولكن فى العالم كله، كان يكره من يهيل التراب على الأزهر عامدا أو جاهلا.
كان وسطيا يكره المتطرفين والمفرطين معا، هاجم أولئك الذين يريدون تحويل ثوابت الدين إلى شىء هلامى لا تعرف أوله من آخر.
كان يدرك حجم الهجوم على الدين والإسلام من أطياف عدة ويعيب على من يعطيهم الفرصة تلو الأخرى، ويرى أن ترك الفرصة للهجوم على ثوابت الإسلام ــ والإسلام وحده ــ خلل فى الأمن القومى، وأنه يمنح الذريعة تلو الأخرى للتطرف والتكفير والعنف، وأن ترك أولئك الذين يشتمون الإسلام وثوابته وصحابته وعلماءه ويتجرءون على كبار الصحابة مثل أبى بكر وعمر وخالد بن الوليد هو خلل فى فهم الأمن القومى قبل الخلل فى إدراك أهمية ثوابت الإسلام، وأن الإسلام هو الدين الوحيد الذى يسمح معه بذلك من أناس معروفين بأجنداتهم ومصالحهم دون فرصة للرد عليهم، وأن التطرف العلمانى أو نشر الإلحاد سيقابله إن عاجلا أو آجلا تطرف وعنف دينى.
ويرى أن إشاعة السكينة الدينية واجب وطنى قبل الدينى وأن التطرف العلمانى وهدم ثوابت الإسلام يسبب ما أسماه «الفوضى الدينية» وهى نذير الشؤم والخراب الدينى والوطنى.
كان يرى خدمة الإسلام والناس من خلال البرلمان ولكنى نصحته مرارا بالابتعاد عن هذا الطريق دون جدوى فكان يكرر الترشح مرات دون أن ينال حظا من النجاح، كان يتعرض للخديعة تلو الأخرى من هؤلاء وهؤلاء، ويخير بين الوعد والوعيد، وأقول له: أنت فقير ادخر مالك لأولادك فما زال بعضهم يحتاجك.
كانت تأسره تجربته فى الحكم المحلى حيث خدم المئات، ولم يتربح من ذلك شيئا، خدمات ليل نهار بعفة وتجرد رغم أن المجلس المحلى وقتها كانت رائحة فساده تزكم الأنوف، وعموما الحكم المحلى لم يستطيع أحد فى كل العصور لجم فساده فهم أساتذة فى التحايل على القانون والالتفاف عليه، والغريب أن أعضاء المجلس المحلى بالإسكندرية أحبوه لعفته وأخلاقه ورقته.
كان يحب السادات ويراه أفضل حكام مصر، وكان يرى أن التيار الإسلامى لم يحسن قراءة عقل وفكر السادات، وأنه لم يكن على مستوى المسئولية تجاهه، ولا على مستوى فكر السادات، وأن السادات صحح أخطاء ناصر، وكان أكثر ذكاء وتريثا وحكمة منه، وكلاهما كان وطنيا يحب مصر والعرب والإسلام المرحوم خالد الزعفرانى لم يكن يعرف الكلمة النابية، وكان يقول إن أهم كلمة سمعها من اللواء/ فؤاد علام هى «أن وجود الجماعة الدينية فى ظل الدولة هى أخطر بدعة ابتدعها الإخوان فى العصر الحديث، وحذا الجميع حذوهم مما تسبب فى كل هذه المخاطر والأهوال للفريقين».
وكان يرى صحة هذه العبارة وكان يرى أن اللواء/ علام من أكثر الضباط فى الداخلية الذين يجنحون للسلم والحوار والنقاش الهادف المعمق، وكان يرى أن اللواء أحمد رأفت لن يوجد له مثيل، وأن مبادرة منع العنف هى أعظم حسناته وكان يحب المرحوم/ كرم زهدى جدا ويحبنى كذلك على المستوى الفكرى والإنسانى ويحب أولادى وخاصة ابنتى الصغرى التى كانت تمازحه دوما «ازيك يا شيخ زعفران» فتطيب نفسه بالابتسامة لذلك ويدعو لها، فقد كان غاية فى الرقة والإنسانية وتأسره الكلمة الطيبة والموقف النبيل والصحبة الجميلة ــ وقد أنجب بنات صالحات وناجحات فى حياتهن العامة والخاصة وآخر أولاده الذين تخرجوا ولم يتزوجوا د/ أروى والتى صاحبته فى مرضه الأخير وبذلت معه جهدا كبيرا طبيا وإنسانيا، وابنه عبدالرحمن بكالوريوس التجارة.
والمرحوم الزعفرانى عاش فقيرا ومات فقيرا رغم يسر عائلته، وزاده السرطان عوزا؛ حيث اجتاحه فى البداية عن طريق اللميف خلف الحنجرة فأزاله جراحيا وخضع للكيماوى، وما أدراك ما الكيماوى؟ إرهاق وعنت طبى ونفسى ومالى، ثم إذا به يجتاح الكبد والبنكرياس ويدور دورته الفاحشة المجرمة حتى اجتاح الكبد كله دون أن يستطيع أمهر الأطباء ردعه.
السرطان عقدة مصر والعالم لا يترك المصرى حتى يحطمه ماليا وبدنيا ويفجع أسرته، الزعفرانى مات مبطونا ليدخل ضمن من عدهم الرسول «ص» من الشهداء «المبطون شهيد» وللأسف كل يوم نفجع فى مبطون شهيد من جولات عاتية لسرطان الكبد والبنكرياس.
رحم الله الشيخ خالد الزعفرانى، وخالص العزاء لأسرته ومحبيه، ورزقهم الصبر والسلوان.