مستقبل صناعة البرمجيات - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 9:48 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مستقبل صناعة البرمجيات

نشر فى : السبت 12 سبتمبر 2020 - 7:50 م | آخر تحديث : السبت 12 سبتمبر 2020 - 7:50 م

ظهرت أول لغة برمجة (وهي لغة الفورتران) سنة 1957 وكان ذلك إيذاناً ببدء عصر جديد في علوم وهندسة الحاسبات. جون باكوس (John Backus) من شركة "أي بي أم" هو من صمم تلك اللغة وقد قوبل طلبه بتمويل مشروعه الذي هو إنشاء لغة برمجة بالرفض من إدارة الشركة مرتين قبل أن يوافقوا في الثالثة فلم يكن أحد يتصور في تلك الفترة أهمية وجود لغة للبرمجة. قبل الفورتران كانت برمجة أجهزة الكمبيوتر (وكانت أجهزة عملاقة تحتل دور أو عدة أدوار من مبنى) تتم باستخدام ما يسمى بلغة الآلة وهي صعبة على غير المتخصصين وكانت تأخذ وقتاً طويلاً جداً في كتابتها ناهيك عن تصحيح الأخطاء التي قد ترد في البرنامج. بعد إنشاء تلك اللغة الجديدة آنذاك الفورتران إنخفض وقت برمجة أجهزة الكمبيوتر إلى النصف. مع تطور أجهزة الكمبيوتر وبدء استخدامها في مجالات مختلفة إنتبه علماء الحاسبات إلى أهمية لغات البرمجة وأصبح تظهر على الساحة لغات برمجة جديدة كل عدة أشهر حتى أصبح الآن عندنا مئات من لغات البرمجة. هذا عن الماضي، فماذا عن الحاضر؟ والمستقبل؟

الآن أصبحت أجهزة الكمبيوتر مختلفة تماماً من حيث الحجم والقوة وطريقة العمل. هاتفك المحمول يحتوي على كمبيوتر أسرع من أقوة جهاز كمبيوتر في العالم في ثمانينات القرن الماضي. أجهزة الكمبيوتر الآن أصبح أغلبها من النوع الذي يعمل بالبطارية (ساعتك الذكية، المحمول، اللابتوب إلخ) وهذا معناه أنك عندما تكتب برنامج لتلك الأجهزة فيجب أن تأخذ في إعتبارك الطاقة التي سيستهلكها هذا البرنامج. في الماضي كان المهم أن يكون برنامج الكمبيوتر صحيحاً أي نثق في نتائجه، ثم أصبحت الدقة وحدها ليست كافية بل السرعة أيضاً. الآن يجب أن يكون البرنامج دقيقاً وسريعاً ويستهلك أقل قدر من الطاقة مما يستلزم قدرات علمية من المبرمج أعلى بكثير من الماضي. هذه قد تكون مفاجأة لأن أغلب المبرمجين يعتقدون أن الطاقة المستهلكة خارج إختصاصهم لأنها تعتمد على تصميم الجهاز وبالتالي يقع على عاتق المهندسين وليس المبرمجين. الأمر في الحقيقة يعتمد على كليهما لأن طريقة كتابة البرنامج لها تأثير كبير على كم الطاقة المستهلكة.
الشئ الآخر الذي تغير في أجهزة الكمبيوتر الحالية أنه في الحقيقة ساعتك أو تليفونك لا يحتوون على كمبيوتر واحد بل عدة أجهزة كمبيوترتعمل معاّ وهذا يستلزم نوعاً مختلفاً من البرمجيات. في الماضي كتابة برنامج كانت تشبه تدريب لاعب تنس مثلاً، هو شخص واحد ينفذ تعليماتك. البرمجيات الآن تشبه تدريب فريق كرة قدم، تعطي تعليمات لكل لاعب حسب موقعه وسيلعبون جميعاً معاً وقد يعوق بعضهم بعضاً.
هكذا نرى أن البرمجيات اليوم تختلف كثيراً عن البرمجيات في القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين وتستلزم معرفة أعمق بكثير بعلوم وهندسة الحاسبات.
أين الذكاء الاصطناعي من كل ذلك؟

قد يقول قائل أن الذكاء الاصطناعي الآن أصبح يستخدم في رسم اللوح الفنية وتأليف بعض المقطوعات الموسيقية بل وكتابة مقال كما رأينا مؤخراً فما الذي يمنع من أن يكتب برامج كمبيوتر أيضاً. هناك عدة نقاط يجب أن نذكرها حتى نجيب على هذا السؤال.
أولاً برمجيات الذكاء الاصطناعي نفسها ينطبق عليها ما قلناه عن الطاقة المستخدمة وعن البرمجة لعدة أجهزة مرة واحدة. فنحن مازلنا نحتاج إلى مبرمجين.
ثانياً الذكاء الاصطناعي قد يمكنه المساعدة في كتابة برمجيات الكمبيوتر وتحسينها وتطويرها لكن كتابة البرنامج من الأساس يستلزم أن توجد طريقة نشرح بها لبرنامج الذكاء الاصطناعي ما نوع البرنامج الذي نريده وكيف يعمل، وهذا في حد ذاته نوع من البرمجة وقد تكون في بعض الأحيان أصعب من البرمجة التقليدية.
وأخيراً كتابة برنامج كمبيوتر لا يعني أن نبدأ دائماً من الصفر بل قد يمكننا الوقوف على أكتاف الآخرين واستخدام برمجيات موجودة لبناء برامج أكثر تعقيداً مثل قطع البازل. البرمجة ليست مجرد استخدام لغة ما لإعطاء أوامر لأجهزة الكمبيوتر بل يدخل فيها فنون أخرى مثل كيفية توفير الطاقة مع الوصول للسرعة القصوى بل وكيفية كتابة برنامج لا يعطل حتى لو حدثت بعض الأعطال في جهاز الكمبيوتر نفسه وهذا نحتاجه جداً في أماكن مثل غرف العمليات في المستشفيات وفي المواقع الحربية. هناك أيضاً فن كتابة برامج يصعب إختراقها.

إذا الدقة والطاقة والسرعة وعدم التعطل وصعوبة الإختراق هي صفات البرمجيات الحديثة ويجب تنفيذها على أجهزة الكمبيوتر الحديثة المختلفة عن الماضي. يجب أن تضع كليات الحاسبات والمعلومات والهندسة هذه الأمور صوب أعينها وهي تطور مناهجها. ويجب أن ينتبه لها المبرمجون في سوق العمل اليوم ويطوروا من أنفسهم.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات