جامعة هارفارد هى أقدم وأعرق الجامعات الأمريكية وإحدى أقدم وأفضل جامعات العالم، وهى أكبر جامعة فى العالم من حيث المساحة والتجهيزات، وتقع فى مدينة كامبردج بولاية ماساتشوستس، أسسها القس البروتستانتى جون هارفارد 1636 لتناظر جامعتى كمبردج وأكسفورد ببريطانيا، وترتيبها الخامس عالميا من حيث صعوبة القبول فيها، وتخرج منها خمسة رؤساء أمريكيين سابقين.
أما الأفذاذ الثلاثة المصريين الذين تخرجوا من هارفارد وحصلوا على الدكتوراه منها د. رشدى سعيد أعظم علماء الجيولوجيا المصريين، وهو أول خريج مصرى منها، والعلامة د. أحمد جمال موسى «رمز العلم والخلق والتواضع» ووزير التعليم فى عهد مبارك، والعلامة الجامع لصنوف العلم د. إسماعيل سراج الدين «مدير مكتبة إسكندرية السابق».
أما أشهر المصريين الذين لم يتخرجوا منها ولكنهم حصلوا على الدكتوراه منها د. كمال أبو المجد ود. أسامة الباز.
وهى الأولى على قائمة أفضل 100 جامعة فى العالم متقدمة على كامبردج وأكسفورد.
ومن أشهر خريجيها جون آدمز، الرؤساء الأمريكيون روزفلت وكنيدى وأوباما، بيل جيتس، مارك زوكربيرج «مؤسس موقع فيس بوك» عزيزة الهبرى المدافعة عن حقوق المسلمين فى أمريكيا.
وتمنح جامعة هارفارد بين الحين والآخر الدكتوراه الفخرية لشخصيات بارزة عالميا على المستوى السياسى أو الفكرى أو الاقتصادى أو العلمى، وقد منحتها قريبا للمستشارة الألمانية انجيلا ميركل وحشدت لها خريجى هذا العام فى محاضرة جامعة حضرها عشرون ألف خريج، قدمت لهم ميركل فى 35 دقيقة وصفة عالمية للنجاح وللتحول عن الفشل للنجاح، ضاربة المثل ببلادها التى انتقلت من النازية والشيوعية إلى الحرية والديمقراطية والسلام.
وميركل أول مستشارة لألمانيا طوال تاريخها، وكانت تتمنى أن تكون معلمة، ولكن والدها كان قسا مما أعاقها عن التدريس فى بلد شيوعى يكره الأديان مثل ألمانيا الشرقية التى نشأت فيها.
وحظيت كلمتها بموجة كبيرة من التصفيق والإعجاب فلم تكد تكمل الجمل الأولى من خطابها حتى علا التصفيق داخل حرم جامعة هارفارد.
يمكننا أن نضع هذا العنوان للمحاضرة «إذا هدمنا الجدران بيننا يصبح كل شىء ممكنا» أو «نحن بحاجة إلى التفكير والتصرف الجماعى لا الأحادى».
تحدثت عن درسها الأول قائلة: إن الديكتاتورية هى التى هدمت ألمانيا وأخرتها سواءً فى عهد النازى أو فى ألمانيا الشرقية الشيوعية، وخلصت أن الديكتاتورية والاستبداد يضيعان الأمم، وأن أوروبا لم تتقدم إلا بفضل قيمتين عظيمتين هما «الديمقراطية والسلام» وبهما عبرت أوروبا الحروب والديكتاتورية وحققت لشعوبها التقدم والرخاء والحرية والكرامة.
ثم أطلقت صيحتها المدوية فى درسها الثانى: «لا شىء مستحيل وأن التغيير قادم لا محالة «فمن كان يتصور زوال الحكم الشيوعى» فلا شىء مستحيل «وما تظنونه حائط سد لا ينفذ منه الضوء سوف ينكسر، فتمسكوا بالأمل ولا تيأسوا».
وتحدثت عن الدرس الثالث الذى خرجت منه فى حياتها الصعبة وهو القيم الإنسانية الواجب احترامها» مثل ترك التفكير الأحادى الضيق الأنانى وأن يحترم كل منا الآخر، يحترم دينه وتاريخه وهويته وثقافته وأن نعيش بعقلية تعددية يحترم معها كل واحد خصوصية الآخر.
أما الدرس الرابع فى حياتها فهو التوحد والوحدة وهى التى ستحول دون عودة الصراعات والحروب» وضربت المثل بأوروبا الموحدة وكيف كان حالها حينما كانت كل دولة تعمل منفردة، وكيف ساد الصراع واندلعت الحروب بينها، فالاتحاد رغم ما يقال عن مشاكله أفضل من العمل المنفرد وانعزال كل دولة وانكفائها على نفسها.
ثم تحدثت فى الدرس الخامس عن التكنولوجيا وهل هى تسير الإنسان أم أننا الذين ينبغى أن نسيرها ونطوعها وفق ما نريد لحياتنا، علينا ألا ندع التكنولوجيا تتحكم فينا وفى علاقتنا مع أنفسنا والآخرين، وعلينا ألا نكون أسرى لديها.
ثم ختمت دروس حياتها قائلة: إننى بعد ثلاثين عاما من العمل أدركت أن كل بداية لها نهاية، وكل ليل يعقبه نهار، لا تصفوا الكذب بأنه حقيقة، ولا الحقيقة أنها كذب، فسوف تبدأون حياتكم العملية بعد التخرج، والحياة هى المسافة الفاصلة دوما بين البدايات والنهايات.
وكأنها تشير إلى أنها كانت تعمل وهى صغيرة «جرسونة» فى مطعم بأجر زهيد لتساعد أسرتها وكانت تحتاج لهذا الأجر، وكانت والدتها تمنعها أن تخبر أحدا بأن والدها قس فى بلد شيوعى يكره الدين، وأنها اتجهت للفيزياء حتى تجد فرصة عمل بعيدا عن التدريس الذى تحبه ولم تقبل فيه لأن والدها كان قسا.
اهدموا جدران اليأس والخوف.. اهدموا الجدران بينكم وبين الآخرين.. اهدموا الجدران التى تفصل بلادكم عن الآخرين وتحول بينها وبين التعاون مع البلاد الأخرى.
هكذا ختمت محاضرتها وكأنها تخاطبنا نحن العرب والمسلمين وليس خريجى هارفارد.
ما أحوج العرب إلى مثل هذه النصائح الثمينة من امرأة مجربة خبرت الديكتاتورية والديمقراطية والحرب والسلام، والانفصال والوحدة، رأت الجدران العالية ثم شاهدت هدمها بعد تسلقها.. فهل تظلل الديمقراطية والسلام بلاد العرب، وهل ستهدم الجدران العالية بين بلادهم، فالجدران بينهم أعظم وأعلى من الجدران بينهم وبين الذين يحتلون بلادهم وينتهكون حرماتهم، ولله فى خلقه شئون.