موت أكثر من عشرين شابا من جماهير (الوايت نايتس) مطلع الأسبوع الماضى لا يصح أن يُوصف بـ(الحادثة )، ولا أن تُبرر أسبابه بـ(التدافع).... دماء الضحايا أريقت وضلوعهم تهشمت وصدورهم ضاقت وانتهى الأمر... فلنسم الأشياء باسمها إذن.. لقد كانت مذبحة حقيقية بكل المقاييس!
الاستهتار بأرواح المصريين هو العنوان الأبرز، سواء كان القتل متعمدا أو تم بصورة غير مباشرة، المحصلة واحدة فى النهاية...... من ابتكر الطريقة المهينة لدخول الجماهير إلى الاستاد ومن أطلق الغاز عليهم ومن برر بدم بارد ووجه صفيق قتلهم ومن بدأ المباراة واستكملها رغم سقوطهم... كل هؤلاء صاغوا نفس العنوان!
لم أكن أعرف وقت إذاعة المباراة أن لاعبى الناديين ومن قبلهم إدارة الناديين جسرا على اللعب بشكل طبيعى من دون أن يعكر صفوهم الأنباء المتلاحقة عن تزايد أعداد القتلى والمصابين... وحده (عمر جابر) من استحى، وحده من غضب، وحده من امتنع... وحده من تمسك بآدميته!
كنا نتعامل إلى وقت قريب مع الضحايا بالأعداد، نمصمص الشفاه ونضرف كفا بكف للحظات قد تصل بالكاد إلى ساعات، ثم ينتهى كل شىء... أما الآن فالتطور الأخطر أننا ما عدنا نهتم حتى بالأعداد... الدورى أهم.. استمرار الحياة أهم... فلوس الإعلانات بلا شك أهم وأهم!
شباب الألتراس ليسوا مجرمين ولا كانوا يوما، هم ضحايا مجتمع همش شبابه وقتل أحلامهم فى صدورهم، ثم شردهم ونكل بهم لما تجرأوا يوما على المطالبة بحقهم... شباب الألتراس نموذج مصغر اجتمعت فيه معاناة وطن ضاع فيه معنى (الإنسان) منذ أكثر من ستين عاما... شباب الألتراس تجمع فيهم رجولة وانتماء وحماسة وبذل وإخلاص، لو أحسن الوطن استغلالها لكان له شأن غير الشأن ومكان غير المكان!
لن يُحفظ الأمن بتبرير قتل عشرين شابا يافعا لأنهم لم يحملوا تذاكر المباراة، ولن يتحقق الاستقرار ونفس الوجوه الصفيقة الكالحة تبرر السحق وتروج له وتلوم الضحية وتبرئ القاتل والمستهتر والهمجى.
الاستهتار بالأرواح نتيجة طبيعية يصل إليها كل من أمن من العقاب، نريد دولة (قانون) يطول سيف عدالتها الجميع بنفس القدر من الصرامة، نريد دولة (بنى آدميين) يُقدم فيها حفظ نفوسهم على أى اعتبار.