اعرف جمهورك: مبدأ من أهم مبادئ التواصل، سواء كان التواصل بغرض الإعلان أو التوعية أو أيًا كان، فمبادئ التواصل واحدة ويجب على أى شخصية عامة التعرف عليها والاحتذاء بها. فالرسالة الإعلامية أو الترويجية أو التوعوية تكون موجهه لجمهور المنصة التى تتم بث الرسالة من خلالها ولذا فيجب أن يخاطب المتحدث ذلك الجمهور باللغة والأسلوب والثقافة التى يفهمهما جمهور المنصة، وتلك اللغة والأسلوب تكونا فى أحيان كثيرة مختلفة عن لغة وأسلوب المتحدث المألوفة والمستساغة لديه.
وجمهور البودكاستر الشهير والإعلامى المشهور جو روجان، مختلف تمامًا عن جمهور الدكتور المرموق زاهى حواس.
برنامج جو روجان يعتبر البودكاست الأكثر شعبية فى العالم، ويتابعه حوالى ٢٠ مليون متابع على يوتيوب– لذا الكلمة الموجهة فى هذا البرنامج لها ثقلها وتوابعها. وحوالى ٥٦ بالمائة من جمهوره تحت سن الـ٣٤، لذا فشعبيته عند جيل الإنترنت عالية وأى ضيف فى برنامجه يجب أن يتحدث لغة هذا الجمهور إن أراد الوصول برسالته إليه. هذا الجمهور لا يثق فى الأشخاص، خاصة مصادر السلطة والأجيال الأكبر منه، ويثق أكثر فى الإنترنت. لذا فكتاب الدكتور حواس - للأسف - لا يعتبر مصدرا كافيا لجمهور اعتاد التشكيك فى أى مسئول، خاصة إن كان حديثه كله حول إنجازاته الشخصية واكتشافاته هو وكتابه.
الدكتور زاهى حواس واحد من أهم المصادر فى علوم الآثار المصرية، ووجهة مشرفة لعلماء الآثار المصريين ومدافع شرس عن المصريين القدامى، ولكن كان يجب على عالمنا القدير معرفة الجمهور المستمع إليه ومذاق هذا الجمهور العام.
هذا الجيل كان سيقدر أكثر بكثير مراجع، مثل الدوريات العلمية المنشورة على الإنترنت، وهذا كان سيكون بالنسبة إليهم مرجعًا يمكنهم التحقق منه بنقرة سريعة على تليفوناتهم المحمولة - على عكس مرجع كتاب الدكتور حواس الذى لن يتمكن لهم الوصول إليه، لأننا نتحدث عن جيل نادرًا ما يشترى كتب مطبوعة أو يذهب إلى مكاتب لقراءة أى مراجع. لذا، فبالنسبة لهذا الجيل، إن كانت المعلومة غير موثقة على الإنترنت فهى غير موجودة.
• • •
روجان لا يعرف كثيرا عن مصر أو المصريين القدامى، ولا عن الأهرامات وبناة الأهرامات، والحلقة التى تحدث فيها عن الفراغ تحت الأهرامات كانت تفتقر دلائل وترتكز على أبحاث فى غاية الضعف وغير موثقة أو منشورة. ولكن شعبيته وثقة الجمهور به كبيرة، وتلك الشعبية تعنى أن صوته أعلى بين جمهور الإنترنت.
نجح روجان أن يصور الدكتور زاهى حواس على أنه عالم لا يرى غير رأيه الشخصى وأنه، كما قال روجان، فى صراع دائم مع الجميع وأن مرجعيته الوحيدة هى نفسه واكتشافاته. وهذه الصورة بعيدة كل البعد عن حقيقة الدكتور حواس الذى أضاف إلى علم الآثار المصرى الكثير وأثراه كثيرا، وكان رسول التاريخ والحضارة المصرية للعالم على مدار عشرات السنوات.
لم يساعد السيجار الذى كان يدخنه الدكتور حواس قضيته: فجيل الإنترنت أوGen Z لا يقدر التدخين، خاصة فى الأماكن المغلقة، فـ ٦٠ بالمائة من الـGen Z لم يدخنوا فى حياتهم أبدًا. ولم يساعده أبدا انفعاله فى حين حافظ روجان على هدوئه التام على مدى الحلقة كلها، حتى عندما قاطعه دكتور حواس عدة مرات. ولم يساعد القضية بتاتا حديث الدكتور حواس أنه العالم الوحيد المنوط بأى أبحاث أو دراسات عن الأهرامات. ولا حينما قال إنه لا يكترث بمصادر الإنترنت ويهتم فقط بما يراه بعينيه؛ فهذا جمهور معظمه لم يزور مصر وربما- أيضًا- لم يسافر أبدًا، وبالنسبة إليه فالإنترنت المرجع الأول والأخير.
• • •
فى مواد الصحافة والإعلام التمهيدية نرسخ فى أذهان طلابنا أن الرسالة الإعلامية تستمد قوتها من الجمهور، فإن لم يستسيغها الجمهور أو لم يفهمها ضاعت هباء، لذا، فالجمهور دائما ما يكون هو محور الكون لأى إعلامى وإن أرادنا الجمهور أن يستمع، يجب علينا معرفته من جميع النواحى: عمره، آراؤه العامة، معتقداته، خلفيته، ما يستسيغ رؤيته وما لا يفضله، كيف يفضل تلقى المعلومة سواء كانت بشكل مرئى أو مسموع، ما يعتبره مصدرًا موثوقًا فيه وما يتشكك فيه. وعادة ما يكون لدى كل مسئول فى الأماكن المرموقة مثل الدكتور زاهى حواس فريق إعلامى منوط بإعداد المسئول للمقابلات الإعلامية، ويكون واجب هذا الفريق الإعلامى تزويده بمعلومات عن المحاور وجمهور البرنامج والأسئلة المتوقع طرحها فى الحديث وتزويده بالمستندات والمراجع اللازمة للاستناد عليها لإثبات وجهة نظره - وعادة لا تكون هذه المراجع مراجع الشخص ذاته فقط، حتى إن كان هذا الشخص أهم مرجع من علماء الآثار المصرية.
الدكتور حواس مرجع مهم وتاريخه يتحدث عن نفسه وغنى عن التعريف، وروجان لا يفقه الكثير عن الحضارة المصرية أو حتى عن العلوم بشكل عام، فهو ذاته الذى روج معلومات كثيرة خاطئة عن مصل الـCOVID-19 وعن طريقة العلاج منه، ولكن - للأسف - جمهور روجان يثق به أكثر من أى عالم. ولم ينجح الدكتور زاهى حواس أن يكسب هذه الجولة للوصول إلى ملايين المستمعين للحلقة لتغيير معتقداتهم الخاطئة عن المصريين القدامى، بداية من الـAfrocentrism وإلى الفضائيين الذين بنوا الأهرامات.
أستاذ مساعد بقسم الإعلام فى الجامعة الأمريكية