لا يُستساغ عند العقلاء بأى حال أن يُبرر الضرر حتميُ الوقوع على أجيال الحاضر والمستقبل بالضرورة أو الأزمة الآنية، وإنما هذا فقط مسلك ضيقى الأفق الذين هربوا من الموت بردا ًبإشعال البيت على من فيه طلبا ًللتدفئة.
استخدام الفحم كحل يصفه مقترحوه بـ(المؤقت) لحل أزمة الكهرباء، جناية ٌعلى البيئة المصرية دون الحاجة إلى التعويل على شهادات عشرات الخبراء، ليثبتوا الخطر الداهم المترتب على صحة ملايين المصريين حاضرا ًومستقبلا كالذى يفسر الماء بعد العسر بالماء.
قضية (التنمية المستدامة Sustainable Development) لم تشغل أى حيز من تفكير القيادات السياسية المتعاقبة على حكم مصر على الأقل فى الخمسين عاما ًالماضية، وكان نتاج ذلك ما نحياه اليوم من أزمات اقتصادية وبيئية واجتماعية متراكبة... والجناية نفسها نسابق الزمن لتكرارها بحذافيرها فى حق أجيالٍ قادمة.
والتنمية المستدامة فى أبسط صور تعريفها هى تلبية ٌلحاجات الأجيال الحاضرة من تطوير اقتصادى واجتماعى مع مراعاة ألا يؤثر ذلك بأى صورة سلبية على حقوق الأجيال القادمة فى استمرارية هذه التنمية.
التشريع الإسلامى أكد أن البيئة المحيطة بكل ما حوت من موارد وثروات مسخرة للإنسان «»هُوَ الَّذِى خَلَقَ لَكُمْ مَا فِى الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» فأطلق التشريع يد الإنسان فى عمارة الأرض من حوله وتطوير مواردها بشكل يكفل له العيش الكريم: «هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا» وللإنسان أن يستفرغ وسعه فى التنمية والتطوير بلا قيود.. لكن الإطار العام الضابط لعملية التنمية كان صارما ًواضحا «وَلَا تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا» فاشترط ألا يكون إطلاق يد الإنسان فى الأرض مؤديا ًإلى الإخلال بالتوازن البيئى بأى صورة من الصور.
وفى القاعدة التشريعية المستقرة: «لا ضرر ولا ضرار» تلخيص ٌلهذا الإطار الضابط بأكثر عبارة مختصرة، فالضرر إذا كان متحقق الحدوث فى الحاضر أو المستقبل يُلزم الإنسان بتجنب أسباب وقوعه وسد الذرائع المُضية إليه، حتى ولو كان الضرر أثرا ًجانبيا ًلمصلحة آنية - وهو بحذافيره أحد تطبيقات مفهوم التنمية المستدامة وقد عبرت عنه القاعدة الفقهية الشهيرة «درءُ المفاسد مقدم ٌعلى جلب المصالح».
وليس فقط ضمان عدم الإخلال بفرص الأجيال المستقبلية فى التمتع بنفس الموارد والثروات، بل إنك تفاجأ بأن البعد المستقبلى للتنمية كان حاضرا ًفى التشريع الإسلامى بشكل ٍمفصل، وإلا فإن (الأوقاف) كانت نموذجا ًواضحا ًعلى هذا الحضور، فـ(الوقف) على اختلاف أنماطه من مدارس وأراض زراعية وغيرها كان محوره الأساسى ضمان استمرار التنمية لمصلحة أجيال مستقبلية.
بدائل الطاقة ممكنة الاستحداث والاستخدام فى مصر، لكنها تحتاج إلى قيادة تمتلك إرادة الاختيار ثم إدارة ًعلمية ًلهذا الاختيار توفر علينا وعلى الأجيال القادمة مزيدا ًمن التقدم نحو الهاوية.