• هذا هو مقالى الثانى حول الصراع السنى الشيعى الذى أعتقد أنه الوحيد الذى أنهى الصراع العربى الإسرائيلى إلى غير رجعة مع بقاء احتلال إسرائيل للقدس والمسجد الأقصى والضفة الغربية وسط حالة مستعصية من الغباء السنى والشيعى وحالة نادرة من الذكاء الإسرائيلى الذى استطاع السيطرة على المنطقة العربية التى قدمناها له على طبق من ذهب دون مجهود يذكر منه.. ووسط حالة من الخسائر الفادحة فى كلا المعسكرين السنى والشيعى والمعسكر الإسلامى والعربى ومكاسب متزايدة للمعسكر الإسرائيلى وكل خصوم العرب والمسلمين.
• ووسط حالة هوان عربى وسنى وشيعى غير مسبوقة.. وفرحة ساذجة لكل معسكر منهما بانتصارات تكتيكية ووهمية على أخيه الآخر ها هنا أوهناك.. فضلا عن الانهيار الكامل لكل المنظومات الأخلاقية فى الصراع السياسى والعسكرى بين الفريقين لتدشن لأسوأ مرحلة فى تاريخ الأمة العربية والإسلامية يتوارى فيها الإسلام العظيم بأخلاقه ومثله العليا التى تمثلت من قبل عند السنة فى أبى بكر وعمر وعثمان وعلى بن أبى طالب وتمثلت عند الشيعة فى على بن أبى طالب والحسن والحسين وآل البيت فلم يستلهم أحد الطرفين شيئا من أخلاق هؤلاء العظماء فى الحرب أو السلم.. ولكنهم استلهموا فقط العصبية الجاهلية وثاراتها وأحقادها ولعل ذلك ظهر جليا فى سلوك داعش والقاعدة والميلشيات الشيعية فى العراق وحصار آلاف السكان المدنيين المسلمين فى سوريا من قبل مسلمين آخرين من حزب الله والحرس الثورى وغيره.
• والآن كما وعدتكم سأكمل التأملات فى نقاط محددة هى كالتالى:
• تاسعا: الإصلاح فى المذاهب صعب جدا.. وتغيير المذاهب أصعب وأشق.. ولذلك فالأجدى والأولى والأيسر والأسهل هو الانتقال من خطاب التقريب بين المذاهب أو تغييرها إلى خطاب التعايش بين أتباعها.
• فالسنة والشيعة وغيرهما من المذاهب والذين يعيشون فى وطن واحد يعانون من أزمة مرور واحدة وأزمة تعليم واحدة وأزمات اقتصادية وبطالة وفساد وبيروقراطية واحدة؛ عليهم أن يفكروا جميعا فى حل هذه المشكلات التى يعانون منها جميعا.. وهذا سيؤدى بالتبعية لتعاونهم وتشاركهم وليس تصادمهم وتحاربهم.
• عاشرا: ينبنى على ذلك الخروج من «أفكار التمايز» إلى أفكار «النفع العام المشترك ».. وأن يعشوا جميعا مع قوله تعالى «وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض» فمن أراد أن يمكث فى الأرض فلينفع الناس ويخدم الناس ويرحم الناس.. دون طنطنة كثيرة بالأيدلوجيات ودون رغبة فى التمايز والتعالى أو فلسفة المفاصلة.
• وينبنى على ذلك الخروج من «ضيق المذهبية والأيديولوجية» إلى «رحابة الإنسانية».. فالأيديولوجيات آفاق مغلقة وهى عادة لا تسع إلا أصحابها.. أما الإنسانيات فهى «آفاق مفتوحة» تسع عادة البشر جميعا وترحمهم وتسعدهم وتجمعهم ولا تفرقهم.
• والدخول إلى «آفاق الإنسانية الرحبة» يجعل أصحاب المذاهب يحترم بعضهم بعضا.. ويرحم بعضهم بعضا.. ويخدم بعضهم بعضا.. ويعيش بعضهم آمنا إلى جوار بعض.
• أما «أفق الأيديولوجية والمذهبية المغلق» فيجعل الإنسان لا يخدم إلا أرباب مذهبه ولا يرحم إلا من على شاكلته ولا يعطف ولا يعطى ولا ينصف إلا من كان معه أو على مذهبه وطريقته.
• حادى عشر: أنه لن ينجح المسلمون فى إطفاء جذوة الصراع السنى الشيعى وكل الصراعات المذهبية إلا بتنفيذ «إستراتيجية الحقيبة السوداء» التى طبقتها أوربا بطريقة ناجحة واستطاعت التغلب بها على كل ميراث الصراع المذهبى بين الطوائف المسيحية والذى دمر أوربا من قبل تدميرا.
• فقد تقاتل البروستانت والكاثوليك قرابة 40 عاما كاملة وقتل فى هذه الحروب المذهبية 40% من سكان أوربا.. وذلك قبل أن تدخل أوربا فى مراحل الحرب العالمية الأولى والثانية.. ولكن الأوربيين فطنوا إلى نظرية «الحقيبة السوداء».. وفكرتها أن تضع فى هذه الحقيبة كل الميراث الأسود للحروب المذهبية وميراثها الدموى وتدفنها فى الأرض ثم تلعن وتطرد وتقصى كل من يقترب من ميراث هذه الحقيبة السوداء.. وهذه النظرية اقتبستها أوروبا من الإسلام الذى نصت الأحاديث فيه على أن: «الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها».
• وبعد دفن حقبة الصراعات المذهبية الأوروبية صعد خطاب التعايش.. يورو واحد.. اتحاد أوروبى متماسك سياسيا وعسكريا.. قطار يربط أوروبا كلها.. طريق يمر بأوروبا كلها.. لا جمارك بين أوروبا.. لا ازدواج ضريبيا بينها.
• يمكن أن تسمى ذلك خطاب التعايش.. وخطاب التعايش أقوى واقعيا وعمليا من خطاب المفاصلة الذى تنتهجه معظم الحركات الإسلامية سواء كانت سنية أو شيعية.. فمعظم هذه الحركات الإسلامية وجماعاتها وميليشياتها وتجمعاتها السنية والشيعية تركز فقط على خطاب «المفاصلة» وهو خطاب سيفصلها عن الحياة ويعزلها عنها تدريجيا حتى تعيش بمفردها.
• والغريب أن كل هذه المذاهب والحركات سواء كانت سنية أو شيعية لا تحسن حتى الآن صناعة ثلاجة أو غسالة أو شبكة اتصالات.. ولم تخترع شيئا ذا قيمة فى العلوم أو فى الطب أو الهندسة أو غيرها.. حتى المسدس أو الكلاشنكوف الذى تتيه به فخرا فى عروضها لا تحسن صناعته.. والغريب أنها تريد التمايز والمفاصلة دون أن تسأل نفسها سؤالا مهما سيوجه إليها: أين عطاؤك الحضارى الذى تعطيه للآخرين إذا انفصلت عنهم؟!
• ثانى عشر: أن صلاح الأمة العربية والإسلامية يكمن فى اجتاز هذه الغمة التى تمر بها يكمن فى أمر إستراتيجى واحد ومهم وهو الصلح التاريخى والكامل بين السنة والشيعة وألا يكون هذا الصلح فكريا وحسب ولكن الذى أقصده هو الصلح السياسى والاجتماعى والإنسانى وأن يتواكب معه تصالح تاريخى بين إيران والعراق من جهة ودول الخليج وتركيا ومصر من جهة أخرى.. ومن أهم أسس هذه المصالحة منع التدخل فى شئون الدول الأخرى أو التمدد على حسابها أو زعزعة استقرارها بأى دعوى أو إنشاء مجموعات سرية تحارب بالوكالة عنها فى دول أخرى، أو إنشاء جماعات مسلحة فى الدول الأخرى تكون أقوى من الدولة نفسها اقتصاديا وعسكريا واستخباراتيا وإن لم يتم ذلك فستزول هذه الأمة وستضيع كل مقدراتها.
• وللحديث بقية فأرجو المتابعة لتكوين فكرة متكاملة عن الموضوع.