أكبر اصطفاف إنسانى إغاثى فى تاريخ مصر قام به الجيش المصرى، وشهده الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ أيام لمساعدة الأشقاء الليبيين وإغاثتهم فى محنتهم غير المسبوقة.
والغريب أن أعاصير ليبيا أتت دون إنذار مسبق أو جاهزية ليبية لمثل هذا الطوفان والأعاصير التى أتت على الأخضر واليابس فى عدة مدن ليبية.
كان الاصطفاف متوازنا ومتكافئا مع فداحة الخطب، الجيش المصرى يمتلك جاهزية سريعة وقوية لأخطر الأحداث، ولعل هذا الاصطفاف جاء بعد يوم تقريبا من بداية الحدث وشمل كل أنواع المساعدات الطبية والإغاثية والغذائية، ومهمات البحث فى الأنقاض عن المفقودين، فضلا عن المستشفيات الميدانية والفرق الطبية والإنسانية الجاهزة.
كل هذه الجاهزية المشرفة السريعة والدقيقة ليست جديدة على جيش عريق تمتد جذوره إلى صلاح الدين الأيوبى وقطز وبيبرس وقلاوون وإبراهيم باشا والشاذلى والجمسى وواصل وخليل.
ستظل مصر ملجأ لأمتها العربية والإسلامية فقد استضافت العراقيين بعد الاحتلال الأمريكى لبلادهم، واستضافت السوريين بعد محنة بلادهم، واستضافت السودانيين بعد حربهم الأهلية العبثية، واستضافت الليبيين بعد تمزق بلادهم.
لم تضق مصر يوما بلاجئ ولم تجعل لاجئا يعيش فى الخيام، ولم تتسول العالم أو تبتزه باسم اللاجئين كما فعلت دول كثيرة ولم تقم يوما بأى مذبحة للاجئين مثلما حدث فى صبرا وشاتيلا والماء البارد وتل الزعتر وعين الحلوة وغيرها.
ومعظم اللاجئين تعلموا فى مدارسها وجامعاتها واحتضنهم المصريون رغم حاجتهم واقتسموا اللقمة معهم، وقد رأيت معظم الأطباء والمدرسين لا يتقاضون أجرا من اللاجئين السوريين.
المحنة الليبية اليوم أكبر من إمكانيات دولتهم الوليدة التى لم تتوحد وللأسف إلا على وقع الكارثة فتنادى بعضهم على بعض بنسيان الإحن وخلافات السياسة المقيتة والتشارك فى علاج المحنة العاتية.
لقد وصل ارتفاع المياه إلى 30 مترا مما أدى إلى اقتلاع كل شىء بما فيها السدود وقد حصر الإسعاف الليبى عدد الشهداء بأكثر من سبعة آلاف شهيد «فصاحب الهدم شهيد»، «والغريق شهيد» بنص حديث رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، وكأنما يربت الرسول على كتف أسر القتلى ويواسيهم بهذا الوسام الغالى الذى يخفف عنهم جرح الفقد وألم الفراق الأبدى.
أما أعداد الجرحى فوصل إلى أكثر من سبعة آلاف جريح، أما أعداد المفقودين فزادت على عشرة آلاف مفقود.
رياح وأمطار غير مسبوقة اجتاحت كل شىء أمامها وهدمت السدود والبيوت والسيارات، وأكبر مدينة تضررت هى مدينة درنة التى شطرتها السيول إلى شطرين لا يستطيع أحدهما الوصول للآخر.
الأعاصير والأمطار سحبت البيوت وألقتها فى البحر فى كارثة لم تشهدها ليبيا المعروفة ببعدها عن الطوفان والسيول والأعاصير، حتى إنه لم يكن أمام فرق الإنقاذ بديل سوى حفر مقابر جماعية لدفن عشرات الجثث فى كل قبر جماعى، لقد غرقت أحياء كاملة فى بعض المدن.
وتعد مصر أكبر دولة فى العالم كله قدمت مساعدات لليبيا ثم تركيا والإمارات أما باقى الدول فهى مساعدات رمزية لا تسمن ولا تغنى من جوع، ومما زاد من هول الكارثة اكتظاظ مدينة درنة بالسكان دون غيرها.
أما خسائر المصريين العاملين فى ليبيا فهى كثيرة ولم يتم حصرها كليا حتى الآن ومعروف أن شباب مدن الصعيد مثل بنى سويف والمنيا وأسيوط يفضلون العمل فى ليبيا لأن العملة الليبية «الدنيار» توازى 8 جنيهات مصرية، ومعظم المصريين فى المقابل يعملون هناك فى بيئة خطرة من كل النواحى وأعرف عمالا مصريين تعرضوا من قبل لأخطار كثيرة.
ومما يدل على فداحة الخسائر البشرية المصرية أن عدد الشهداء المصريين الذين أمكن التعرف عليهم ووصلت جثثهم لمصر حتى الآن 221 شهيدا، وقد اتشحت مدينة «ببا» بمحافظة بنى سويف بالسواد بعد أن فقدت 65 واحدا من أبنائها معظمهم من الأشقاء، منهم ثلاثة أشقاء من آل رجب، ثلاثة من آل شعراوى واثنين من آل قرنى، اثنين من آل حنفى.
أحزان مصر طويلة وممتدة فهى حزينة على أبنائها من جهة وعلى ليبيا من جهة أخرى، أما أحزان العرب فلا نهاية لها بعض أحزانهم صنعوها بأيديهم وبعضها صنعتها الأقدار لحكمة لا يعلمها إلا الله، زلزال فى المغرب، وإعصار فى ليبيا، وحرب أهلية على حطام السياسة الزائل فى السودان، وخراب فى اليمن وحكم للميليشيات وتمزق للدولة فيها، وخراب فى سوريا، ولاجئين عرب ممزقون فى كل مكان، وخلاف ساذج بين المغرب والجزائر، وتمزق عربى وتغول إسرائيلى غير مسبوق.
رحماك يا رب بالعرب والمسلمين، فأكبر متشائم فى الخمسينيات والستينيات لم يكن يتصور أن يصل العرب إلى هذا الدرك من التمزق والانهيار.