الذكاء الاصطناعى ومستقبل النظام الدولى - صحافة عربية - بوابة الشروق
الأربعاء 5 نوفمبر 2025 2:53 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

من يحسم السوبر المصري؟

الذكاء الاصطناعى ومستقبل النظام الدولى

نشر فى : الثلاثاء 4 نوفمبر 2025 - 5:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 4 نوفمبر 2025 - 5:55 م

 فى مقال بصحيفة «لفيجارو» الباريسية، يذهب وزير التربية الفرنسى الأسبق والفيلسوف المعروف «ليك فرى» إلى القول بأن مَن يسيطر على الذكاء الاصطناعى مستقبلًا سيُهيمن حتمًا على العالم. وفى مقاله، يقف «فرى» عند طبيعة الثورة الكبرى التى تعرف الإنسانيةُ حاليًا بدايتَها، مع البوادر الأولى للذكاء الاصطناعى الذى سيكون أكثر خطورةً وتأثيرًا من الثورتين الصناعيتين السابقتين اللتين غّيرتَا مجرى الوضع الإنساني: ثورة البخار وثورة الكهرباء.

وتتعلق ثورة الذكاء الاصطناعى بمحددات كانت تعتبر من خصوصيات البشر الوجودية، مثل العقل واللغة، وقد تجاوزت طاقتُها القدراتِ البشريةَ فى مجالات حيوية مثل القانون والطب والتحرير اللغوى، وغدت تهدد بالفعل طبيعةَ المنظومة التربوية التقليدية وسوق العمل. الجديدُ فى الأمر أن تقنيات الذكاء الاصطناعى دخلت فى الميدان العسكرى، وفى حين لا تزال الولايات المتحدة تسيطر على قرابة 70 بالمائة من القدرات الحسابية العالمية، فإن التنافس الصينى معها أصبح بارزًا، كما أن روسيا دخلت فى السباق، بينما أوروبا لا تحتل سوى 4 بالمائة من الكفاءة الحسابية الدولية. وبطبيعة الحال، فإن موجة الذكاء الاصطناعى تطرح تحديات أخلاقية وقانونية كبرى، هى اليوم مدار جدل واسع فى الديمقراطيات الغربية، لكن الخطر قائم بالفعل على ريادة الغرب فى هذه التقنيات الجديدة، التى هى فى طور تغيير الوضع الإنسانى جذريًا.

وفى دراسة أخيرة للباحثة فى الشئون الاستراتيجية «دورا بابادوبولو» حول الذكاء الاصطناعى من حيث هو «أيديولوجيا تمكينية» لدى الصين، ترى الكاتبةُ أن السلطات الصينية الحالية لا ترى فى تقنيات الذكاء الاصطناعى مجرد اكتشافات تكنولوجية، بل تعتبرها أداة أيديولوجية ونموذجَ حكم بديلًا عن النظام الليبرالى، من حيث التوجيه المركزى وسيطرة الدولة. والغرض من هذه المنظومة التقنية فى هذا الباب هو حفظ النظام الاجتماعى وتكثيف الرقابة العامة، والدخول فى حرب تقنية باردة مع الغرب.

الإدارة الأمريكية الجديدة تنظر بجدية إلى هذا التحدى الصينى، وقد عبّر الرئيس ترامب بوضوح عن عزمه دفع الريادة الأمريكية فى تقنيات الذكاء الاصطناعى، من خلال الاستثمار الواسع ورفع القيود المفروضة على الإبداع والبحث فى هذا الميدان، فأصدر فور تسلّمه السلطةَ فى يناير 2025 أمرًا تنفيذيًا فى هذا الغرض. والمعروف أن رموز التقنيات الجديدة فى الولايات المتحدة دعّموا الرئيسَ ترامب فى الانتخابات الأخيرة، ورأوا فيه الزعيمَ الذى يمكن أن يقود المواجهةَ العالميةَ الراهنةَ حول الذكاء الاصطناعى. ومن هؤلاء الرموز بيتر ثيل الذى تحدث كثيرًا فى الشهور الأخيرة حول التحديات المتولدة عن ثورة الذكاء الاصطناعى، خصوصًا ما يتعلق منها بالسيطرة على مراكز القوة والتأثير فى العالم.

وفى كتابه الصادر مؤخرًا بعنوان «الذكاء الاصطناعى: الاستبدال الكبير أو التكامل؟»، يدعو «ليك فرى» إلى تنزيل هذه الإشكالات الاستراتيجية والحضارية فى صلب التفكير الفلسفى المعمق حول مفاهيم الإبداع والاستقلالية والوعى والمعنى، باعتبار أن هذا التحول التكنولوجى الكبير يستهدف الإنسانَ فى هويته وعالمه الرمزى والدلالى. والسؤال الحيوى هنا هو: هل تستطيع تقنيات الذكاء الاصطناعى فى تطورها المتسارع أن تصل إلى حصن الوعى الذاتى الذى هو مجال التخيل والخلق والشعور، ومنبع الإشكالات الميتافيزيقية الوجودية؟

يرى «فرى» أن التقنيات الرقمية لا يمكنها أن تعوض الميزات الأنتروبولوجية الجوهرية للإنسان، وإن كانت قادرة على إحداث تغيير حاسم على نمط وجوده وثقافته وتجاربه المعيشة. إنها من هذا المنظور المحطة الأخيرة مما أطلق عليه الفيلسوف الألمانى بيتر سلوتردايك «الإنتربو تقنية»، ويعنى بها الآليات المخترعة التى تسمح للإنسان بأن يتشكّل ويعيد تغييرَ نفسه.

ومن هذه الأشكال الأنتروبولوجية التقنية الطقوس الدينية والممارسات الرياضية والمؤسسات التربوية والثقافية، وهى اليوم تأخذ صورةَ التقنيات الرقمية الجديدة التى قضت على المسافة التقليدية بين الإنسان والآلة، وفتحت آفاقًا غير مسبوقة لسباق الهيمنة والسيطرة فى الميدان الاستراتيجى العالمى.

السيد ولد أباه

جريدة الاتحاد الإماراتية

 النص الأصلى

التعليقات